وقف الزعماء صفا واحدا في لقطة تذكارية تحمل في طياتها معاني كبيرة ورسائل جوهرية، تؤكد أن المارد استفاق... وأن زمن الاستجداء قد ولّى، ولم يعد له وجود في قاموس العهد الجديد.
بعد الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى ثلاثة أقسام، غرب يناطح شرقا، وعالم ثالث لا حيلة له إلا أن ينضوي تحت جناح هذا الغرب أو ذاك الشرق ليحتمي به، فكانت الحرب الباردة التي أحدثت سباقا محموما للتسلح بين حلفي وارسو وشمال الأطلسي، حتى بدا العالم كما قالها جورج بوش الابن في مرحلة متأخرة عن ذلك الزمن «إما معنا أو ضدنا». وما عرف في ذلك الوقت تحت مسمى «عدم الانحياز» لم يكن إلا محاولات لا قيمة لها من أمم تريد أن تقول للقوتين العظميين «نحن هنا» وسرعان ما ذابت دولها تماهيا مع أحد المعسكرين.
اليوم عاد الصراع مجددا بين الغرب الذي بقي متماسكا بحلفه الأطلسي، وشرق اقتصر على الدب الروسي الذي وجد نفسه وحيدا يصارع العالم فاتخذ سياسة المواجهة سبيلا لفرض وجوده، ساعده في ذلك تراجع الدور الغربي الأميركي في عدد من الملفات لغايات معروفة، فأطلق ذلك الدب لبطشه العنان كي يدمر في أوكرانيا أولا ويقتطع منها جزءا يضمه إليه «شبه جزيرة القرم» ثم أشعل حربا شرق أوكرانيا في سعي لاقتطاع جزء منها تغلب على سكانها العرقية الروسية. بعدها جاء إلى سورية يمارس أبشع جرائم القصف والقتل. وفي خضم ذلك برزت جهة بأجندة خاصة، وأرادت تنفيذها في المنطقة مستغلة هذا الفراغ في الصراع الغربي الشرقي، وما خلفه من ثغرات نفذت منها إلى المناطق التي تريدها، ونقصد بذلك إيران التي لعبت دورا طائفيا مقيتا منذ سقوط طاغية العراق، عندما استغلت تولي الشيعة مقاليد بلاد الرافدين وانطلقت تتغلغل وتعمل كل ما تشاء بلا حسيب، ثم توسعت رقعتها باستغلال الأزمة السورية لتثبت أقدامها في بلاد الشام وليكون وجودها في سورية امتدادا لسيطرة صنيعتها في لبنان «حزب الله» على الوضع، لتبدأ في تنفيذ ما اصطلح عليه بمسمى «الهلال الشيعي» وعملت وفق رؤية الأحلاف على تشكيل تحالف لها من ميليشيات تتبعها عقائديا، على غرار حزب الله، في كل من العراق وسورية، وحتى في باكستان وأفغانستان، فأصبح لديها تحالف طائفي واسع ركّز على إشعال بؤر التواجد الشيعي في المنطقة ولا سيما في البحرين وشرق السعودية، ناهيك عن الكويت التي تحدثنا عن واقع الحال فيها الأسبوع الماضي.
الحلف الإيراني الضيق «طائفيا» كان جرس الإنذار الذي أيقظ المارد الإسلامي من غفوته، فطرحت المملكة العربية السعودية في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الأخير تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب، فوجد استجابة واسعة من الدول الإسلامية التي أعلنت 35 دولة منها الانضمام إليه، الأمر الذي لم يعجب طهران، وكأنها استشعرت أن مشروعها الطائفي هو المستهدف من وراء هذا التحالف، فعارضت وهاجمت، وسخّرت كل أبواقها وآلتها الإعلامية لمهاجمة المشروع الجديد، وظلت تشكك فيه، حتى جاءت لحظة الحقيقة في تجمع قوات من 20 دولة إسلامية لإجراء مناورات هي الأكبر عالميا، تحت اسم «رعد الشمال» جرى في المملكة العربية السعودية، واشتركت فيه مختلف صنوف القوات من الدول المشاركة، وكان ختامه بحضور زعماء الدول التي أرسلت قواتها، فكانت الرسالة القوية والواضحة بأن هناك حلفا جديدا سيقف في وجه تحالفات العالم الأخرى، بشكل عام، وإيران خاصة ــ حسب مراقبين ومحللين عسكريين ــ التي انتقدت التحالف أولا ثم مناوراته، ومفاد الرسالة أنها يجب أن تعيد حساباتها بشأن كثير من الملفات وبؤر الصراع التي تورطت فيها، من لبنان إلى سورية فالعراق، وصولا إلى اليمن.
التسريبات عن حجم قوة الحلف تثير مخاوف الغرب وإيران بشكل كبير، ولاسيما بوجود قوى تعتبر كبرى في مقاييس العالم العسكرية، فمجموع عدد جيوش الدول المنضوية تحت التحالف الإسلامي يصل إلى نحو 3.4 مليون عسكري في قوة بشرية لم يعرفها التاريخ من قبل، هذا غير الآلة العسكرية من طائرات ودبابات ومدرعات ومدافع، في ظاهرة قد تقلب الموازين، أضف إلى ذلك أن دولا كبرى تشكل عماد التحالف، منها تركيا وباكستان، الدولتان الأكبر إسلاميا، عدا القنبلة النووية التي تمتلكها باكستان والتي ستضفي على التحالف صفة «التحالف النووي» وبقي أن تعلن مصر الدولة الأكبر والأهم عربيا عن فحوى دورها في التحالف، ليصار إلى بلورة الوضع بشكل نهائي.
رسالة يومي الخميس والجمعة الماضيين ــ في ختام مناورات «رعد الشمال» ــ وصلت وبأقوى العبارات وتلقفها كل من يهمه الأمر، ومع أنها تأخرت كثيرا، ولكن أن تصل متأخرة وبهذه القوة وهذا الزخم، خير من عدم وصولها أو حتى خير من وصولها في مرحلة سابقة بصورة لا تصل إلى مستوى الأهداف الموضوعة لها. بقي أن نراقب ما ستنجلي عنه مواقف من وصلت إليهم الرسالة خلال الفترة القليلة المقبلة من جهة، والخطوة المقبلة للتحالف نحو تشكيل قوة دائمة كما تسرب عن كواليس غرف العمليات من جهة ثانية، وهذه الاخيرة ستكون مربط الفرس في تغيير موازين قوى كبيرة في المنطقة والعالم.
[email protected]@Dr_alasidan