«إن الأشخاص الذين يرفضون الصفح والعفو قد يعتقدون أنهم يعاقبون غيرهم، ولكنهم الوحيدون الذين يدفعون الثمن، هم هؤلاء أنفسهم، لعدم قدرتهم على العفو والصفح، وهم كذلك أشبه بالذي يتجرع السم ويتوقع بذلك أن يؤذي به غيره» الدكتور وليد فتيحي.
التسامح قيمة وفضيلة من أجمل القيم والفضائل، بل قد لا يمكن أن يعيش المرء باستقرار وسلام داخلي من غير تسامح وسلامة صدر وعفو عن الآخرين، وحلول شهر رمضان المبارك فرصة من أجمل الفرص لنغرس بذور التسامح في نفوسنا وننشرها حولنا...
يقول علماء الإدارة في عصرنا «إن الإنسان يحتاج إلى أن يكرر الأمر الذي يود أن يغيره إلى 20 مرة تقريباً حتى يحدث نجاحاً حقيقياً». بمعنى آخر أن الإنسان لو أراد أن يتعلم ويتغلب على مشكلة التردد مثلاً، فإنه يحتاج الى أن يكرر عملية اتخاذ القرار، حتى تصبح لديه عادة.
إذاً فخلال شهر رمضان، يمتنع فيه الإنسان عن الأكل والشرب لمدة 30 يوماً تقريباً، من الفجر إلى وقت المغرب، لذا فان الإنسان سيتعود على عملية اتخاذ القرار ومن جانب ذاتي على سبيل المثال، إرضاء لله عز وجل.
مدرسة رمضان تعلمنا التغيير والتسامح، في زمن نشاهد من يتفنن في زراعة بذور الكراهية عبر وسائل التواصل المختلفة، لدرجة أن أبناءنا تربوا على كراهية الآخر... فكيف سيتعايشون في قادم الأيام مع بعض؟ وكيف لطفل صغير ان يعرف تفاصيل الطائفية والتعصب ويتحدث فيها؟ من الذي علمه غير الأسرة التي نشأ فيها؟
إن النواة الحقيقية لغرس قيم التسامح، هي الأسرة خصوصاً الأبوين، الذين عليهم تربية اولادهم على هذه الخصلة الحميدة، وأن يتسامحوا مع أصدقائهم وجيرانهم، والمدرسة أيضا لها دور كبير جداً، حيث يقضي الشاب سنوات طويلة من حياته فيها، إضافة إلى الإعلام لما له من دور كبير في المجتمع. وشاهدنا بعض القنوات الفضائية كيف كانت تنثر بذور الفرقة بين مختلف طوائف البلد الواحد.
ويقول سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس». وفي آية أخرى: «وإن تعفوا وتصفحوا فهو خير لكم». ويقول القرطبي في التفسير: «والعفو ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح إزالة أثره من النفس، صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه، وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته».
ويقول مايكل باري في كتابه عن علاج الأمراض السرطانية، «إن فقدان القدرة على المسامحة هو في حد ذاته ظاهرة مرضية تؤثر سلباً على الصحة، خصوصاً إذا كان المرء مصاباً بأحد الأمراض المزمنة، إنه من المثبت علمياً أن التوتر العصبي نتيجة عدم المسامحة يضر بالجهاز الهضمي والأوعية الدموية والشرايين ونظام المناعة في الجسم».
الإنسان في هذه الحياة يحتاج إلى وقفات تأمل وتدبر مع نفسه، ويسأل نفسه ما هي أهدافه في الحياة، سواء كانت على المستوى العملي أو العائلي أو الشخصي أو حتى الإيماني...؟ وقد يمر بمواقف عديدة، ولكن تبقى هناك نقطة تحول في حياة الإنسان أو المنعطف الذي ساهم مساهمة فعالة في تغيير حياته وسلوكه وفكره، وهي تختلف من إنسان إلى آخر. فشهر رمضان الكريم، يعتبر فرصة سانحة ونقطة تحول ومدرسة حقيقية لمَنْ أراد أن يغير في حياته وعاداته.
يأتي علينا شهر رمضان في كل عام لكي يتوقف الإنسان مع نفسه وقفات جادة وسط صخب وملهيات الحياة المادية. ومدرسة رمضان أجمل فرصة لنزع الأحقاد من النفوس وفتح صفحة جديدة، والتخلص من الشوائب في القلوب. وأجمل فرصة لكي يرتب الإنسان نفسه من الداخل، فيعيد ترتيب حياته، ويحاسب نفسه محاسبة الشريك لشريكه الحريص على دوام الشراكة، ويبحث عن مواطن الخير فيها وينميها، ويعاهد نفسه على تغيير نمط حياته للأفضل، ويضع ويرسم لنفسه الأهداف التي يتمناها ويسعى إلى تحقيقها.
مدرسة رمضان فتحت أبوابها وهي ما زالت في البدايات، وهي كذلك لمن استعد لها، فقط تفتح أبوابها لمدة شهر واحد ومستمرة من السنة الثانية للهجرة إلى يومنا هذا في السنة التي فرض فيها الصوم، ولكنها تقدم مواد روحانية مكثفة أكثر من أي مدرسة أخرى، ولكن لمن استعد لها الاستعداد الأمثل سواء على المستوى الروحي أو العقلي أو الجسدي.
ففي رمضان سارعوا إلى الخيرات، ولا تظن بالآخرين إلا كل خير، وعامل الناس بأخلاقك وليس بأخلاقهم وسامحهم، وحاول أن تخرج من الدنيا كما دخلتها سليم الصدر، وليكن همك مرضاة الله وليس الناس، فلا يوجد شيء أجمل على النفس من التسامح ولا أحلى من خلق التواضع.
[email protected]