قبل أعوام عدة حضرنا ندوة للزميل أحمد الديين تحدث فيها عن الأوضاع المحلية والعلاقات بين الكتل السياسية والعلاقة المتأزمة بين المجلس والحكومة، أتذكر حينها أنه صدمني عندما انتقل في حديثه إلى نقطة تتعلق في الشأن الأميري. الزميل أثار حفيظتي وكانت بالنسبة إلي أثمن ما في المحاضرة، وهو ما يقصده الدستور بالنسبة إلىّ الذات الأميرية، وأن القانون يمنع التعرض لشخص الأمير ويجعله فوق النقد والمساءلة أما ما دونه فلا. فالدستور الكويتي يحمي الأمير من النقد انطلاقاً من كونه رمز الدولة وعنوان سيادتها والتعرض له يعني التعرض إلى كيان الإمارة. موضع الاستغراب آنئذ (والفرح والسعادة في الوقت نفسه) أنه ليست الشؤون الأميرية كلها تحظى بالقدسية نفسها وبعيدة عن النقد وإبداء الرأي. فما ذكره الديين ساعتها وكمثال على ما يمكن نقده تلك التي اصطُلح على تسميتها بالمراسيم الأميرية، والتي هي عُرضة للمناقشة والأخذ والرد.
عموماً أردت مما مضى أن أعيد الثناء على ما نتمتع به من حرية وارتفاع سقف الرأي، والتي أظنها قد ارتفعت مرة أخرى بعد حكم المحكمة الدستورية الأخير والقاضي ببطلان عضوية كل من مبارك الوعلان وعبدالله العجمي وقبول بدلاً عنهما عضوية سعدون حماد وعسكر العنزي. الكل يعلم أن السلطة القضائية مستقلة وتتمتع باستقلالية كبيرة ومُصانة بقوة القانون من النقد والتشكيك بنزاهتها، وهو أمر منطقي وعقلاني جداً نظراً إلى ما تتمتع به هذه السلطة من خصوصية في فض المنازعات والقضاء بين المتخاصمين.
لكن الجديد في الأمر هو جُرأة الزميل «القانوني» محمد عبدالقادر الجاسم بانتقاده لحكم المحكمة الدستورية من زاوية عدم قانونية عدم النظر لبعض الطعون المقدمة، وهي المقدمة التي انتقل منها لينتقد الآلية التي تشكل منها قضاة المحكمة الدستورية (التزكية دون الانتخاب)!
صحيح أن الأمر بالنسبة إلينا نحن ممن يعملون خارج السلك القانوني متاهة، والزملاء القانونيون أدرى بشعاب القانون عنا، نحن وهم بالتالي أجدر بالتعليق على هذه المواضيع. لكن أقول إن القفزة النوعية للجاسم وقدرته وبصورة علنية أن يتوجه بحديثه للسلطة القضائية هو بالتأكيد ارتفاع جديد في سقف النقد والحرية. بصراحة لم تقع عيناي على مقالة كُتبت بالجرأة نفسها التي تمتعت بها مقالات محمد الجاسم. فكما قلت يندر أن ترى مقالاً يعلو فيه السقف لهذا الحد من النقد باستثناء ما قرأته للدكتور عبدالمحسن المقاطع كتعليق وتأييد لما قاله الجاسم إما تصريحاً وإما كتابةً على موقعه «الميزان» بخصوص المحكمة الدستورية.
لست الآن معنياً كثيراً في ما إن كان الجاسم قد انتقد بحُسن أو سوء نية، كما قالت الزميلة «المحامية» فوزية الصباح في مقالها يوم الإثنين الفائت، ولكن المهم أن «التابو» القضائي قد عُلمت بعض معالمه ومهد الجاسم طريقاً جديداً في النقد وطلب الإصلاح.
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
[email protected]