معالجة نفسية

التعايش ممكن لو... (1)

تصغير
تكبير
تقابل شخصان مسلمان عربيان في دولة أجنبية. وبينما هما جالسين في القطار تجاذبا اطراف الحديث، وبالطبع فان وجودهما في دولة غريبة، جعلهما يألفان بعضهما البعض. نزلا من القطار في وقت الصلاة، فقررا أن يبحثا عن مكان لأدائها في وقتها. فسأل أحدهما الآخر، من أي فرقة أنت؟ فأجابه، أنا من الفرقة الناجية!

كثر الحديث حول التعايش في وقتنا الراهن الحرج المليء بالحزن والهم والدمار في بلاد المسلمين. فلم يعد يخفى على عاقل بأن التعايش بين المسلمين بات ضرورياً كي يتوقف ما نمر به من ظلم وجهل وتخلف.


لكن للأسف، كما هي الحال مع العديد من المفاهيم الجديدة التي يتم استخدمها، يأتي الاستخدام للمصطلح قبل أن يصل كتيب الإرشادات وطريقة الاستخدام.

التعايش مفهوم جميل وراقٍ وأصبح شعاراً لمن يريد أن يقول أنا متحضر ومفكر وإلى آخره من الألقاب الجميلة التي يسيل منها اللعاب. لكن لو سألتهم عن مفهوم التعايش وشرطه وكيفية استخدامها، تجدهم يجهلون ذلك.

نحن مطالبون بالتعايش من دون تهيئة المناخ المناسب له. وكأننا ندفع آلاف الدنانير على تجديد بناء أساسه متهالك سوف يتحول الى انقاض إذا ضربنا مسماراً على جداره.

أحد الشروط المانعة لتحقق التعايش، وجود أحاديث يتفق العديد من العلماء على أنها من الأحاديث الضعيفة، منها حديث الفرقة الناجية. فهي أشبه باعتقاد اليهود والنصارى حيث قالوا «وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين» (سورة البقرة 111). هذه العقيدة الانحصارية لدخول الجنة والنار، هي عقيدة اليهود والنصارى، فما هو الجواب الإلهي: «بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (سورة البقرة 112). انظر الى النطاق الواسع الذي تشمله هذه الآية التي يعتقد بعض العلماء أنها لا تشمل فقط جميع فرق المسلمين وليس فقط جميع فرق أهل الكتاب بل تشمل الأديان الأخرى مثل البوذيين وغيرهم.

في الواقع ما دام كل من يفسر هذه الآية (من المفسرين)، لا يتعدى تفسيره أن يكون رأياً وليس حقيقة إلهية، إذاً لماذا نضيق نطاق الجنة لنا فقط ونوسع نطاق النار لتشمل كل من سوانا؟

جوامعنا التي كانت مهد الحضارة البشرية تتمزق تحت أقدام الجهل والتعصب وإقصاء الآخر. وكل حزب فرحٌ بأنه هو الذي سوف يكون في الجنة. الحروب تنتهي آجلاً أو عاجلاً والبيوت والمباني سوف تبنى بسرعة قصوى، لكن آثار الجروح النفسية التي خلفتها الحروب سوف تتوارث عبر أجيال. لذلك بات التعايش ضرورياً لو... توقفنا عن توزيع مقاعد الجنة والنار.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي