د. سامي ناصر خليفة / سجن «طلحة»... وكر لانتهاك حقوق الإنسان

تصغير
تكبير
مبنى مهترئ لا يليق أن تعيش فيه الحيوانات، فكيف ببني آدم الذي كرّمه الله سبحانه وأعزه! مكان ملوث بكل ما تعني كلمة التلوث من معنى وغير مهيئاً صحياً وغير مؤهل لاستقبال البشر، بل يبعث النظر إليه على الاشمئزاز! إنه سجن الإبعاد في طلحة الذي يقطنه مئات من الوافدين الضحايا المكدسين في بضع غرف لا تستحمل عددهم بتاتاً، أنساهم هذا المكان السيئ والتابع للدولة - وللأسف الشديد - أنهم بشر في وقت أوصانا الله تعالى أن تحفظ الدولة - وهي الطرف الراعي - لهم حق الحياة الكريمة مهما فعلوا ومهما ارتكبوا من أخطاء أو حتى خطايا. ضحايا أُرسلوا هناك بهدف الإبعاد خلال مدّة انتظار لا تزيد عن الشهر الواحد (هكذا تقول قوانين الدولة)، لتجد الغالبية منهم أنهم معزولون عن العالم الخارجي، لا يعرفون متى الفرج! بعضهم تمر عليه الليالي والأيام، بل وحتى الأشهر، والبعض الآخر تمر عليه الأعوام من دون أن يرى أي بصيص أمل أو نقطة بيضاء تخرجه من هذا النفق المظلم.
نعم، تمر عليهم الأعوام بلا محاكمات وبلا قدرة على التظلم، رغم أنه حق لكل إنسان يعيش على هذه الأرض، وبلا لجان تنظر في أحوالهم وبلا معين غير الله سبحانه وتعالى. فأعضاء مجلس الأمة مشغولون في مهاتراتهم مع أعضاء الحكومة على أمور غالبها تافه ويغلب عليها طابع النفس وما تهوى، وبقية أبناء المجتمع في سبات عميق يجهلون تلك الجريمة البشعة التي تنتهك أخلاقياتنا وقيمنا في وضح النهار، والتي تدنست يد المسؤولين بها إلى درجة أجد من واجبي الوطني كشف المستور وفضحه، وواجبي الشرعي كوننا محاسبين يوم القيامة عن سكوتنا، وهو واجب وطني وإنساني لا يسمح لنا أن نرى ما رأيناه ونسكت.
هذا باختصار هو انطباعي عن الزيارة الميدانية - التي شاركت بها - لسجن الإبعاد في طلحة مع النائبين الفاضلين الدكتور وليد الطبطبائي ومحمد هايف والزميل مظفر عبدالله، وما رأيناه من أهوال ومصائب ومآسٍ لا يجعلنا ننسى أو نخفي الاستقبال المميز الذي أتحفنا به المسؤولون في إدارة الإبعاد، وعلى رأسهم العميد خالد الديين، والمبتسم دائماً، والعقيد جمال العمر، وأيضاً العقيد أحمد الرجيبة، إذ إنهم كانوا بحق بلسم الزيارة ولمسنا منهم انزعاجاً لا يقل عن انزعاجنا وتفهماً كاملاً للملاحظات التي أبديناها، والتي لا يتحملون مسؤوليتها بتاتاً، وباتوا يدفعون ثمن أخطاء غيرهم في ظل سياسة سلب الصلاحيات التي يتبعها بعض كبار المسؤولين في وزارة الداخلية، بل أحسب أن العميد الديين هو رجل مناسب في هذا المكان لو أعطيت إليه الصلاحيات الكاملة لتفعيل دوره في موقع المسؤولية. ولي حديث طويل عن الملاحظات في مقالي المقبل.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي