سياحة في كتاب الله / شبهة حول الكلام الغريب في القرآن

تصغير
تكبير
شبهات المشككين في الإسلام عموماً وفي القرآن الكريم على وجه أخص، لا تكاد تنتهي، وقد بدأت مع بداية هذه الدعوة، واستمرت عبر عصور الإسلام، وما زالت أصداؤها تُسمع هنا وهناك، دون كلل أو ملل.

ومما يطالعنا به أصحاب الشبهات القرآنية، شبهة يرددونها بين حين وآخر، تقول تلك الشبهة: إن في القرآن كثير من الكلمات الغريبة على لسان العرب، من تلك الكلمات التالية: (استبرق)، {مدهامتان} (الرحمن:64)، {فاقرة} (القيامة:25)، {الناقور} (المدثر:8)، {سجيل} (هود:82)، {عسعس} (التكوير:17)، {المسجور} (الطور:6) وغير هذه الكلمات، التي يدعي أصحاب هذه الشبهة أنها كلمات غريبة على لسان العرب، ويطعنون بذلك في لغة القرآن، توصلاً للطعن في الإسلام!

والواقع، فإن المتأمل في ما يقول هؤلاء القوم، لا يخفى عليه تهافت شبهتم، وتساقط أدلتهم، وركاكة علمهم بكلام العرب، وهشاشة معرفتهم بلسانه؛ ولو أنهم كانوا طلاب حق وحقيقة، لرجعوا إلى مصادر كلام العرب، ولتبين لهم الحق فيما ادعوه وأثاروه.

إن العالِم بلغة القرآن ولسان العرب، يعلم علم اليقين أنه لا يوجد في القرآن الكريم ما يسميه أصحاب الشبهات (كلاماً غريباً) بل كل ما في القرآن من كلام لا يخرج عن أن يكون، إما كلاماً عربيًّا أصيلاً، وإما أن يكون كلاماً معرَّباً، دخل على اللغة العربية، وتفاعل معها، وأصبح جزءاً منها؛ فليس في كلام العرب سوى هذين النوعين من الكلام: كلام عربي أصيل، وكلام معرَّب.

لا يقال هنا إن (غريب القرآن) هو هذا النوع الثاني من الكلام، لأنا نقول: إن استعارة اللغات من بعضها البعض من سُنَن الاجتماع البشري، وهي دليل على حيوية اللغة وتفاعلها؛ وهذه الظاهرة - ظاهرة استعارة اللغات من بعضها - شائعة في لغات الناس اليوم، وليس في هذا ما يُنكر أو يُستنكر، ومن كان على علم أو إلمام بتاريخ اللغات العالمية اليوم، كالفرنسية، والألمانية، والإنكليزية، والعربية، تبين له مصداق هذه الحقيقة.

فإذا عُرِف هذا، فلْيُعْرف أنه لا وجود في القرآن الكريم لما يسمى (كلام غريب) إذ الكلام الغريب في عُرْف النقاد واللغويين، هو كل ما يُعدُّ عيباً في الكلام، ويخالف أساليب الفصاحة والبيان، وكذلك كل ما لم يكن له وجود في معاجم اللغة؛ أما ما لم يكن كذلك، فلا يُسمى كلاماً غريباً.

ومحصَّل القول في هذه الشبهة: إن ما يطلق عليه (غريب القرآن) في بعض المؤلفات الإسلامية، ومنها كتب علوم القرآن، وكتب التفاسير أيضًا، إنما هو غريب نسبي، لا غريب مطلق؛ فما يكون غريبًا على بعض الناس، قد لا يكون كذلك على غيرهم، وهذا أمر واضح لا مرية فيه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي