إطلالة

الانحراف الأسري (2)

تصغير
تكبير
تحدثنا في المقالة السابقة عن بعض الحالات التي تؤدي إلى انحراف الأسرة عن مسارها الصحيح في المجتمع في ظل تقاعس الآباء عن أداء دورهم في الواجبات والحقوق مع الأبناء، واليوم سنتطرق في هذا الموضوع الى بقية النقاط.

عندما يتساهل الآباء في عادة السفر الى الخارج من دون اصطحاب أولادهم، ويفضل الأب بالذات البقاء في الخارج ليكون بعيداً عن أسرته ثم يتعمد عدم السؤال عن أحوالهم وحاجاتهم ولا يتابع أمورهم اليومية، بالتأكيد هذا يكلفه الكثير ويترتب على ذلك انحراف الأبناء كونهم بعيدين عن الرقابة.


كما ان هناك غيابا آخر، يتمثل في الرزق، أي عند اختيار الآباء العمل في الليل والنهار من أجل كسب الرزق والزيادة في المال، ولكن هذا الغياب الطويل عن البيت يجعله في غفلة من الأمور الأسرية ومتطلباتها ما يؤدي بالفعل إلى ضياع الأبناء وانحرافهم، ومن هنا نرى أن الحل يكون في تواجد الآباء في البيت بعد الدوام لأن التوازن ما بين متطلبات العمل والبيت أمر ضروري، فالحرض على تكوين علاقة طيبة مع الأسرة تمليها الحب والمودة والرحمة والتعاون شيء جميل، وبالأخص حينما يكون التواصل مع جميع الأبناء من دون تفرقة، سواء كان صغيراً أم كبيراً، فهذه هي التربية الحسنة والأخلاق الحميدة.

وبالتالي نرى أن الجهل بطرق التربية السليمة من أكبر الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأبناء، فالمشكلة ليست في الأبناء، ولكن في الآباء الذين يجهلون مبادئ التربية الصحيحة ولا يعرفون حتى وسائل التأثير في الأبناء، فالمصيبة تقع حينما يجهلون الفروقات التربوية والفروقات النفسية بين الأبناء والبنات مما يترتب عليه حدوث الكثير من المشكلات والمصائب. فإذاً ما الحلول، وما الواجبات على الآباء؟

الحلول كثيرة ومنها تكريس ثقافة التربية بين الآباء (الأب - الأم)، فزيادة الثقافة في الأمور التربوية أمر مهم جداً حتى يعرف كل منهما دوره وكيف يربي أبناءه وبناته، وقد يكون الآباء ناجحين في أعمالهم وفي أمورهم الشخصية ولكنهم فاشلون في إدارة بيوتهم وتربية أبنائهم، وهذا واقع، كما يجب على الاباء (الوالدان) عدم الدعاء لهم بالسيئة للوقوع في التهلكة، فبعض الآباء «الله يهديهم» يظل يدعو على أبنائه وبناته في أي تصرف سيء يصدر منهم، وقد يستجيب الله لدعوته مما يترتب على ذلك الخسارة والحسرة...

نعم، تذكر أيها الأب وأيتها الأم، أن الدعاء على الأبناء من أكبر أسباب انحرافهم وضياعهم في الحياة، فيا أخي أنت المسؤول الأول عن أبنائك وقبل أن تدعو على أبنائك تذكر أن هذا الدعاء قد يستجاب لك يوماً ما ويكون سبباً في الضياع والانحراف، ولهذا جاء حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله «لا تدعوا على أموالكم ولا على أولادكم، لا توافقوا من الله ساعة فيستجيب لكم»، رواه مسلم، ليكون عبرةً وليضع حداً لاستهتار الآباء في القول والفعل، وعدم تعوّد لسانهم الدعاء لأبنائهم وبناتهم إلا بالخير والتيسير والبركة والتوفيق والنجاح، فالدعاء يكون مفتاح خير ورحمة للأبناء والبنات إن كان الأب طيب القلب وحلو المعشر وصاحب أخلاق ودين حميد.

ومن الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف أيضاً، «كثرة المشاكل الزوجية» التي غالباً ما تؤدي الى الانفصال أو الطلاق، فوجود خلافات زوجية مستمرة بين الأب وزوجته أمام الأولاد، يكون سبباً في انحراف الأبناء تدريجياً وهذا الضياع والانحراف قد يكون عظيماً نظراً للظروف النفسية والاجتماعية التي قد تصيب الأبناء وتهدم حياتهم ومستقبلهم الدراسي والعملي، وبهذا الجانب شاهدنا قصصاً كثيرة ومتعددة، فيا أيها الآباء يجب أن تعلموا أن الخلاف والحوار بينكم يجب أن يكون بسرية تامة، فلا يجوز أن يدب الخلاف والصريخ أمام الأبناء أو الناس حتى لا يشعر بخلافاتكم أحد ولا يشعر الأبناء بشيء غريب، او بتصرفات حمقاء صادرة منكم، وبالتالي أي خلاف قد يصحبه الشد في التعبير والعصبية، وهذا قد يتطور إلى الضرب في العلن ما يترتب على ذلك آثاره السلبية وينعكس على صحة ونفسية الأبناء، وبالتالي يجب أن تسأل نفسك أيها الأب أو الأم: هل هذا سهل النسيان عند الأولاد؟

كما أن التأخير في زواج الأبناء والبنات، بسبب أي ظروف عائلية، قد يترتب عليه ضياع الأولاد لأنهم قد يتجهون إلى طرق أخرى محرمة لقضاء شهواتهم.

فيا أيها الآباء لا تقفوا في وجوه أولادكم وبناتكم عند عزمهم على الزواج، على سنة الله ورسوله، بل أعينوهم على إكمال نصف دينهم ولا تكونوا سبباً في تعاسته أو عنوستها، فهذا قد يؤدي إلى فشلهم في الحياة. ثم للفقر أيضاً دور كبير في انحراف الأبناء خصوصاً حينما يخيّم الفقر على البيوت ما يجعل الأبناء فعلاً يبحثون عن مكان آخر ليكون بديلاً لهم، فالجري وراء الرزق والمال ولو بطريقة غير مشروعة، قد يؤدي إلى انجرافهم الى أعمال السوء مع أصحاب السوء خصوصاً حينما يكونون أطفالاً ومراهقين...

وكما نعلم أن انتشار البطالة في المجتمع، هي من العوامل الرئيسية المؤدية إلى انحراف الأبناء بسبب عدم وجود عمل يشغلون وقت فراغهم فيه، ولا يجد أيضاً الأب من المال ما يوفر به لقمة العيش الكريم له ولأبنائه، وبالتالي تتعرض الأسرة بأكملها للانحراف والضياع والتشرد تدريجياً.

وإلى لقاء قريب نستكمل فيه الواجبات...

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي