«الراي» عاينت احتفالهنّ بالمناسبة في مخيّم للنزوح

الأمهات السوريات مكسورات الخاطر في عيدهنّ

تصغير
تكبير
فاطمة القادمة من معضمية الشام:

كيف أحتفل بعيد الأم وأنا عاجزة عن رؤية أمي

أم محمد:

كان لي تسعة أولاد... استشهد منهم أربعة خلال دفاعهم عن حلب
فوق مخيم كترمايا (الشوف) للنازحين السوريين، يتحوّل الحزن غيمة سوداء، تكبر ولا تمطر، تتمدّد كإسفنجة تختزن دماً ودموعاً ولا تقطر، ألم الرحيل القسري عن الأهل والديار جاف لا تبلّله الكلمات المسموعة أو المقروءة من وعلى شاشة الهاتف في محادثاتٍ مع أصدقاء وأقارب أبعدتهم الحرب وعزلهم الحصار.

منذ أن نمت الخيم كالفطر داخل هذا المخيم، وتحوّل من ملجأ إلى مجتمع نازح قُسّم إلى أحياء: شمالي وجنوبي شرقي وغربي، تضبط الشمس روتين حياة السوريين الهاربين من الموت، عاملا الضوء والحرارة مهمّان في تنظيم يومياتٍ بلا عملٍ أو أملٍ بعودة قريبة إلى سورية.


الأطفال في هذا المخيم ينمون أيضاً هنا، أعدادهم تزداد وأعمارهم تكبر، عددٌ كبير من النسوة حملن مرة واثنتين هنا وقد يفعلنها ثالثة ورابعة، فالحياة ستستمر رغم كل شيء يقول بعضهن، والبعض الآخر يرى في الإنجاب وسيلة لإحياء الأمل بالعودة إلى سورية وإعادة إعمارها.

غير أن فعل الأمومة في هذا المخيم شيء والاحتفال بها مع اقتراب موعد عيد الأم شيء آخر، فلكل سيدة في هذا المخيم حكاية ترويها عن الحِمل الثقيل المُسمى ذاكرة، يدرّ عليها صوراً وأصوات عما كانت عليه الاحتفالات في سورية بعيد «ستّ الكل»، فتهطل الأوجاع دموعاً حارة وثقيلة تحفر ندوباً موقتة على الوجنات.

فاطمة من معضمية الشام، مضى على وجودها سنتان ونصف السنة تقريباً في المخيم. وهي التي نزحت بعائلتها من سورية إلى كترمايا في لبنان، يمرّ عليها عيد الأم في هذا المكان بـ «حرقة وألم وغصة». بحسب ما تقول، شارحة بحسرة: «كيف أحتفل بعيد الأم وأنا عاجزة عن رؤية أمي الموجودة حالياً في سورية؟»

فاطمة لن تحتفل بأمها ولا أولادها سيحتفون بها، فأكبرهم في السابعة وأصغرهم لم يبلغ السنة، وهم لم يعتادوا على طقوس الاحتفال بهذا العيد وبكثير من الأعياد لأن ظروف الحرب وعيشة الخوف لا مساحة فيها للفرح، وتقول بسخرية: «نحن نسينا عيد الأم وأن علينا الاحتفال بأنفسنا وبأمهاتنا»، مستذكرة بأسى ما كانت عليه أجواء الاحتفاء بهذه المناسبة السعيدة في بلدتها في الشام: «كنت أعدّ العدة لاحتفال عيد الأم منذ بداية شهر مارس، فحماتي وأمي على موعد سنوي في هذه المناسبة مع مفاجأة مدهشة... حرقة بقلبي يمر العيد دون أن أرى أمي».

بدورها، تتساءل جومانا اللحام عن أي«عيد أم نتحدث» وأمها في الخيمة المتهالكة «مكبّلة» بذكرياتها الحزينة، لا تداوي جراحها احتفالات ولا تخفف من آلامها هدايا، هي أمّ لمعتقل وشهيد. فكيف تفرح وهي لا تدري إن كان من منحها السعادة بكلمة«ماما» حياً يرزق، معافى أم مريضاً. وتقول جومانا بمرارة:«أخرِجوا كل المعتقلين من السجون، فأخي معتقل، وابن خالي معتقل، وابن عمي معتقل، وسيكون حينذاك أحلى عيد للأمهات».

أولاد قمر أحمد عبد المولى من الغوطة الشرقية، يتجنبون الاحتفال بها بمناسبة عيد الأم، هم يعلمون أن هذه المناسبة لن يكون وقعها جميلاً البتة على والدتهم المفجوعة منذ ان أصيبت جدتهم في سورية بقصف صاروخي وقضت، لكنهم مع ذلك، يموّهون المناسبة ويحاولون إسعاد والدتهم دون تذكيرها بحلول عيد الأم.

قمر التي تولد البسمة على شفتيها لبرهة يعود بعدها العبوس، لا تنسى بدورها الحفلة السنوية التي تجمع الأخوة والأخوات للاحتفال بأمهم. تستذكر الرقص والغناء والمأكولات الطيبة التي تعدّها الشقيقات وينقلنها إلى«بيت العيلة»، فتترحم على والدتها، وتترحم على الأيام الحلوة وعلى«العيد الذي مات»هو أيضاً ولن يعود.

العيد أيضاً بالنسبة إلى أم محمد لن يعود، إذ كيف تحتفل بأمها وقد ماتت من الجوع، وكيف يحتفل بها أولادها وهم الموزعون بين لبنان وتركيا، فيما استُشهد اثنان منهم في سورية؟ فتختصر أم محمد المأساة تحت سماء هذا المخيم بالقول:«نحن نأتي العيد باكيات، فلكل منا جرحها الغليظ الذي يزداد عمقاً ولا يُشفى، ما في غير القهر، ما من أعياد هنا، كان لي عائلة مُحِبّة تتوزع على طبقات مبنى واحد يجمعنا في السراء والضراء. إن عدت إلى بيتي الذي تدمّر وأعيد شمل عائلتي التي تبعثرت هل يعود العيد؟.. مستحيل أن يعود».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي