من زاوية أخرى

أبناء الشوارع وضحاياها ومثقفوها!

تصغير
تكبير
من واقع الفضول الصحافي الذي يتميز به كل من يتصل بالسلطة الرابعة، تابعت منذ بداية العام رسالات وزارة الداخلية التي تبثها عبر اللوحات المنتشرة فوق الطرق الرئيسة في البلاد، والتي من خلالها توجه أحياناً قائدي السيارات إلى تجنب الزحام، أو تنبه إلى ضرورة التزام القوانين المرورية في شأن السيارات الكبيرة أو ما يستجد من أنظمة في شأن الطرق.

غير أن ما لفت نظري في تلك الرسائل، وجعلني أتابعها نتيجة التحديث الذي يطرأ عليها، هي تلك الرسالة التي جاء فيها «عدد حالات الوفيات على الطرق بلغ... فلا تكن أنت التالي». وقد وصل آخر رقم وضع على شاشات تلك اللوحات يوم الخميس الماضي ــ آخر موعد لي مع اللوحة ــ إلى 196 حالة وفاة. ولا شك أن هذا الرقم كبير جداً، ويعكس كم نفقد من أرواح على طرق الكويت نتيجة السرعة الزائدة أو الرعونة أو حتى عدم الانتباه مع سرطان الطرق الذي انتشر في شكل مذهل، ونقصد به استخدام الهاتف أثناء قيادة السيارة.


لا شك أن تلك الرسالة لا يقرأها إلا عدد قليل من سائقي مئات آلاف السيارات التي تمر من تحت تلك اللوحة يوميا، وإذا قرأوها فقد تكون قراءة عابرة لا يتوقفون عندها، باعتبار أن الحادث المروري من المتوقع أن يخلف إصابات أو حتى وفيات. ولكن لو نظرنا إلى الفترة التي سجلت فيها حالات الوفاة لوجب أن نتعجب، ففي خلال أقل من نصف السنة، وبالتحديث خمسة أشهر ونصف الشهر، أو لنقل خلال 164 يوما فقدنا 196 روحا على الطرق، بمعدل 1.19 وفاة في اليوم، أي اننا نفقد يومياً شخصاً على الطرق، وأحيانا نفقد أكثر من شخص، وهذا أمر لا يمكن أن يمر من دون وقفة، للحديث عن أسباب ذلك، فأين يكمن الخلل؟ هل في الأنظمة المرورية غير الرادعة أم في عدم تقيد الناس بالأنظمة على الرغم من تشديد المخالفات، والمراقبة الحثيثة لرجال الداخلية للطرق؟ الامر بحاجة إلى اكثر من مجرد رفع قيمة المخالفات أو سحب رخصة القيادة شهرين أو ثلاثة أشهر. هناك ثقافة يجب أن تنتزع من عقول أبنائنا الذين تغرس فيهم منذ رضاعتهم، فكثيراً ما نرى الطفل وهو يمشي على قدميه يتخيل نفسه راكباً سيارة ويأخذ بالتقحيص بقدميه والقيام بحركات، فكيف وصل ذلك إلى عقل الطفل وترسخ فيه؟ من هنا يجب أن يكون البحث عن حل لوقف حرب الشوارع وحقن دمائها.

في الشارع أيضاً، وأثناء القيادة، لفت نظري حديث طريف وظريف لأحد ضيوف إذاعة القرآن الكريم، باعتباري من متابعي الإذاعة خلال وجودي في السيارة. الضيف تحدث عما أطلق عليه مسمى «ثقافة الشارع» التي يخيل للمستمع للوهلة الأولى أنه يقصد الأسلوب السوقي في اللغة والسلوك، وهو سلوك مذموم ولغة مرفوضة، ولكن الضيف استبعد ذلك، وتحدث عن ثقافة الشارع بما تعنيه كلمة «ثقافة»، ويقصد من ذلك استفادة قائد السيارة من وقته وهو على الطريق مما يذاع في الإذاعة ليزيد من معلوماته وثقافته عبر ما يطرح من برامج ومعلومات، ليكون وجوده في الشارع الذي يقضي فيه وقتاً ليس قليلاً مع الزحام المروري والاختناقات التي تشهدها الشوارع، ولاسيما في وقت الذروة صباحا وبعد الظهر، مفيداً ويعود عليه بمزيد من الثقافة والعلم، ومن هنا كانت ثقافة الشارع المقصودة، لا ما يتعارف عليه الناس من المعنى السيئ للقول «ثقافة الشارع».

بالمقابل، يبقى المفهوم السلبي لمعنى الشارع ولغته قائماً، وهو أمر لا يختلف عليه مجتمع عن آخر، فالمألوف أن الشارع يضم الشباب المتسكع الخارج على قيم مجتمعه، ويتعلم فيه الشباب كل سلوك غير سوي، ولغة غير تلك التي تعلمها في البيت والمدرسة، فتتكون شخصية الشاب بوجود أصدقاء السوء مشوّهة وتفقد من خلاله كل ما تعلمه من أخلاق وقيم في البيت، لتحل محلها مفاهيم جديدة بعيدة عن تلك القيم، وسلوكيات تتعارض عما ألفه الشاب في البيت والمدرسة، ومن هنا كان خطر الشارع.

إذاً الشارع يشكل اتجاهات متعددة، حسب الحالة التي يعشيها، فهو خطر على حياتنا مع السرعة والرعونة، وخطر على قيمنا وأعرافنا إذا تركنا أولادنا فريسة لمجرميه الذين يتصيدونهم عند كل منعطف، وهو بالمقابل مصدر ثقافة وعلم. فلنعطِ الشارع حقه في كل حالة.

[email protected]

@Dr_alasidan
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي