حين احتل «الدواعش» ثُلث الاراضي العراقية قبل سنتين، ارتفعت الاصوات المنددة بحكومة نوري المالكي، وبرر الاعلام «العربي» آنذاك، بأنها ثورة شعبية وطالب الاهالي باطلاق سراح بناتهن من السجون. اكتشفنا بعد ذلك، أن المسألة بأكملها لم تكن سوى «قضمة داعشية»، وحلقة من ضمن حلقات متلاحقة لمشروع أكبر يهدف لإخفات «الهلال الشيعي» وفك الارتباط بين ايران والعراق او تقسيم الاخير إلى ثلاثة مكونات ان اقتضى الامر (سني، شيعي، كردي).
الحملة العراقية التي تشنها القوات الحكومية ومعها الحشد العشائري والشعبي ضد «داعش»، أخيراً، لم تتغير كثيراً عما فعله المالكي قبل ثلاث سنوات، باستثناء التوقيت. الفلوجة منذ البداية كانت الحاضنة والبلدة التي رحبت بـ «داعش»، مثل الرقة في سورية وسرت في ليبيا. فهي المدينة الاولى التي عبّرت عن عصيانها في العراق في وجه الحكومة المركزية، وبسببها استطاع الارهابيون تصدير المفخخات البشرية وتصنيع الالغام ونشرها في كل مكان في العراق.
هذا وضع الفلوجة، والامر يتطلب أن تُحرر بأي شكل من الاشكال. فالارض عراقية وعلى ابنائها أن يخلصوها من اولئك الوحوش، فعلام كُل هذا التباكي؟ كثير من الاعلام «العربي» غريب في الحالة النرجسية التي تنتابه بصورة انتقائية لبعض الحملات ولبعض المُدن العربية الاخرى. فما يحصل مع الفلوجة يحصل في سورية وفي اليمن وغيرهما.
الحملة الحالية في الفلوجة افضل بكثير مما جرى في السابق والاخطاء التي وقعت من قبل الجيش او الحشد الشعبي او الفصائل الاخرى. فالقيادة السياسية في العراق أصبحت اكثر خبرة ودراية، والقيادات العسكرية استشعرت استغلال البعض للملفات الطائفية في حملات كهذه فوضعت خططها كي تتحاشى الاتهامات المذهبية ودعاوى القتل على الهوية. فلأجل هذا الامر تحديداً حشد الجيش قوى عسكرية متنوعة من العشائر السنية، والمساندة السياسية من البرلمان كان واضحاً بحيث اسندت ادارة ملف الحملة لشخصيات سنية لوضع خطط الهجوم، ومضافاً لذلك اُسند للحشد الشعبي (الشيعي) الدعم على الخطوط الخلفية وعدم الدخول للمدينة، كُل ذلك كي تتفادى تهمة الحملة الطائفية والطابع المذهبي. لكن ومع ذلك لا تزال «أقلام » وسياسيين يصرون على تصوير المسألة وكأنها حملة على اطفال السنة وقتل وذبح طائفي.
عموماً ما يعنينا نحن هنا، أن المعارضة السياسية التي اعلنت نيتها العودة الى المشاركة البرلمانية والانتخابات، تكشف تصريحاتها بخصوص الفلوجة، أن «حليمة عادت إلى عادتها القديمة»، وبالتالي فعلى المجتمع الكويتي أن يستعد لجولة جديدة من الشحن الطائفي ويستوعب دروس الماضي ولا يكترث بحملاتهم خصوصاً إذا ما نجحوا بالوصول الى المجلس.
hasabba@