مشاهد

قاموس الشخصية المصرية

تصغير
تكبير
| يوسف القعيد |
صدور طبعة جديدة من «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية» لأحمد أمين. حدث ثقافي وفكري مهم لابد من التوقف أمامه طويلاً، بخاصة أنه منذ صدور الطبعة الأولى من هذا القاموس سنة 1953. لم تصدر طبعات جديدة منه. سوى طبعة أعتقد أنها مزورة صدرت من بيروت منذ سنوات. وكانت مجلدة ولها عنوان مغاير على الغلاف الخلفي في محاولة للإيحاء أنها ليست كتاب أحمد أمين.
ومع هذا فإن من يتصفح هذه الطبعة، لابد أن يكتشف أنها هي كتاب أحمد أمين نفسه، بالرغم من تغيير العنوان على الغلاف الخارجي، وهذه الطبعة المزورة صدرت أكثر من مرة، إنها مزورة بمعنى أنها مصورة عن الطبعة المصرية، مع تغيير الغلاف فقط، وحذف اسم المؤلف والناشر للطبعة المصرية.
وكان صدورها في جميع الأحوال، من بيروت ـ وليس في هذا إدانة لكل الناشرين اللبنانيين، فأنا ضد التعميم ـ فإلى جانب هذا الناشر المزور يوجد عشرات الناشرين الشرفاء. الذين لولاهم ما امتلكنا ثقافتنا ولا تعمق وعينا ولا أدركنا ما ندركه.
أيضاً فقد صدرت هذه الطبعة الجديدة، بمقدمة للدكتور محمد الجوهري، أستاذ الفولكلور والأدب الشعبي، حيث حقق وراجع وعلق على هذا الكتاب، وقد كتب مقدمة طويلة ودراسة مستفيضة.
يقول أحمد أمين عن قصة كتابة هذا الكتاب، أنه في سنة 1938 طلبت منه مجلة الإذاعة أن يكتب لها سلسلة مقالات، فاحتار في أي الموضوعات يكتب، وبعد ذلك هداه تفكيره إلى أن يكتب سلسلة مقالات في العادات والتقاليد المصرية، بعنوان: دائرة المعارف المصرية، يرتبها حسب الحروف الأبجدية، وبدأ من حرف الألف، وكانت البداية هي الإبرة، واستمر إلى أن كتب نحو أربع عشرة مقالة. ولم يكن حرف الألف قد انتهى.
وفي سنة 1939 تم اختيار أحمد أمين عميداً لكلية الآداب، فنصحه البعض ألا يستمر في هذه المقالات، لأنها تتنافى مع جلال العمادة، مع أن هذه المقالات أجلّ من أي عميد.
وفي سنة 1948 ترك أحمد أمين العمادة، وعاد إلى استكمال موضوعه الذي استغرق منه حوالي أربع سنوات، وفي سنة 1953 صدر القاموس للناس، وأهمية هذا القاموس أن أحمد أمين أقام صلة من النوع النادر بين العامية والفصحى، فهو يثبت الكلمة العامية ويشرحها بعد ذلك بالفصحى. فلا تشعر بأي غربة ولا انتقال بين هذا وذاك.
في حرف الألف. يثبت أحمد أمين كلمة «آهين». ويشرح معناها فيكتب: هي تثنية آه. فإذا زاد الوجد على العاشق. فبدل أن يقول آه يقول آهين. وأحياناً يجمعونها على آهات.
والكتاب يوشك أن يكون ترجمة للشخصية المصرية، ودراسة عنها، لا تخلو من الجانب الميداني. وهي مليئة أيضاً بكل ما هو شعبي وطريف وغير متوقع فيها.
ولا يقدر على كتابة مثل هذا الكتاب، سوى مؤلف موسوعي مثل أحمد أمين، درس تاريخ المصريين وروحهم وعاداتهم وتقاليدهم وعايشهم من الحارة الشعبية إلى الحي الراقي. واختزن في أعماقه كل التجارب التي تعينه على فهم الشخصية المصرية. وأيضاً وهذا هو المهم قرأ تاريخ مصر والمصريين منذ آلاف السنين حتى وقتنا الراهن والحاضر.
مثلاً في حرف الألف وتحت عنوان: ابن نكتة، يبدأ بتعريف النكتة، ويعرف النكتة بأنها: فيما جاء في وسط الكلام أنها عبارة منقحة أو جملة طريفة صدرت عن دقة نظر ولمعان فكر أو مسألة لطيفة تؤثر في النفس انبساطاً، ثم يتطرق إلى حب المصريين للضحك. وينقل عن المقريزي قوله الذي نقله عن ابن أبي الصلت: إن أخلاق المصريين يغلب عليها الانهماك في الملذات والاشتغال بالنزهات.
ويصل إلى قول ابن خلدون الذي قاله عندما رأى المصريين:
- أهل مصر كأنهم فرغوا من الحساب.
ويصل إلى قول المقريزي:
- من أخلاق أهل مصر الإعراض عن النظر في العواقب، فلا تجدهم يدخرون عندهم زاداً. كما هي عادة غيرهم من سكان البلاد. بل يتناولون أغذية كل يوم من الأسواق بكرة وعشيا.
طبعاً هذه الآراء فيها قدر من التعميم، وربما عدم محبة لأهل مصر. لكن إلغائها خطأ. والتعامل معها كأنها لم توجد لا يجب. ولكن قراءتها والتمعن فيها ودراستها مسألة مهمة. لأننا لن نتخلص من عيوب الشخصية المصرية إلا بهذه الطريقة. وبغيرها سنظل غارقين في همومنا وفي مشاكلنا.
ويلاحظ أحمد أمين، أن أشد الناس بؤساً وأسوؤهم عيشاً وأقلهم مالاً وأخلاهم يداً. أكثر الناس نكتة. ويأخذ على الأدباء أنهم لم يعتنو بجمع هذه النكت. مثل عنايتهم بنقل الأشعار والمقالات وتدوينها. ترفعاً منهم عن ذلك واستصغاراً لشأن النكت. التي كان يقولها حافظ إبراهيم وعبده البابلي.
ثم يصل إلى كتاب «هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف» وهو من تأليف: الشيخ يوسف بن محمد بن عبد الجواد الشربيني. والشيخ حسن الآلاتي صاحب كتاب: ترويح النفوس ومضحك العبوس. الذي طبع في ثلاثة أجزاء. وقد جمع في هذا الكتاب جميع النكت والنوادر التي قيلت في عصره. وينتهي عند عبد الله النديم صاحب التنكيت والتبكيت.
هذا ما كتبه أحمد أمين في مادة واحدة من مواد حرف الألف، فما بالك بالحروف العربية كلها؟ وإن كان من الصعب تلخيص هذا السفر العظيم. ومن الصعب أيضاً قراءته مرة واحدة. وذلك لتنوع مادته ودسامتها وشمولها أكثر من ميدان.
إنني ما من مرة أعود فيها إلى هذا العمل. حتى أصاب بدهشة حقيقية لأنه مجهود فردي. قام به عالم جليل. وأحد الأساتذة الكبار.
من الأمثال الجميلة في هذا الكتاب:
زيّ التعبان يقرص ويلبد.
راحت الناس وفضل النسناس.
يا حامل هم الناس خليت همك لمين.
كدب مساوي ولا صدق مبعتر.
الخسارة اللي تعلم مكسب.
لسانه يسبح وقلبه يدبح.
القرعة تتباهى بشعر بنت أختها.
حوشوا الهوى عن فؤادي. لا الهوى يجرح.
بعض الكتب أعتقد أن تلخيصها جريمة، وهذا الكتاب لا مفر من أن يقرأه القارئ بنفسه. ويطالعه بأم عينيه، لأن أي تلخيص لهذا البحر الزاخر وهذا العالم المتلاطم من روح أهل مصر. وحياتها. ويجب ألا ننسى أن أحمد أمين كتب هذا الكتاب ابتداء من أواخر ثلاثينات القرن الماضي، وانتهاءً عند بدايات خمسينات القرن الماضي.
وقد ترك هذا العالم الجليل حياتنا في منتصف خمسينات القرن الماضي. أي أنه كان من مشروعات أخريات عمره. ولذلك لا مفر لكل مصري، بل لكل عربي. من أن تكون لديه نسخة منه، كونه عن الشخصية المصرية وعن التعابير المصرية وعن الروح المصرية. فهو يتكلم عن مصر باعتبارها جزءاً من وطنها العربي. وواحدة من أمتها الإسلامية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي