الطالب الكويتي الذي يدرس في دول أوروبا الغربية، ومن بينها بريطانيا، يكتسب بعض العادات والسلوكيات الحميدة، وقد يكون ابرزها احترام القوانين وتحديدا قانون المرور، كما تجده متسامحا ومتعاونا مع من حوله من مشاة وسائقي مركبات في الطرقات من أجل تيسير تدفق السيارات والمارة.
لكن غالبا ما تنقلب علاقته بالقانون بعد أشهر، إن لم تكن أيام، من تخرجه واستقراره في الكويت، فيتحول من ميسر إلى معسر للمرور ومسببا للاختناقات. لكن تبقى في عقيدته، ومن واقع تجربة خاضها ايام دراسته، بأنه يمكننا الوصول إلى وجهاتنا في شكل اسرع وأكثر سلامة إن التزمنا جميعا قوانين المرور وأخلاقيات الزمالة في الطرقات. هذا الخريج يمكنه أن يكون نبيلا في قيادته للسيارة في اوروبا، لكن ليس في الكويت بسبب اختلال منظومة الطرقات بتوابعها.
من الصفات الأخرى، التالية لاحترام القانون، التي يكتسبها الطالب في أوروبا، هي الترشيد في استهلاك الكهرباء - بل الطاقة عموما - وكذلك الماء لكن بدرجة أقل. فتجده - في غربته - ملتزما مظاهر الترشيد في مسكنه، حيث يقتصد في اختيار درجة حرارة التدفئة، ويخفف شدة التدفئة أو يوقفها قبل خروجه إلى الكلية، كما يطفئ الانارة عند خروجه من الغرفة، بل ويخفف شدة الانارة أثناء تواجده في الغرفة، وكذلك يحرص على أن يكون منزله - بجدرانه ونوافذه وأجهزته الكهربائية وخلافها - مطابقا لمواصفات حفظ الطاقة في المباني.
لكن بعد سنوات من تخرجه، لا تجد لهذه الثقافة المحمودة أثرا في سلوكياته ولا في من رافقه من افراد اسرته، إلا إذا عادوا ليسكنوا مرة أخرى في أوروبا لما يزيد على الشهر. هذا التباين في سلوكيات الاسرة الكويتية - من منظور الترشيد - سببه الاختلاف الشاسع في كفاءة الجهات المعنية بالترشيد وأدواتها. باختصار، حكومتنا غير مؤهلة لإدارة الترشيد في الكويت.
الكويتيون قادرون على الترشيد والمساهمة في الشراكة العالمية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدها قادة العالم في سبتمبر الماضي في قمة أممية تاريخية في مقر الامم المتحدة. لكن هذا التطور في المجتمع من حيث السلوك الاستهلاكي يتطلب بيئة ثقافية مشجعة ومنظومات تقنية مساندة ومجموعة تشريعات معززة للشفافية وخطة تنفيذية سلسة لا تربك الاسواق ولا تحرج محدودي الدخل.
وزارة التربية في مناهجها ووزارة الاعلام في برامجها وجمعيات النفع العام في أنشطتها، يجب أن ترسخ في الشعب والبرلمان والحكومة، الإيمان بأن تكاليف دعم الكهرباء والماء تدفع من ثروتنا نحن جميعا وأجيالنا المقبلة، فنؤمن بأن الترشيد واجب انساني نسعى من خلاله إلى حماية بيئتنا ورعاية صحتنا وتدعيم اقتصادنا من أجل استدامة الرخاء لنا وللاحقين من بعدنا. وكذلك الخطاب الديني يفترض ان يتحول من أداة تستغل للتخندق في الصراعات الاقليمية والانتخابات المحلية إلى مدرسة لغرس السلوكيات الحميدة في المجتمع، ومنها نبذ الاسراف. لكن الحكومة عاجزة عن تطوير ثقافة المجتمع ومتقاعسة في تقويم جمعيات النفع العام وفي مقدمها تلك المقنعة بالدين. من جانب آخر، فان العديد من المنظومات التقنية المرتبطة بالترشيد بحاجة إلى تطوير، أذكر منها على سبيل المثال، منظومة قراءة وتحصيل فواتير الكهرباء والماء، حيث أدعو الحكومة إلى الاستعانة بالشبكات الذكية التي تمكن وزارة الكهرباء والماء من الحصول على قراءات لحظية في المباني وعند المحولات. وبالتالي فان هذه الشبكات قادرة على تحديد العدادات غير الدقيقة، فضلا عن دورها في تحسين كفاءة توليد الكهرباء عبر تعزيز التناغم بين الانتاج والطلب.
المنظومة التقنية الأخرى مرتبطة بكفاءة الأجهزة الكهربائية وفي مقدمها أجهزة تكييف الهواء. فالحكومة غير قادرة على ضمان مطابقة أجهزة التكييف مع مواصفاتها المعلنة في كتالوغاتها. أعلم أن لدينا في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي مختبرات لقياس كفاءة أجهزة التكييف وأن وزارة الكهرباء والماء لا تعتمد أجهزة التكييف إلا بعد التحقق من كفاءتها وفق النتائج المختبرية، إلا انني في الوقت ذاته أعرف بأن شركة التكييف هي التي تختار الاجهزة التي يتم فحصها في المختبرات. وقد تكون المشكلة أكبر بالنسبة للعديد من الأجهزة الكهربائية الأخرى وعناصر المباني التي لا نملك مختبرات معتمدة لفحص كفاءتها، وقد تكون النوافذ أهمها.
لذلك أناشد الحكومة بناء مختبرات خاصة بهندسة الحرارة في المباني وأخرى لقياس كفاءة الأجهزة الكهربائية، وأيضا تبني آليات لضبط المتلاعبين بمواصفات الاجهزة الكهربائية وعناصر المباني. لا يليق بالحكومة، مطالبة المستهلك بالترشيد في ظل تقاعسها عن توفير قنوات وأدوات ضرورية وارشادية لحفظ الطاقة في المباني في كل مراحلها ابتداء من التصميم ومرورا بالتنفيذ ووصولا إلى التشغيل والصيانة... إلا إذا كانت تبحث عن الاثارة؟
abdnakhi@yahoo.com