تقرير / «الراي» تضيء على التحالف المصاب بالتصدّعات
لبنان: «14 آذار» ... إحياء الذكرى أم المشروع؟

«كتلة المستقبل» خلال اجتماع دوري

جعجع والحريري




إلياس أبو عاصي: 14 آذار مشروع الدولة والعيش المشترك وهذه مواضيع لا تزال موضع توافق رغم الإشكالية في الملف الرئاسي
فادي سعد: نمرّ بمرحلة تستحقّ أن نقوم خلالها بإعادة نظر في الوضع التنظيمي لـ 14 آذار
مصطفى علوش: صمود 14 آذار الطريق الوحيد لتأمين الصمود في وجه مشروع تحويل لبنان مستعمرة تقاد عن بُعد من طهران
مالك مروة: لا معنى لإحياء 14 آذار على طريقة لقاء أحزاب يلتقطون بنهايته صورة ولا يجتمعون بعدها إلا مرة أو اثنتين في السنة
أنطوان قربان: فكرة 14 آذار لا تموت والآن أكثر من أي وقت يشكل إحياء مشروعها واجباً تجاه لبنان
فادي سعد: نمرّ بمرحلة تستحقّ أن نقوم خلالها بإعادة نظر في الوضع التنظيمي لـ 14 آذار
مصطفى علوش: صمود 14 آذار الطريق الوحيد لتأمين الصمود في وجه مشروع تحويل لبنان مستعمرة تقاد عن بُعد من طهران
مالك مروة: لا معنى لإحياء 14 آذار على طريقة لقاء أحزاب يلتقطون بنهايته صورة ولا يجتمعون بعدها إلا مرة أو اثنتين في السنة
أنطوان قربان: فكرة 14 آذار لا تموت والآن أكثر من أي وقت يشكل إحياء مشروعها واجباً تجاه لبنان
في الذكرى الحادية عشرة لـ «ثورة الأرز» التي انفجرت في 14 مارس 2005 بوجه الوصاية السورية على لبنان بعد شهر على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تطفو الخلافات والتباينات بين أفرقاء تحالف «14 آذار» على واجهة المناسبة، لتطرح أكثر من علامة استفهام حول حاضر هذا الائتلاف ومستقبله.
وفي ظل ما يُحكى عن انحلال هذا التحالف لتظهر مكانه تحالفات أخرى بعدما خلط الاستحقاق الرئاسي والترشيحات التي قُدمت من أفرقاء الخط الواحد أوراق السياسة اللبنانية، يظل التساؤل مطروحاً عمّا إذا كان المشروع الذي حملته «القوى السيادية» تحت عنوان «العبور إلى الدولة» قادراً مجدداً على ضخ الدم في «14 آذار التنظيمية» للمضي قدماً في تحقيق الأهداف التي نزل من أجلها مليون لبناني وأكثر إلى ساحة الشهداء في 14 مارس من العام 2005 مطلقين «انتفاضة الاستقلال».
«الراي» وفي هذا الصدد، سألت عدداً من الشخصيات اللبنانية عن سبب بروز 14 آذار مشرذمة وأقل فاعلية في عامها الحادي عشر، متوقفة عند ما بقي منها بعيداً من الشعارات الفضفاضة، والأهمّ هل ما زال من مبرر لوجود هذا التحالف؟
الأمين العام لحزب «الوطنيين الأحرار» الياس أبو عاصي، اعتبر أن «هناك إشكالية مرتبطة بانتخابات رئاسة الجمهورية»، متداركاً: «غير أن الأسس التي قامت على أساسها 14 آذار هناك اتفاق تام عليها، وفي الوقت نفسه كنا نأمل أن يشمل الاتفاق كل الجوانب، إنما هذا ما حدث وعلينا أن نكون واقعيين وأن نفصل بين الإشكاليات التي لم نتوافق عليها وبين الأسس التي تجمعنا».
ورداً على سؤال حول ماذا بقي من 14 آذار بعيداً من الشعارات الفضفاضة، طرح أبو عاصي سؤالا: «ما الذي فقدتْه 14 آذار؟ ما فقدته هو التوافق على ترشيحٍ لرئاسة الجمهورية». أضاف: «أنا لا أستخف أو أقلّل من أهمية هذا الموضوع، إنما هناك مشروع أكبر بكثير هو مشروع الدولة اللبنانية والعيش المشترك المسيحي ـ الإسلامي في لبنان، فهذه مواضيع لا تزال قوى 14 آذار متفقة عليها، حيث ما زلنا نعتبر أن هذه أجندتنا للعمل على الصعيد الوطني».
وأكد أن مبرر وجود 14 آذار لم ينته لا بل هي مطالَبة أكثر بمواقف تصبّ في تحقيق شعارنا «العبور إلى الدولة»، لافتاً إلى «أننا ما زلنا مطالَبين من الرأي العام اللبناني ومن جمهور 14 آذار بالتوفيق والتنسيق في ما بيننا».
وأكد الأمين العام لحزب «القوات اللبنانية» فادي سعد أن «14 آذار مشروع وطني كبير يكاد يلامس الحلم»، لافتاً إلى «أننا لم نعتقد في أي لحظة أن تحقيقه سيكون سهلاً، والدليل على ذلك أنه رغم كل ما سقط من شهداء وقُدم من تضحيات لم نصل بعد إلى برّ الأمان، بل ما زلنا نبحث عن الضوء الذي يوصلنا إلى بناء الدولة».
وعن اعتبار 14 آذار أقلّ فاعلية، أجاب: «ككل مشروع وطني، نحن مجموعة أفرقاء اجتمعنا على مشروع وطني، ولا نخفي سراً أن هناك تبايناً في ما بيننا في بعض المحطات حول مقاربات المواضيع السياسية»، معتبراً أن«الانقسام الحاد الذي كان قائماً بين 14 و8 آذار لم يعد موجوداً بصورة كبيرة، إذ ان هناك بعض خلط للأوراق في هذه المرحلة، لكن هذا لا يعني أن مشروع 14 آذار أصبح أضعف، فمشروع 8 آذار يمر بنفس المطبات».
وأكد أن«14 آذار غير متشرذمة، ولكن هناك تبايناً حول بعض المواقف السياسية والتواصل قائم»، مشيراً في الوقت عيْنه إلى أن«14 آذار تنظيمياً ليست في أفضل حالاتها، تماماً كما هو حال فريق 8 آذار الذي لا يمرّ بأفضل حالاته، وكحال لبنان الذي لا يمرّ بأفضل حالاته، مضيفاً: «نحن نمرّ بمرحلة من الفوضى السياسية على كل المستويات».
ورأى أن «ما بقي من 14 آذار هو المشروع والأساس، والتباين بين الأفرقاء أمر طبيعي»، لافتاً إلى «أننا نمرّ بمرحلة تستحقّ أن نقوم خلالها بإعادة نظر بالوضع التنظيمي»، ومؤكداً أن «لا أمل في أن نبني دولة بلبنان من دون مشروع 14 آذار، بغض النظر عما إذا كان»تيار المستقبل«وحزب»الكتائب«و»القوات اللبنانية«والمستقلون على»نفس الموجة«أم هناك بعض التباين في ما بينهم».
وذكّر بأن «مشروع 14 آذار هو مشروع القوات اللبنانية منذ أن بدأنا النضال في الحياة السياسية، وقد التقى معنا أفرقاء آخرون، وفي النتيجة هذا موضوع كبير جداً، ولا شك في أن تحقيقه صعب لكننا سنظل نناضل كي نصل إلى غايتنا».
ورأى «أن إحياء 14 آذار تنظيمياً يتطلب نوعاً من ورشة عمل جدية للملمة المشاكل التي حصلت وتصويب البوصلة نحو الهدف الأساسي وهو بناء الدولة، وعدم التلهي بالتفاصيل التي تضيّع القضية».
وختم: «14 آذار تحتاج إلى أكثر من إحياء ذكرى كي تشدّ مجدداً عصبَها التنظيمي، ولكننا نعمل على هذا الموضوع وأعتقد أن لا مفرّ من لمّ الشمل وتصويب البوصلة نحو أهداف 14 آذار الأساسية، والتي من دونها لا يوجد لبنان بصيغته الحالية»، مؤكداً «أننا نريد المحافظة على المناخ الذي أوجدته 14 آذار أياً تكن التباينات التي هي غيوم عابرة، ولا بد أن نلتقي مجدداً على مشروعنا الأساسي».
من جهته، قال عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» مصطفى علوش: «لا شك أن 14 آذار كمنظومة قائمة على قيادات قوى 14 آذار ومنظوماتها الحزبية أصابتها الشرذمة في شكل جدي وواضح، على الأقل منذ العام 2009 حتى الآن، بفعل العنف الذي واجهته من»حزب الله«على مختلف المستويات من خلال الاغتيالات والتفجيرات والقمصان السود والضغط السياسي والعسكري والأمني»، لافتاً إلى أن «هذه المنظومة أصبحت منذ ذلك التاريخ مشرذمة، لأنها فقدت صفة الثورة وأصبحت لاعباً في السياسة والسلطة، ولاحقاً أخذت كل منظومة من أحزابها خيارات من دون التشاور أو التنسيق مع القوى الأخرى».
أضاف: «أما المنظومة الوطنية أو منظومة البشر التي تسمى 14 آذار فهي لا تزال قائمة، ولو ان غالبية الناس الذين نزلوا في 14 مارس 2005 فقدوا الأمل بتحقيق هذا الأمر، ومع ذلك نحن كـ 14 آذار ما زلنا صامدين في وجه آلة حربية وسياسية ومالية ضخمة على مدى 11 عاماً، وأعتقد أننا سنظل مستمرين حتى نصل إلى وضع مستقر للبلد».
وأكد أن «مبرر وجود 14 آذار لم ينتهِ»، لافتاً إلى أنه قد يكون لوجود 14 آذار سبب أكثر من أي وقت سابق، فصمودها هو الطريق الوحيد لتأمين الصمود في وجه مشروع تحويل لبنان إلى مستعمرة تقاد عن بُعد من طهران، وبالأخص مشروع ولاية الفقيه، وهي الطريق الوحيد للحفاظ على ديموقراطية لبنان وتعدديته وأقله على الاستقرار الذي ينشده اللبنانيون، ولذا برأيي إن لم يكن هناك 14 آذار الآن علينا أن نوجدها في الوقت الحالي.
وعما إذا كان إحياء ذكرى «انتفاضة الاستقلال» سيشكّل مناسبة لإحياء تحالف 14 آذار، قال: «حينها نكون نأمل كثيراً بأن تحصل معجزة خلال بضعة أيام، لكن لا شك أن قيادات 14 آذار بحاجة لأن تعود إلى الجلوس معاً والتفكير بشكل منطقي وعلمي بناءً على المعطيات القائمة لترسم طريقاً مشتركاً وخططاً واستراتيجية مشتركة، وربما أيضاً عودة بعض أطرافها عن الخيارات المنفردة التي قاموا بها وأثبتت عدم جدواها كالطروحات المتعلقة بالانتخابات النيابية وقوانينها وطرح أسماء لرئاسة الجمهورية والذهاب إلى حوارات وتحالفات غير مجدية لا بل على العكس مضرة. فكل هذه الأمور بحاجة إلى دراسة على الأقل وأخذ العبر وبناء رؤية للسنوات المقبلة».
وشدد عضو اللجنة التنفيذية لحركة «التجدد الديموقراطي«مالك مروّة على «أن سبب ظهور 14 آذار في عامها الحادي عشر مشرذمة وأقل فاعلية مردّه الى أنها خرجت عن كل القواعد التي نزل الناس من أجلها الى الشارع في 14 مارس 2005، فهذه الانتفاضة - الثورة التي كانت أوسع بكثير من التكتلات الحزبية وظهّرت بوضوح وجود ما يسمى برأي عام 14 آذار، سلّمها الناس العاديون الذين كانوا في أساسها بعد سنة أو سنتين إلى بعض الأحزاب التي تحوّلت من عدة أحزاب إلى 3 أحزاب اليوم هي، المستقبل، القوات والكتائب. ولا أعلم إن كان هذا الأمر ما زال قائماً حتى»، مضيفاً: «هذه أحزاب ولا تمثّل كل الناس، فضلاً عن إفشال الأمانة العامة والوجه المدَني لهذه الثورة الذي أكثر ما يمثله سمير فرنجية».
واذ لفت إلى أن «مكونات عدة خرجت من 14 آذار مثل حركة التجدد»، مشيراً إلى عدم وجود آلية قرار، ومؤكداً أنه «لم يعد هناك شيء اسمه 14 آذار»، اشار إلى أن «المشروع والروحية هما ملك الناس، أما الأحزاب فقد استعملتها وأساءت لها»، مشدداً على «أن 14 آذار هي لحظة نزل فيها أكثر من مليون شخص إلى الشارع مطالبين بخروج القوات السورية وبالدولة»، مذكّراً بأن «الفساد وعدم وجود دولة كان متمثلاً بالوجود السوري، وصحيح أن السوري كان ظالماً إلا أن مَن نزلوا كانوا يريدون دولة». وأضاف: «في ذلك الحين أين كانت الأحزاب؟ المستقبل لم يكن موجوداً بعد والرئيس سعد الحريري لم يكن قد عاد إلى بيروت، وميشال عون كان في باريس، وسمير جعجع كان في السجن. ومَن قام بـ 14 آذار هم الناس».
وفي حين اكد ان «14 آذار هي اللحظة والناس الذين طالبوا بالعودة إلى الدولة والقانون«، اعتبر أن»البديل عنها هو المذهبية التي نراها، والتي لا أفق لها سوى الصدام»، مشيراً إلى أن»موضوع العودة إلى الدولة المدنية حيث يتساوى المواطن أمام القانون، هو الحل الوحيد للمنطقة وإلا نكون نتحدث عن صراع عمره 1400 سنة، حيث يتقاتل الناس على الماضي فيما عليهم النظر إلى المستقبل».
وعمّا إذا كان إحياء 14 آذار سيكون مناسبة لإحياء 14 آذار - المشروع، قال: «لا أعتقد ذلك، وفي رأيي ان إحياء 14 آذار على الطريقة الكلاسيكية التي شاهدناها من خلال لقاء للأحزاب يلتقطون في نهايته صورة ولا يجتمعون بعدها إلا مرة أو اثنتين في السنة لا معنى له»، معتبراً أن «لا حل إلا بالعودة إلى الشارع من أناس واعين، وجيل كان شاباً عندما نزل إلى الشارع واعتصم في الخيم، وبعد مرور عشرة أعوام أعتقد أن البعض منهم بات قادراً على أن يكون له رأي وقرار سياسي. فهؤلاء الناس هم مَن يشكلون 14 آذار».
اما البروفسور المفكر أنطوان قربان فأكد أنه «لا بد من التمييز بين 14 آذار كحالة شعبية و14 آذار كقوى سياسية شكّلت هذا الائتلاف تحت عنوان 14 آذار«، مشيراً إلى أن «هذه القوى إذا نظرنا إليها في كيانها، فإن أكثريتها هي من لبنان القديم، وأكثريتها لها هوية دينية ـ طائفية، بينما ثقافة وفكرة 14 آذار الشعبية، والتي ما زالت موجودة ولم تمت، تختلف تماماً وهي خارقة وعابرة للطوائف وللانتماءات والهويات الفئوية».
وأوضح أن «مشروع 14 آذار 2005، حملته قوى سياسية بأكثريتها طائفية لها حيثياتها ومصالحها، ولذا يظهر بعد 11 عاماً وكأن هذا المشروع غير قادر على مواكبة الأحداث وتطوير الفكر وبناء رؤية متكاملة وشاملة». وسأل: «أين المشكلة إن كان هناك تباين واختلافات بين بعضهم البعض؟ فهذا لا ينفي ان فكرة 14 آذار لا تموت».
وإذ جدد التمييز بين 14 آذار الحالة الشعبية والحالة السياسية، لفت إلى «أن 14 آذار السياسية كائتلاف قوى متعددة انهمكت في زواريب السياسة، أي الصراع على السلطة والتسويات وذهبوا بعيداً أكثر من اللازم في التسويات مع الخصم»، لافتاً إلى أن «هذا التكتيك أضعف هذه القوى».
أما 14 آذار الشعبية، فيقول عنها قربان: «بقي منها الكثير، لكنها غير قادرة على التعبير عن نفسها لأنها ليست حزباً سياسياً، ولا يمكن الطلب من أفراد تشكيل حزب سياسي، فهذا مجتمع مدني إن صح التعبير». ورأى أن تظاهرة 28 اغسطس الماضي عندما دعت بعض التنظيمات إلى تحركات في مدينة بيروت على خلفية موضوع النفايات، «كان مشهداً آذارياً، علماً أن من دعوا إلى التظاهرة ليسوا في 14 آذار السياسية».
وأكد أن «14 آذار الحالة الشعبية لا تزال موجودة، اما هل هي فعالة كما كانت سابقاً؟ فالجواب هو لا، لكن بالإمكان تفعيلها، لأن مَن أخرج المحتلّ السوري في العام 2005 بنزوله إلى الشارع، ما زال اليوم قادراً على وضع حدود لخليفة المحتلّ السوري أي المحتل الإيراني نوعاً ما».
وجزم بأن 14 آذار لم ينته مبرر وجودها «بل على العكس لبنان بحاجة أكثر من أي وقت لهذه الروح وهذه الفكرة، لأن اليوم هناك شعور عند الشعب اللبناني بالقلق الكبير على الكيان اللبناني»، مؤكداً أن «14 آذار هي الكيان، وهي التي تمثله، تماماً كما الشعب السوري الذي خرج خلال أسبوع من الهدنة النسبية ليقول لا للنظام ولا لداعش والتطرف، فهذه روح 14 آذارية في مكان ما».
وختم: «أتصور إن كانت هناك حكمة لدى المسؤولين ووعي كافٍ، فاليوم أكثر من أي وقت يشكل إحياء مشروع 14 آذار واجباً تجاه لبنان وليكون للمرء بلد مستقل يعيش فيه بكرامة».
وفي ظل ما يُحكى عن انحلال هذا التحالف لتظهر مكانه تحالفات أخرى بعدما خلط الاستحقاق الرئاسي والترشيحات التي قُدمت من أفرقاء الخط الواحد أوراق السياسة اللبنانية، يظل التساؤل مطروحاً عمّا إذا كان المشروع الذي حملته «القوى السيادية» تحت عنوان «العبور إلى الدولة» قادراً مجدداً على ضخ الدم في «14 آذار التنظيمية» للمضي قدماً في تحقيق الأهداف التي نزل من أجلها مليون لبناني وأكثر إلى ساحة الشهداء في 14 مارس من العام 2005 مطلقين «انتفاضة الاستقلال».
«الراي» وفي هذا الصدد، سألت عدداً من الشخصيات اللبنانية عن سبب بروز 14 آذار مشرذمة وأقل فاعلية في عامها الحادي عشر، متوقفة عند ما بقي منها بعيداً من الشعارات الفضفاضة، والأهمّ هل ما زال من مبرر لوجود هذا التحالف؟
الأمين العام لحزب «الوطنيين الأحرار» الياس أبو عاصي، اعتبر أن «هناك إشكالية مرتبطة بانتخابات رئاسة الجمهورية»، متداركاً: «غير أن الأسس التي قامت على أساسها 14 آذار هناك اتفاق تام عليها، وفي الوقت نفسه كنا نأمل أن يشمل الاتفاق كل الجوانب، إنما هذا ما حدث وعلينا أن نكون واقعيين وأن نفصل بين الإشكاليات التي لم نتوافق عليها وبين الأسس التي تجمعنا».
ورداً على سؤال حول ماذا بقي من 14 آذار بعيداً من الشعارات الفضفاضة، طرح أبو عاصي سؤالا: «ما الذي فقدتْه 14 آذار؟ ما فقدته هو التوافق على ترشيحٍ لرئاسة الجمهورية». أضاف: «أنا لا أستخف أو أقلّل من أهمية هذا الموضوع، إنما هناك مشروع أكبر بكثير هو مشروع الدولة اللبنانية والعيش المشترك المسيحي ـ الإسلامي في لبنان، فهذه مواضيع لا تزال قوى 14 آذار متفقة عليها، حيث ما زلنا نعتبر أن هذه أجندتنا للعمل على الصعيد الوطني».
وأكد أن مبرر وجود 14 آذار لم ينته لا بل هي مطالَبة أكثر بمواقف تصبّ في تحقيق شعارنا «العبور إلى الدولة»، لافتاً إلى «أننا ما زلنا مطالَبين من الرأي العام اللبناني ومن جمهور 14 آذار بالتوفيق والتنسيق في ما بيننا».
وأكد الأمين العام لحزب «القوات اللبنانية» فادي سعد أن «14 آذار مشروع وطني كبير يكاد يلامس الحلم»، لافتاً إلى «أننا لم نعتقد في أي لحظة أن تحقيقه سيكون سهلاً، والدليل على ذلك أنه رغم كل ما سقط من شهداء وقُدم من تضحيات لم نصل بعد إلى برّ الأمان، بل ما زلنا نبحث عن الضوء الذي يوصلنا إلى بناء الدولة».
وعن اعتبار 14 آذار أقلّ فاعلية، أجاب: «ككل مشروع وطني، نحن مجموعة أفرقاء اجتمعنا على مشروع وطني، ولا نخفي سراً أن هناك تبايناً في ما بيننا في بعض المحطات حول مقاربات المواضيع السياسية»، معتبراً أن«الانقسام الحاد الذي كان قائماً بين 14 و8 آذار لم يعد موجوداً بصورة كبيرة، إذ ان هناك بعض خلط للأوراق في هذه المرحلة، لكن هذا لا يعني أن مشروع 14 آذار أصبح أضعف، فمشروع 8 آذار يمر بنفس المطبات».
وأكد أن«14 آذار غير متشرذمة، ولكن هناك تبايناً حول بعض المواقف السياسية والتواصل قائم»، مشيراً في الوقت عيْنه إلى أن«14 آذار تنظيمياً ليست في أفضل حالاتها، تماماً كما هو حال فريق 8 آذار الذي لا يمرّ بأفضل حالاته، وكحال لبنان الذي لا يمرّ بأفضل حالاته، مضيفاً: «نحن نمرّ بمرحلة من الفوضى السياسية على كل المستويات».
ورأى أن «ما بقي من 14 آذار هو المشروع والأساس، والتباين بين الأفرقاء أمر طبيعي»، لافتاً إلى «أننا نمرّ بمرحلة تستحقّ أن نقوم خلالها بإعادة نظر بالوضع التنظيمي»، ومؤكداً أن «لا أمل في أن نبني دولة بلبنان من دون مشروع 14 آذار، بغض النظر عما إذا كان»تيار المستقبل«وحزب»الكتائب«و»القوات اللبنانية«والمستقلون على»نفس الموجة«أم هناك بعض التباين في ما بينهم».
وذكّر بأن «مشروع 14 آذار هو مشروع القوات اللبنانية منذ أن بدأنا النضال في الحياة السياسية، وقد التقى معنا أفرقاء آخرون، وفي النتيجة هذا موضوع كبير جداً، ولا شك في أن تحقيقه صعب لكننا سنظل نناضل كي نصل إلى غايتنا».
ورأى «أن إحياء 14 آذار تنظيمياً يتطلب نوعاً من ورشة عمل جدية للملمة المشاكل التي حصلت وتصويب البوصلة نحو الهدف الأساسي وهو بناء الدولة، وعدم التلهي بالتفاصيل التي تضيّع القضية».
وختم: «14 آذار تحتاج إلى أكثر من إحياء ذكرى كي تشدّ مجدداً عصبَها التنظيمي، ولكننا نعمل على هذا الموضوع وأعتقد أن لا مفرّ من لمّ الشمل وتصويب البوصلة نحو أهداف 14 آذار الأساسية، والتي من دونها لا يوجد لبنان بصيغته الحالية»، مؤكداً «أننا نريد المحافظة على المناخ الذي أوجدته 14 آذار أياً تكن التباينات التي هي غيوم عابرة، ولا بد أن نلتقي مجدداً على مشروعنا الأساسي».
من جهته، قال عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» مصطفى علوش: «لا شك أن 14 آذار كمنظومة قائمة على قيادات قوى 14 آذار ومنظوماتها الحزبية أصابتها الشرذمة في شكل جدي وواضح، على الأقل منذ العام 2009 حتى الآن، بفعل العنف الذي واجهته من»حزب الله«على مختلف المستويات من خلال الاغتيالات والتفجيرات والقمصان السود والضغط السياسي والعسكري والأمني»، لافتاً إلى أن «هذه المنظومة أصبحت منذ ذلك التاريخ مشرذمة، لأنها فقدت صفة الثورة وأصبحت لاعباً في السياسة والسلطة، ولاحقاً أخذت كل منظومة من أحزابها خيارات من دون التشاور أو التنسيق مع القوى الأخرى».
أضاف: «أما المنظومة الوطنية أو منظومة البشر التي تسمى 14 آذار فهي لا تزال قائمة، ولو ان غالبية الناس الذين نزلوا في 14 مارس 2005 فقدوا الأمل بتحقيق هذا الأمر، ومع ذلك نحن كـ 14 آذار ما زلنا صامدين في وجه آلة حربية وسياسية ومالية ضخمة على مدى 11 عاماً، وأعتقد أننا سنظل مستمرين حتى نصل إلى وضع مستقر للبلد».
وأكد أن «مبرر وجود 14 آذار لم ينتهِ»، لافتاً إلى أنه قد يكون لوجود 14 آذار سبب أكثر من أي وقت سابق، فصمودها هو الطريق الوحيد لتأمين الصمود في وجه مشروع تحويل لبنان إلى مستعمرة تقاد عن بُعد من طهران، وبالأخص مشروع ولاية الفقيه، وهي الطريق الوحيد للحفاظ على ديموقراطية لبنان وتعدديته وأقله على الاستقرار الذي ينشده اللبنانيون، ولذا برأيي إن لم يكن هناك 14 آذار الآن علينا أن نوجدها في الوقت الحالي.
وعما إذا كان إحياء ذكرى «انتفاضة الاستقلال» سيشكّل مناسبة لإحياء تحالف 14 آذار، قال: «حينها نكون نأمل كثيراً بأن تحصل معجزة خلال بضعة أيام، لكن لا شك أن قيادات 14 آذار بحاجة لأن تعود إلى الجلوس معاً والتفكير بشكل منطقي وعلمي بناءً على المعطيات القائمة لترسم طريقاً مشتركاً وخططاً واستراتيجية مشتركة، وربما أيضاً عودة بعض أطرافها عن الخيارات المنفردة التي قاموا بها وأثبتت عدم جدواها كالطروحات المتعلقة بالانتخابات النيابية وقوانينها وطرح أسماء لرئاسة الجمهورية والذهاب إلى حوارات وتحالفات غير مجدية لا بل على العكس مضرة. فكل هذه الأمور بحاجة إلى دراسة على الأقل وأخذ العبر وبناء رؤية للسنوات المقبلة».
وشدد عضو اللجنة التنفيذية لحركة «التجدد الديموقراطي«مالك مروّة على «أن سبب ظهور 14 آذار في عامها الحادي عشر مشرذمة وأقل فاعلية مردّه الى أنها خرجت عن كل القواعد التي نزل الناس من أجلها الى الشارع في 14 مارس 2005، فهذه الانتفاضة - الثورة التي كانت أوسع بكثير من التكتلات الحزبية وظهّرت بوضوح وجود ما يسمى برأي عام 14 آذار، سلّمها الناس العاديون الذين كانوا في أساسها بعد سنة أو سنتين إلى بعض الأحزاب التي تحوّلت من عدة أحزاب إلى 3 أحزاب اليوم هي، المستقبل، القوات والكتائب. ولا أعلم إن كان هذا الأمر ما زال قائماً حتى»، مضيفاً: «هذه أحزاب ولا تمثّل كل الناس، فضلاً عن إفشال الأمانة العامة والوجه المدَني لهذه الثورة الذي أكثر ما يمثله سمير فرنجية».
واذ لفت إلى أن «مكونات عدة خرجت من 14 آذار مثل حركة التجدد»، مشيراً إلى عدم وجود آلية قرار، ومؤكداً أنه «لم يعد هناك شيء اسمه 14 آذار»، اشار إلى أن «المشروع والروحية هما ملك الناس، أما الأحزاب فقد استعملتها وأساءت لها»، مشدداً على «أن 14 آذار هي لحظة نزل فيها أكثر من مليون شخص إلى الشارع مطالبين بخروج القوات السورية وبالدولة»، مذكّراً بأن «الفساد وعدم وجود دولة كان متمثلاً بالوجود السوري، وصحيح أن السوري كان ظالماً إلا أن مَن نزلوا كانوا يريدون دولة». وأضاف: «في ذلك الحين أين كانت الأحزاب؟ المستقبل لم يكن موجوداً بعد والرئيس سعد الحريري لم يكن قد عاد إلى بيروت، وميشال عون كان في باريس، وسمير جعجع كان في السجن. ومَن قام بـ 14 آذار هم الناس».
وفي حين اكد ان «14 آذار هي اللحظة والناس الذين طالبوا بالعودة إلى الدولة والقانون«، اعتبر أن»البديل عنها هو المذهبية التي نراها، والتي لا أفق لها سوى الصدام»، مشيراً إلى أن»موضوع العودة إلى الدولة المدنية حيث يتساوى المواطن أمام القانون، هو الحل الوحيد للمنطقة وإلا نكون نتحدث عن صراع عمره 1400 سنة، حيث يتقاتل الناس على الماضي فيما عليهم النظر إلى المستقبل».
وعمّا إذا كان إحياء 14 آذار سيكون مناسبة لإحياء 14 آذار - المشروع، قال: «لا أعتقد ذلك، وفي رأيي ان إحياء 14 آذار على الطريقة الكلاسيكية التي شاهدناها من خلال لقاء للأحزاب يلتقطون في نهايته صورة ولا يجتمعون بعدها إلا مرة أو اثنتين في السنة لا معنى له»، معتبراً أن «لا حل إلا بالعودة إلى الشارع من أناس واعين، وجيل كان شاباً عندما نزل إلى الشارع واعتصم في الخيم، وبعد مرور عشرة أعوام أعتقد أن البعض منهم بات قادراً على أن يكون له رأي وقرار سياسي. فهؤلاء الناس هم مَن يشكلون 14 آذار».
اما البروفسور المفكر أنطوان قربان فأكد أنه «لا بد من التمييز بين 14 آذار كحالة شعبية و14 آذار كقوى سياسية شكّلت هذا الائتلاف تحت عنوان 14 آذار«، مشيراً إلى أن «هذه القوى إذا نظرنا إليها في كيانها، فإن أكثريتها هي من لبنان القديم، وأكثريتها لها هوية دينية ـ طائفية، بينما ثقافة وفكرة 14 آذار الشعبية، والتي ما زالت موجودة ولم تمت، تختلف تماماً وهي خارقة وعابرة للطوائف وللانتماءات والهويات الفئوية».
وأوضح أن «مشروع 14 آذار 2005، حملته قوى سياسية بأكثريتها طائفية لها حيثياتها ومصالحها، ولذا يظهر بعد 11 عاماً وكأن هذا المشروع غير قادر على مواكبة الأحداث وتطوير الفكر وبناء رؤية متكاملة وشاملة». وسأل: «أين المشكلة إن كان هناك تباين واختلافات بين بعضهم البعض؟ فهذا لا ينفي ان فكرة 14 آذار لا تموت».
وإذ جدد التمييز بين 14 آذار الحالة الشعبية والحالة السياسية، لفت إلى «أن 14 آذار السياسية كائتلاف قوى متعددة انهمكت في زواريب السياسة، أي الصراع على السلطة والتسويات وذهبوا بعيداً أكثر من اللازم في التسويات مع الخصم»، لافتاً إلى أن «هذا التكتيك أضعف هذه القوى».
أما 14 آذار الشعبية، فيقول عنها قربان: «بقي منها الكثير، لكنها غير قادرة على التعبير عن نفسها لأنها ليست حزباً سياسياً، ولا يمكن الطلب من أفراد تشكيل حزب سياسي، فهذا مجتمع مدني إن صح التعبير». ورأى أن تظاهرة 28 اغسطس الماضي عندما دعت بعض التنظيمات إلى تحركات في مدينة بيروت على خلفية موضوع النفايات، «كان مشهداً آذارياً، علماً أن من دعوا إلى التظاهرة ليسوا في 14 آذار السياسية».
وأكد أن «14 آذار الحالة الشعبية لا تزال موجودة، اما هل هي فعالة كما كانت سابقاً؟ فالجواب هو لا، لكن بالإمكان تفعيلها، لأن مَن أخرج المحتلّ السوري في العام 2005 بنزوله إلى الشارع، ما زال اليوم قادراً على وضع حدود لخليفة المحتلّ السوري أي المحتل الإيراني نوعاً ما».
وجزم بأن 14 آذار لم ينته مبرر وجودها «بل على العكس لبنان بحاجة أكثر من أي وقت لهذه الروح وهذه الفكرة، لأن اليوم هناك شعور عند الشعب اللبناني بالقلق الكبير على الكيان اللبناني»، مؤكداً أن «14 آذار هي الكيان، وهي التي تمثله، تماماً كما الشعب السوري الذي خرج خلال أسبوع من الهدنة النسبية ليقول لا للنظام ولا لداعش والتطرف، فهذه روح 14 آذارية في مكان ما».
وختم: «أتصور إن كانت هناك حكمة لدى المسؤولين ووعي كافٍ، فاليوم أكثر من أي وقت يشكل إحياء مشروع 14 آذار واجباً تجاه لبنان وليكون للمرء بلد مستقل يعيش فيه بكرامة».