تعالوا نجرّب الفيديرالية

تصغير
تكبير
هذا اليوم هو الثالث عشر للهدنة السورية التي يبدو أنها صامدة. الضغط الأميركي نجح في إلزام المعارضة بها، رغم تعدد فصائلها المسلحة وتنوع ولاءاتها. روسيا والنظام وحلفاؤهما أكثر تنظيما ويستطيعون بالتالي الامتثال إذا أرادوا. الخروقات تحصل يوميا ولكنها تكاد لا تذكر، قياسا بما كان الوضع عليه قبل وقف الأعمال العدائية.

التنسيق الأميركي - الروسي كبير جدا، سواء على مستوى وزيري الخارجية اللذين يتهاتفان بصفة شبه يومية، أو بين مركزي الاتصال الميداني الروسي في قاعدة حميميم باللاذقية والأميركي في عمان اللذين يجريان عشرات الاتصالات يوميا ببعضهما البعض وبالفصائل على الأرض.


يبدو أيضا أن هناك اتفاقا ضمنيا على أن تكون «جبهة النصرة» مشمولة بالاتفاق، أقله في المناطق حيث تختلط قواتها بقوات أخرى من المعارضة، وإلا لما صمد الاتفاق. داريا في ريف دمشق، تصح دليلا على ذلك، بعدما كان النظام أعلن في البداية عدم شمولها.

الإنهاك الذي أصاب المقاتلين من الجانبين يساعد كثيرا، فلا بأس من استراحة بعد خمس سنوات من القتال المتواصل.

لكن هل يمكن أن يظل وقف النار صامداً أو يتحول إلى هدنة دائمة ما لم يفتح الطريق أمام عملية سياسية قابلة للاستمرار؟

التنسيق الروسي - الأميركي يتجاوز بالتأكيد التفاصيل الميدانية التي لا تحتاج لاتصالات يومية بين وزيري الخارجية. يبدو أن الجانبين وضعا إطارا سياسيا عاما لتسوية يمكن أن تخلف وقف النار. الروس تحدثوا عن الفيديرالية والأميركيون عن تقسيم واقعي، وإن كان في سياق التحذير من هذا المآل نتيجة لفشل الهدنة لا نجاحها.

مثل هذه المشاريع، تتوافق مع التقسيمات التي أفرزتها الوقائع على الأرض، وبالتالي لا يستبعدن أحد أن يكون البحث الجدي جاريا بين واشنطن وموسكو حول الحدود التي يجب ان تشملها هذه المنطقة أو تلك، لأنها وإن كانت مناطق طائفية أو قومية تخص الأطراف السورية، فإنها أيضا مناطق نفوذ لهذا الطرف الدولي أو الإقليمي أو ذلك.

تجربة السنوات الخمس الماضية، وكل تحليلات المحللين، ودراسات مراكز الدراسات، وتصريحات الغالبية الساحقة من مسؤولي الدول المعنية، تؤكد استحالة الحل العسكري. فهل يمكن أن يستمر القتال إلى ما لا نهاية من دون هدف سياسي قابل للتحقيق؟

قد لا يستطيع الضمير الجماعي العربي هضم كلمة فيديرالية، نظرا لارتباط التقسيم بالاستعمار الذي ما زالت ذكراه طرية في ذاكرة شعوبنا، التي تميل للاعتقاد بأن الاستعمار ما زال قائما وإن بأشكال أخرى، يحيك لنا المؤامرات ويكيد المكائد. وكذلك نظرا للترسبات العميقة التي تركها الفكر القومي الذي ما زالت بعض أنظمته حية ترزق، كليا أو جزئيا، رغم الانتفاضات والتحركات التي انتهت في بعض الحالات إلى إعادة انتاج نسخ هجينة من هذه الأنظمة أو ما هو أسوأ منها، أو ببساطة أوصلت إلى فوضى عارمة بانتظار حلول تبدو بعيدة جدا.

إذا كان هذا الفكر القومي او ما ترسب منه لم يجلب لنا سوى الهزائم ومعها المآسي والتخلف على مدى عقود، فهل نتوسله هو ذاته لينقذنا مما نحن فيه اليوم؟ ثم هل فعلا الفيديرالية كنظام للحكم هي بهذا السوء الذي يتخوف منه الناس؟

في العراق تجربة فيديرالية ليست تامة ولا شاملة للبلد كله، ولكن إذا أمعنا النظر فيها فسنجد إيجابيات كثيرة، لا سيما إذا اكتملت. الشمال الكردي في ظلها أفضل وأكثر استقرارا وازدهارا بأشواط مما كان عليه في أيام الدكتاتورية. والجنوب الذي يفترض أن يكون منطقة حكم ذاتي بموجب السيناريوات المعروفة، أيضا منطقة مستقرة ومزدهرة. يبقى الوسط مضطربا لأنه مفتوح على الأزمات الآتية من خارج الحدود.

سيقول قائل ان الفيديرالية هي في مصلحة إسرائيل التي تسعى لتقسيم المنطقة بما يسهّل لها السيطرة عليها. كان يمكن لذلك أن يكون صحيحا لو أن الأنظمة الوحدوية القومية الطابع جلبت لنا شيئا غير الهزائم والخيبة، ولو أن التيار الإسلامي، سواء كان في الحكم أو المعارضة، استطاع أن ينتشلنا من هذه الهزائم.

ثم ان الفيديرالية ليست تقسيما. قد تكون بالنسبة لبعض دولنا التي لم تعد فئاتها السكانية تستطيع الاندماج الكلي ببعضها، شكلا افضل من أشكال الوحدة. ألا يمكن الافتراض مثلا أن الناس عندما تكون مستقرة في بيئتها، ومنتظمة في مناطقها ضمن الدولة الواحدة، تكون أكثر قابلية للدفاع عن نفسها، حتى في وجه إسرائيل، التي بدورها يعتبر صفاؤها الديني النسبي من نقاط قوتها الرئيسية؟

ألا يستحق الأمر التجربة، خصوصا إذا ترك الفصل فيه لاستفتاءات شعبية؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي