صدى / الاغتراب... صدمة حضارية معاكسة

u0633u0647u064au0644u0629 u063au0644u0648u0645 u062du0633u064au0646
سهيلة غلوم حسين
تصغير
تكبير
مفهوم الاغتراب ثقيل في نفوس الكثيرين وإن كانوا قد اجتازوا مرحلة الصدمة الحضارية، ولكن مازال منهم من يحلم بالعودة يوماً ما إلى وطنه، رغم معرفته أنه سيبدأ معاناة التأقلم مع مجتمعه القديم بحكم تعوده على مجتمع الغربة والانصهار فيه وهذا يسمى «الصدمة الحضارية المعاكسة».

هذا الشعور الذي يأتي للمغترب الذي اعتاد العيش في بيئة جديدة عليه يستلهم منها ما لم يجده سابقاً وعليه تنتعش مخليته في تغطية نواقص لم يعتدها، وما أن يعود الى بيئته القديمة بعد فترة من الغياب تظهر ملامح الصدمة الحضارية المعاكسة وأعراضها ويعاني منها على وجه الخصوص الطلبة الدارسون في الخارج، بغض النظر عن مدة الاغتراب قصيرة كانت أو طويلة وأسبابها, فالأشياء والظروف لا تبقى تماماً كما تركت عليه قبل المغادرة لأن الظروف تتغير والبشر أيضاً وكذلك البيئة وكل هذا يحدث تدريجياً خلال الفترة الزمنية للغياب وقلة التواصل مع البيئة القديمة وأهلها نسبياً.

إن العودة إلى البيئة الأصلية بعد أن تعود على البيئة والثقافة الجديدة ينتج عنه نفس مراحل وتأثيرات الصدمة الحضارية، وبالرغم من المعرفة المسبقة بهذه الصدمة أو توقع حدوثها قد يخفف منها على الشخص ولكنه سيمر بكل مراحلها تقريباً ويشعر بالألم الذي يشعر به من لا يعرفها مسبقاً ولكن ربما بشكل أقل حدة.

تمكن الباحثون في العلوم الاجتماعية من تفسير «الصدمة الحضارية المعاكسة» واعتبروا بأن ما يعانيه العائد إلى وطنه بعد غربة قضاها في بلد يختلف عن بلده في العادات والتقاليد ونظم الحياة وأسلوب التفكير وهي من أوجه الصدمة الحضارية ومراحلها هي نفسها مراحل الصدمة الحضارية إلا أنها تأخذ وقتاً أطول ومن المهم عدم تجاهلها. بعد العودة مباشرة ستكون النظرة إيجابية وجميلة تجاه كل شيء «العائلة والأصدقاء والطعام والعادات الاجتماعية الأصيلة» وكل الأشياء التي كانت مفتقدة في الغربة وكل المناظر المألوفة القديمة في وطنه, ولكن وبعد مرور فترة تتجلى بعض السلبيات ويتفاجأ بالتطورات والتغيرات التي حلت بالأهل والأصدقاء والبيئة بشكل أكبر مما كان عليه قبل مغادرة البلد الأصلي وظواهر أخرى جديدة. وقد يرى أن الوطن لم يعد كما تركه فيواجه صدمة حضارية معاكسة، وفترات قصيرة من الشعور بالعزلة، وصعوبة في فهم الطريقة التي تسير بها الأمور في المجتمع الذي غادره منذ وقت ليس بقصير، فالأمور تتغير، والأصدقاء ينتقلون إلى أماكن أخرى، والمجتمع والأهل والأصدقاء تغيروا, فالكل مرّ بتجارب كثيرة خلال البعد أثرت في شخصيته وحياته وعاداته وروتينه اليومي, لم يكن هو معهم ولم يعش التجارب نفسها، لذا لم يتغير بالشكل الذي تغيروا هم به وهم كذلك لم يكونوا معه وما عاشوا تجاربه اليومية الحياتية ولهذا لم يتغيروا بالشكل الذي تغير هو به وربما لا يدرك أي منهم أسباب التغيير.

وفي هذه المرحلة يظهر شعور الغربة وعدم الانتماء إلى المجتمع الأصلي وقد يكون الأمر صعباً من ناحية التأقلم مع الوضع في بداية الأمر، ولكن سيرجع الأمر إلى العائد نفسه في أن يقوم بالأشياء التي من شأنها أن تجعله يتأقلم مع بيئته، وقد يكون أكبر التغييرات وأصعبها إدراكاً هو تغيره شخصياً على الرغم من أن هذا التغير هو الأصعب إدراكاً وتصوراً بالنسبة له، فالسفر والعيش في الخارج لهما تأثيرهما على الطريقة التي ينظر بها إلى ما يحيط به.

إن العودة قد تكون بنفس القدر من الصعوبة التي كانت عند السفر إلى الخارج, والإعتقاد بأن الأمور ستظل كما هي يزيد من تلك الصعوبة، ولكن للتأقلم مع البيئة القديمة من جديد من الضروري تذكير النفس بالنجاح في التأقلم مع البيئة التي جاء منها للتو، وسيكون من السهل التأقلم مع البيئة التي نشأ فيها، واستخدام نفس الطرق التي ساعدته خلال التأقلم مع الصدمة الحضارية الأولى، وعدم المقارنة في كل شيء بين الوطن أو البيئة القديمة وبين البيئة التي جاء منها، فهو الآن يعيش في بيئته القديمة، وأيضاً الحرص على إظهار الاهتمام بالأهل والأصدقاء، والتكلم معهم عن تجاربهم هم وليس فقط عن التجارب الشخصية، وانتقاء الأحاديث والكلمات بعناية والتحدث عن التجربة الشخصية في سياق الحديث بحيث تكون مرتبطة بموضوع الحوار وبالأشخاص الذين يتم التحاور معهم.

ولا يغفل عن رد الجميل وإعطاء المجتمع والوطن والحفاظ على مكتسبات الوطن وفضائله وقيَمِه وفضائله والحرص على ترسيخ هذه المفاهيم في أبناء المجتمع، ونقل الإيجابيات والخبرات والمعلومات الجديدة من البلد الذي جاء منه وتطبيقها للارتقاء بالبلد، سواء كانت تلك الخبرات علما أو شهادة أو تجربة وتعايشا في حياة مختلفة بإيجابياتها وسلبياتها.

* كاتبة كويتية

[email protected]

suhaila.g.h

suhailagh1
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي