نشر منذ فترة أن الحكومة صرفت نحو 519 مليون دينار، بين عامي 2011 و2016، أي خلال خمس سنوات فقط على لجان ودراسات واستشارات تناولت مختلف القضايا ذات الصلة بالتنمية. عشرات الخبراء استدعوا من الخارج ليقدموا نصائحهم وأفكارهم عن مشكلات التنمية، لكن ماذا كانت النتيجة ؟
والسؤال: لماذا الإنفاق على دراسات واستشارات ومجالس لا تطبق الحكومة توصياتها؟ ثم ما الداعي للاستمرار في الدراسات وتشكيل اللجان في مؤسسات الحكومة، بينما هناك آلاف الموظفين والمستشارين والخبراء في الجهاز الحكومي يتقاضون رواتب عالية لا تلجأ الحكومة إلى الاستعانة بمن على كفاءة ودراية من هذا العدد الضخم لمعالجة المشكلات أو وضع الخطط ومتابعة التنفيذ ؟ فعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود لم تتمكن الحكومة من إنشاء أجهزة دراسات وأبحاث موثوقة، مثل ما هو قائم في دول تقدم الاستشارة والبحث المعمق لمختلف مشكلات المجتمع بناء على الحاجات الملحة والمستجدات.
المعروف أن مراكز الأبحاث والدراسات تعد عصب التقدم في الدول المتقدمة، فلقد تطورت هذه المراكز على نحو تعتمد حكوماتها على دراساتها وأبحاثها في اتخاذ القرارات المهمة. فالدراسات البحثية أهم من عمل اللجان والمجالس التي تضيع الكثير من الوقت من دون فائدة. فهناك مراكز أبحاث حكومية، في الدول المتقدمة، وكذلك مراكز أبحاث القطاع الخاص، حيث كل طرف يستفيد من الآخر. هذه المراكز أصبحت اليوم أداة لوضع العديد من المشاريع الحيوية، وبحسب المجالات العلمية المختلفة، خصوصاً في ميادين البحوث التنموية والعسكرية والأمنية.
الغرابة أننا نكثر من اللجان الحكومية والمجالس من أجل دراسة قضايا لا يمكن أن تدرس بواقعية ورصانة إلا من خلال المراكز البحثية المتخصصة التي تعتمد على قاعدة بحثية ومعلوماتية وتخصصية لا تتوافر في اللجان الوزارية. هذه المراكز البحثية كعادتها مرتبطة بالمراكز الأخرى وبالجامعات التي تمثل الشريحة الواعية في المجتمع.
كثرة اللجان والمجالس في الأجهزة الحكومية أصبحت مألوفة لدرجة أنه يتعذر أن تخلو أي وزارة من هذه اللجان، بعضها يعمل بصفة دائمة ويستمر لسنوات، وبعضها الآخر وقتي نتيجة معالجة مشكلة أو حالة طارئة. والمستغرب أن توصيات هذه اللجان في الغالب لا تنفذ، وبالتالي تضيع أعمالها بينما يستفيد أعضاء هذه اللجان سنوياً من المكافآت المالية.
ولقد وجد من التجربة أن كثرة الاعتماد على اللجان تؤدي إلى تراجع أداء العاملين وعدم اتخاذهم القرارات المستعجلة عملاً بمبدأ العرض على اللجان، ثم الانتظار لأخذ الرأي. والمعروف أن لجان العمل في الوزارات لا تنجز ما تكلف بها من مهام على وجه السرعة، ما يؤدي ذلك إلى تأخر الأعمال والمشاريع، خصوصاً إذا كانت الدراسات تتطلب السرعة في اتخاذ القرار الذي يتطلب أيضاً وقتاً آخر للعمليات الإجرائية الضرورية للتنفيذ والمتابعة.
لذلك لابد من التخلص من الأسلوب التقليدي في دراسة مشكلات الأجهزة الحكومية وقضايا التنمية بالاعتماد على المراكز البحثية المتخصصة، سواء في الجهاز الحكومي أو خارجه، والاستفادة من اللجان في الحالات الضرورية التي تستدعي ذلك، ولا بديل آخر عنها. نتمنى أن يشدد ديوان المحاسبة الرقابة على دواعي تشكيل اللجان والإنفاق عليها، والمساءلة عن هدر الأموال العامة على دراسات لا جدوى منها.
yaqub44@hotmail.com