عاب عليها التداخل بين المحاور وغياب الجدول الزمني والأولويات... وعدم التحسّب للأثر الانكماشي المحتمل

علي الغانم: وثيقة الإصلاح الحكومية خجولة... وقاصرة

تصغير
تكبير
وثيقة بهذا العمق والبعد المفصلي لا يمكن ن تستكمل أركانها بومضة ملهمة

قيمتها تكمن في كونها تعبيراً حكومياً صريحاً عن الالتزام بالإصلاح

من الخطأ معالجة أوضاعنا الاقتصادية بالتركيز على جانبها المالي فقط

«التيسير التجاري» يقوم على الاستثمار الأمثل للمزايا التنافسية الأهم

انخفاض النفط الحالي يعكس إرهاصات تحول عميق في الاقتصاد العالمي

التحدي الراهن يستدعي البحث عن رؤية تنموية تعيد هيكلة الناتج المحلي

لرؤية تنموية مستدامة تضع حدوداً لمغامرتنا الخطيرة بالاعتماد المطلق على النفط
اعتبر رئيس غرفة التجارة والصناعة، علي الغانم، أن وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي، التي أقرتها الحكومة أخيراً، بمثابة تجاوب خجول مع المنظور الشمولي للإصلاح المالي والاقتصادي، الذي نادت به «الغرفة» في الورقة التي أصدرتها في شهر فبراير الماضي.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة الثانية والخمسين لـ «الغرفة»، أكد الغانم «أن ورقة (الغرفة) جددت ما سبق أن أكدته مراراً وتكراراً من أن الإصلاح الاقتصادي، بشقيه المالي والتنموي، لا يمكن أن يتم إلا في إطار خارطة واضحة الخطوط والخطوات، تضم حزمة كاملة متكاملة من السياسات والتشريعات والإجراءات، ويجري تنفيذها حسب جدول زمني يمتد إلى سنوات عديدة، وتتسم بالشفافية التي تجعل المواطن يتفهم مبرراتها وأهدافها، ويطمئن إلى جدواها وعدالتها».


وقال «إننا في (الغرفة) نأخذ على هذه الوثيقة نقاط قصور كثيرة، منها: التداخل الواضح بين المحاور، وبين هذه والوسائل والآليات، وغياب الجدول الزمني والأولويات، وافتقاد خطة التوعية والإعلام، بالإضافة إلى الجموح إلى أبعد بكثير مما تستطيع الإدارة العامة المترهلة إنجازه، فضلاً عن عدم التحسب للأثر الانكماشي المحتمل».

بيد أن الغانم بين في المقابل «ندرك أيضاً، أن وثيقة بهذا العمق الجراحي، وبهذا البعد المستقبلي المفصلي، وبهذه المهمة المثقلة بعقود من التجاهل والتأجيل، والمحاصرة بظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد، لا يمكن أن تستكمل أركانها بومضة ملهمة. فليس هناك حلول سهلة سريعة الأثر، وليس هناك حلول ترضي الأطراف كافة»، مشيراً إلى أنه «لابدّ أن تبقى الوثيقة وسياساتها وإجراءاتها مثار جدل يطول ويقصر، وموضع اختلافات تتسع وتضيق».

وقال «نعتقد أن القيمة الحقيقية لهذه الوثيقة تكمن في كونها تعبيراً حكومياً رسمياً وصريحاً عن الالتزام بالإصلاح المالي والاقتصادي، وقراراً واضحاً بتعريف هذا الإصلاح من خلال عرض أسسه ومنطلقاته، وتحديد مضمونه وتوجهاته وإجراءاته. وهي وثيقة ستبقى آلياتها موضع تطوير وتعديل في ضوء التجربة، دون أن يضعف ذلك من قوة الالتزام بالإصلاح، وشريطة أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها بحزم وشجاعة، وأن يبقى تعاون مجلس الأمة في إطار القناعة الموضوعية والنظرة الوطنية».

تنويع الإيرادات

شدد الغانم على أن «ثمة فارقاً كبيراً بين تنويع إيرادات الميزانية العامة، وتنويع مصادر الناتج المحلي الإجمالي»، معتبراً أنه «من الخطأ في معالجة أوضاعنا الاقتصادية أن نركّز على جانبها المالي فقط، بل لابدّ من أن يسير الإصلاح المالي بالتوازي والتكامل مع الإصلاح الاقتصادي، المتمثل برؤية تنموية حقيقية مستدامة، تضع حدوداً لمغامرتنا الخطيرة في الاعتماد المطلق على إيرادات النفط، رؤية تستند إلى قوة عاملة وطنية، ويقود قاطرتها قطاع خاص كفؤ، وملتزم بدوره التنموي والاجتماعي، خصوصاً وأن تعزيز الإيرادات العامة يرتبط بقوة وبالضرورة بتوسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني».

وأضاف «من هذا المنطلق، لم تكتف (الغرفة) بنشر ورقتها بشأن (الإصلاح المالي والرؤية التنموية بدولة الكويت)، بل عملت أيضاً على شرح وإيضاح ما أسمته (باستراتيجية التيسير التجاري)، التي أصدرت (الغرفة) دراسة معمقة بشأنها، أعدتها جهة بحثية عالمية مختصة».

وبين أن «استراتيجية التيسير التجاري» تقوم على الاستثمار الأمثل للمزايا التنافسية الأهم في الاقتصاد، والمتمثلة بصورة خاصة في الموقع الجغرافي، وفي الحيوية المجتمعية، وفي القطاع الخاص ذي الملاءة والخبرة والعلاقات الدولية القوية، وذلك من خلال الارتفاع بكفاءة البنية الأساسية واللوجستية، والبيئة التنظيمية، والبيئة الجمركية، والاقتصاد المعرفي.

وأوضح «رغم أن استراتيجية التيسير التجاري هذه تستلهم النجاح المبهر للتجربة السنغافورية، فإنها لا تقوم على النشاط التجاري وإعادة التصدير فحسب، بل هي تقتضي تطوير قطاعات وأنشطة كثيرة كالنقل، والاتصالات، والتأمين، والصناعات الخفيفة، والصناعات المعرفية. كما أن هذه الاستراتيجية تساهم في تطوير الكويت كمركز مالي متقدم، لأن المراكز المالية العالمية لا تنشأ أصلاً إلا في مراكز تجارية متقدمة. وهذه الحقيقة بالذات تؤكد أن استراتيجية التيسير التجاري لا تتعارض مع الرؤية التنموية التي أطلقها حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، بل هي تتكامل معها، وتشكل منطلقاً لها، ومدخلاً إليها».

أربع نقاط

أوضح الغانم أن نظرة «الغرفة» إلى الإصلاح المالي والاقتصادي، لا تكتمل إلا بالإشارة والتوقف عند 4 نقاط:

- أولاً: إن العامل المشترك في التجارب التنموية الناجحة للدول النامية، هو قدرة أنظمتها التعليمية الحديثة على الارتقاء بكفاءة العنصر البشري. وهذا ما يدعونا إلى تأكيد القول ان العقبة الأصعب التي تواجهها الجهود الإصلاحية في الكويت، وعلى كافة المستويات، وفي مختلف المجالات، هي ضعف النظام التعليمي.

- ثانياً: إن الإصلاح تعريفاً هو التغيير نحو الأفضل، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق إذا فرضت السياسة والاصطفافات الاجتماعية المختلفة أن يبقى كل شيء على حاله، ويبقى كل صاحب موقع بمكانه. وفي غياب التغيير القادر على استيعاب المتغيرات، ستكون محاولات الاصلاح المالي والاقتصادي، والسياسي أيضاً، مجرد عمليات تجميل لا تمسّ جوهراً، ولا تصنع مستقبلاً.

- ثالثاً: أكد تقرير صدر قبل أيام عن جهة بحثية عالمية مختصة، أن أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الست ستغدو مباشرة تاسع أكبر اقتصاد في العالم لو أصبحت سوقاً واحداً. وإن إزالة العقبات البيروقراطية في وجه التجارة والاستثمار في دول المجلس، ستعزز ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 36 مليار دولار. إن هذه الحقيقة لا تعزز صحة استراتيجية التيسير التجاري التي نقترحها فحسب، بل تشير بوضوح أيضاً إلى أن نجاح دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق سوق مشتركة عصرية، سيساعدها جميعاً في إصلاحها الاقتصادي، ويقلل من تكاليف مرحلة التحوّل الصعب.

- رابعاً: ضرورة أن يسبق إجراءات الإصلاح ويواكبها، إعلام علمي صريح، يضع أمام المواطنين كل النقاط فوق كل الحروف.

إعلام موحد التوجه والتوجيه، صادق الصورة والمعلومة، يبيّن السبب والهدف بكل شفافية، ويشرح الواقع وتكلفة التأجيل والتردد بلا تهويل ولا تهوين. كما يتَّسم بروح متفائلة، وينطلق من فكر واثق بقدرات الوطن واستجابة المواطن.

فقد نجحت دول كثيرة في مواجهة تحديات أصعب بكثير، وبامكانات أقل بكثير، ونحن (قطعاً تجربة وتاريخاً) لسنا أقل منها إرادة وتصميماً، فاليأس ليس من خيارات الأحرار.

النفط

من ناحية ثانية، رأى الغانم أن أسعار النفط، سجلت منذ سبعينات القرن الماضي تذبذبات كثيرة وحادة لامست بها مستوى 140 دولاراً صعوداً، وتدنت الى أقل من عشرة دولارات هبوطاً.

ولفت إلى أن «ما يجعل الانخفاض الحالي أخطر نذيراً وأدعى نفيراً، هو أنه ليس مجرد انعكاس لقوى السوق، بل يعكس أيضاً إرهاصات تحول عميق في الاقتصاد العالمي، كما يعبر عن قلق حقيقي من تقلص الأهمية الاستراتيجية للنفط تحت ضغوط السباق العلمي المتسارع نحو الطاقة الذكية والنظيفة.

وأضاف«هذه الحقيقة بالذات تنتقل بالتحدي الذي تواجهه الكويت اليوم من مستوى معالجة عجز مرحلي في الميزانية العامة للدولة إلى صعيد البحث عن رؤية تنموية تعيد هيكلة الناتج المحلي الإجمالي، وتحد من هيمنة النفط كمصدر شبه وحيد للدخل، وبصرف النظر عن الاتجاهات المستقبلية لأسعاره».

... تشجيع ومباركة سامية

لفت الغانم إلى أن «الغرفة» استهلت مساعيها بالتشرف بلقاء حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه، ثم قامت بعرض الاستراتيجية على سمو ولي العهد، وعلى سمو رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله، وعلى الوزراء المختصين، وعلى لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الوزراء، ولجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة.

وأوضح «إذا كنا نشعر بتفاؤل كبير واعتزاز أكبر لما وجدناه لدى حضرة صاحب السمو الأمير من تشجيع داعم ومباركة سامية لهذه الاستراتيجية، فإننا مدينون بالشكر والتقدير لما لقيناه لدى سمو ولي العهد، وسمو رئيس مجلس الوزراء من تقدير واهتمام، ولما قوبلنا به لدى رئيس وأعضاء اللجنة الاقتصادية الوزارية، ولدى رئيس وغالبية أعضاء لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة من تعاون صادق وتفهم عميق».

وقال «ننتهز هذه الفرصة لنرفع إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، جزيل الامتنان والعرفان لرعايته الدائمة للاقتصاد الكويتي ومؤسساته، ولمساندته السامية لدور (الغرفة) وأنشطتها».

كما أعرب عن صادق تقدير «الغرفـة» لسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح لتفهمه العميق لقضايا التنمية والإصلاح، ولسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، لما أعطاه من أولوية للشأن الاقتصادي، وللدور التنموي للقطاع الخاص، لافتاً إلى أن الشكر موصول للوزراء لما يبدونه من تفهم لدور (الغرفة) وتجاوب مع مساعيها، إضافة إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمة لحرصهم الصادق على عدالة التنمية وتنمية الديموقراطية

الانتخابات

أشار الغانم إلى أن يوم الأربعاء المقبل سيشهد انتخاب نصف أعضاء مجلس إدارة الغرفة في دورته الثامنة والعشرين، داعياً كافة منتسبي «الغرفة» لممارسة حقهم الانتخابي.

كما توجه بالشكر إلى رئيـس وأعضاء لجنة الإشراف على الانتخابات الذين تطوعوا لهذه المهمة ومسؤوليتها، متمنياً لهم وللجنة المساندة كل النجاح والتوفيق.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي