في العقد الأخير من القرن الماضي، سمحت لي الظروف أن أكون شاهد عيان على أحد المحاكمات الغريبة والطريفة في محاكم الكويت...
تدور احداث القصة حول احد الأخوة الايرانيين الذي كان يمتلك بقالة في مدينة الكويت؛ لكنه قام بالتعدي على الطريق العام مخالفاً القانون، فما كان من السلطات المختصة الا ان قامت بإزالة المخالفة والتعدي على الطريق العام وانذار صاحب البقالة بعدم تكرار التعدي مرة أخرى؛ لكنه عاد الى تكرار فعلته والتعدي على حرم الطريق، فكانت النتيجة الطبيعية أن قامت السلطات بتحرير محضر وتحويل الواقعة على النيابة ومن ثم جاء يوم النطق بالحكم الذي شاءت الظروف ان أكون حاضراً وشاهداً عليه، وجاء الحكم بتوقيع الغرامة على الأخ الايراني صاحب البقالة؛ فما كان منه الا أنه استنكر الحكم بالغرامة الذي صدر من قاضي المحكمة، قائلاً: «ليش حضرة قاضي، انا ايش سويت»؟ فأجابه القاضي: «لقد أنذرتك البلدية كجهة مختصة بعدم تكرار المخالفة، فلماذا قمت بتكرار التعدي ومخالفة القانون»؟ فرد صاحب البقاله: «هذي هي الكويت حضرة قاضي، سبت قانون جديد، خميس يغير قانون»...
لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أتذكر هذه الكلمات التي قالها صاحب البقالة منذ اكثر من 20 عاماً، خصوصا وانا اتعرض للعديد من المواقف المشابهة في تخليص بعض الاورق والمصالح، فإذا بي اتعثر بالعديد من المطبات والمشكلات الخاصة بإصدار العديد من القوانين الجديدة، او تعديل احد القوانين القديمة أو استبدالها، فهل هكذا تسير الامور، وهل كان الأخ الايراني اكثر حنكة وقراءة للأمور ومعرفةً بسرعة تبدل وتغير القوانين في المصالح العامة؟ ان كان الايراني عالماً بذلك الامر وبكل هذه الثقة، فتلك مصيبة، والمصيبة الأكبر ان يكون هذا هو الانطباع العام والمنتشر بين المواطنين والوافدين في بلدٍ من البلاد التي لها قدرها ومكانتها في احقاق العدالة وتطبيق القانون، فأي قانون الذي يطبق إن لم يكن القانون ثابتاً من الأساس؟
بالطبع سيقول بعض اخواني وزملائي المختصين من الدستوريين والمحامين والعاملين بالقانون، أنه على العكس، فهناك العديد من القوانين التي عفا عليها الزمن وتحتاج الى تغيير فوري وضروري لإنفاذ مصالح الناس وتحقيق العادلة الناجزة، وهو بالضبط ما اعنيه وما اود الإشارة اليه، ففي الفقرة الاولى اشرت الى القوانين والقرارات التي تمس مصالح الناس والتي تتغير ما بين ليلة وضحاها وفي شكل مستمر ومتسارع، لا يعكس الا سرعة تغيير المسؤولين في بعض الجهات ورغبة العديد منهم - الا من رحم ربي - في ترك بصمته الخاصة من خلال القرارات والقوانين التي يصدرها او يعدلها او حتى التي يقوم بإلغائها.
وعلى الجانب المقابل، تتعطل مصالح آلاف الناس لأن القوانين أصبحت قديمة وتحتاج الى تغييرات حقيقية وجذرية، ومن خلال البعدين السابقين تتضح معالم المشكلة ما بين قرارات وقوانين تتغير ما بين ليلة وضحاها وتتغير معها مصالح الناس وترتيباتهم، وما بين قوانين أكل عليها الدهر وشرب وباتت في حاجة ماسة الى تعديل وتغيير قانوني حتى توفر للناس الحماية والأمان لهم ولمصالحهم، وهو ما يعيدنا من جديد الى السؤال الذي يتكرر بين الحين والآخر وتفرضه العديد من الظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية، فهل باتت الكويت في حاجة ملحة الى تغيير حقيقي وشامل، أم أننا ما زلنا في حقبة الستينات أو ربما التسعينات من العام الماضي وساعتها يكون حقاً قد صدق الايراني؟
أرجوحة أخيرة:
كان للمقال السابق «الشيخ ثامر يمثلني»، ردود فعل كثيرة تتعلق بشخص «أبو علي»، وبعضها يتعلق بعلاقة دول الخليج بأميركا، وهل يجب أن تقف عند هذا الحد أم لا بد من السعي الى تحسين صورتنا لدى أميركا؟ وأنت عزيزي القارئ ما هو رأيك في تلك العلاقة وكيف ستكون في المستقبل؟ أنا مع التحسين... وأنت؟