لا بدّ من وضع الامور في نصابها، خصوصا بعد التحرّك الذي قام به الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في منطقة المغرب العربي في سياق الجهود التي يظنّ انه يبذلها لتسوية قضية الصحراء المغربية. كلّ ما فعله بان والمجموعة المرافقة له يتمثّل في الانضمام الى لعبة منحازة لا افق سياسيا لها تستهدف المغرب، كما تستهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة كلّها.
لم يكن التحرك الذي قام به بان كي مون والذي توّج بلقاء مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة موفقا، خصوصا ان المغرب لم يكن مرتاحا لطروحاته وسدّ ابوابه في وجهه. كيف يمكن لشخص عاقل تجاهل ان قضية الصحراء هي نزاع مغربي ـ جزائري وان الباقي تفاصيل، خصوصا بعدما خسرت الجزائر الحرب التي تشنّها بالواسطة على المغرب. هل جاء بان كي مون الى المنطقة لمكافأة العدوان الجزائري على المغرب؟
غابت الرباط عمدا، عن الجولة المغاربية للامين العام التي يبدو ان الهدف الوحيد منها تجاهل المبادرة المغربية الخاصة بالصحراء. تقوم هذه المبادرة التي سبق للامم المتحدة ان اعتبرتها جديرة بالاهتمام على الحكم الذاتي للصحراء وذلك في اطار السيادة المغربية.
جاء بان كي مون الى المنطقة للايحاء بأنّ هناك لعبة اخرى في المدينة، كما يقول الاميركيون. لا وجود لمثل هذه اللعبة من قريب او بعيد. كلّ ما هناك ان الامين العام للامم المتحدة سعى الى تسويق افكار بالية عفى عنها الزمن تقوم على تنظيم استفتاء في الصحراء بغية اعطاء اهلها حق تقرير المصير. من الصحراوي ومن غير الصحراوي الذي سيشارك في الاستفتاء، ما دام والد محمّد عبد العزيز الامين العام لجبهة «بوليساريو»، التي ليست سوى اداة جزائرية، كان عسكريا برتبة صف ضابط في القوات الملكية المغربية، وهو من منطقة جديدة الساحلية لا تبعد كثيرا عن الدار البيضاء.
كان مهمّا ان ينهي بان كي مون ولايته بطريقة اخرى تعكس رغبته في استيعاب المتغيرات التي تطرأ على القضايا والملفّات العالقة في اروقة المنظمة الدولية. مثل هذا الاستيعاب للامور يسمح بتحقيق ايجابيات والتوصّل الى حلول وتسويات.
استعاض عن ذلك بممارسة لعبة الموظّف الكبير الذي لا يمتلك اي موهبة سياسية من اي نوع كان باستثناء قراءة الدرس الذي عليه تغييبه والتزام نص هذا الدرس بحرفيته من دون طرح اي اسئلة مفيدة من ايّ نوع كان. انّه انعدام الرؤية بأبشع صوره لا اكثر.
في ضوء هذه المعطيات التي لا تبشّر بالخير، جاء بان كي مون الى منطقة المغرب العربي للتأكّد من ان الامم المتحدة عاجزة عن اتخاذ اي خطوة تصبّ في اتجاه الانتهاء من ملف الصحراء بشكل ايجابي. اراد بكل بساطة تأكيد ان الملفّ سينتقل الى خلفه وسيبقى معلّقا من اجل تحقيق هدف واحد هو استنزاف المغرب المهتمّ اوّلا واخيرا بالتنمية وتحسين الاحوال المعيشية للمواطن. تشمل هذه التنمية سكان المحافظات الصحراوية، وهم مواطنون في المملكة مثلهم مثل اي مواطن آخر في وجدة او تطوان او طنجة او الرباط او الدار البيضاء او فاس او مكناس او مراكش.
لم يكن لدى محمّد السادس يوما اي طموح باستثناء الاهتمام بالمواطن المغربي ورفع مستوى معيشته. لذلك، ليس طبيعيا ان ينضمّ الامين العام للامم المتحدة الى الحملة الجزائرية على المغرب.
ما يجعل المرء يشعر بخيبة، انّ هذه الحملة لا تستهدف مواطني المملكة فقط، بمقدار ما انّها تستهدف بقاء الصحراويين الموجودين في تندوف في حال من البؤس والتعبئة بدل السماح لهم بالعودة الى مدنهم وقراهم والعيش بسلام وامان في محافظات تتمتع بحكم ذاتي موسّع في ظل دستور عصري لا يختلف اثنان على انّه يوفّر كل الضمانات المطلوبة للمواطن. هل قرأ بان كي مون نصّ الدستور المغربي الجديد وما يتضمنّه من ضمانات للمواطن وللاحزاب السياسية على كلّ صعيد؟
لو كان لدى الامين العام للامم المتحدة مقدارا من الفكر السياسي الخلّاق، لكان اعتبر انّ واجبه الاول يتطلب انقاذ المقيمين في مخيمات تندوف من الاسر. في استطاعته خدمة الصحراويين بدل البقاء في اسر نصوص لا علاقة لها بالواقع.
بالنسبة الى المغرب، انتهت حرب الصحراء منذ فترة طويلة. ملفّ الصحراء جزء من الماضي. هناك من حاول استخدامه ورقة ضدّه وفشل في ذلك. لن ينجح بان كي مون حيث فشلت الجزائر التي ترفض الاعتراف بانّ مشكلتها مع شعبها ومع الارهاب وليست مع المغرب. هناك صفحة طواها المغرب منذ استطاع الانتصار في هذه الحرب التي كان يغذّيها في مرحلة معيّنة مجنون اسمه معمّر القذافي.
معركة المغرب من نوع آخر. هذا ما لم يستطع الامين العام للأمم المتحدة استيعابه بأي شكل. معركته مع الارهاب والتطرّف. معركة المغرب مع الفقر الذي يلد منه الارهاب والتطرف ويوفّر حاضنة لهما. معركة المغرب مع تطوير البرامج التعليمية وخلق فرص عمل للشباب المغربي. معركة المغرب في الرهان على الطاقة الشمسية.
جاء بان كي مون الى المغرب العربي في التوقيت الخطأ من اجل معالجة الملفّ الخطأ. جاء لافتعال قضيّة في حكم المنتهية منذ فترة طويلة. هل مهمّة الامين العام للامم المتحدة احياء قضايا معيّنة طواها الزمن من اجل الاساءة الى دول معيّنة ليس الّا؟
اذا كان من خدمة يستطيع بان تقديمها إلى الصحراويين، لماذا لا يطلب من الجزائر ان تقيم لهم دولة في أراضيها. كل الجنوب الجزائري مليء بالصحراويين. كل الشريط الممتد من موريتانيا وصولا الى جنوب السودان، شريط صحراوي. اما لماذا هذا الانحياز الى الجزائر ضدّ المغرب، فهذا امر اقلّ ما يمكن ان يوصف به انّه في غاية الغرابة.
في الاشهر القليلة الباقية من ولايته الثانية والاخيرة، يجدر بالامين العام للامم المتحدة النظر الى بعيد. لعلّ اوّل ما يفترض به النظر اليه هو كيفية ايجاد اطار اقليمي تتعاون فيه كلّ دول المنطقة، من بينها الجزائر، من اجل مكافحة الارهاب. المشكلة مرتبطة الى حدّ كبير بالاراضي الليبية التي صارت مسرحا لـ «داعش» وما شابه «داعش». المشكلة الموازية في الساحل الصحراوي حيث لا يمكن القول ان الجزائر تلعب دورا ايجابيا
في مجال مكافحة الارهاب. اكثر من ذلك، لم يعد سرّا ان وجود جبهة «بوليساريو»، التي ليست سوى اداة جزائرية، والتي تستخدم المساعدات الدولية لأغراض خاصة بها لا تخدم بأي شكل الصحراويين الاسرى في تندوف.
هل فات بان كي مون هذا الواقع... ام انّ كل همّه محصور في ضمان بقاء ملف الصحراء مفتوحا، اقلّه نظريا، في غياب القدرة على الاعتراف بأنه صار من الماضي منذ زمن طويل، علما انّه في حال كان مطلوبا التوصل الى حلّ نهائي، فان هذا الحلّ في متناول اليد اليوم قبل غد؟ انّه الحل المغربي الذي لا وجود لحل غيره
في حال كان المطلوب خدمة المنطقة والاستقرار فيها، بما في ذلك خدمة الجزائر واخراجها من ازمتها المستعصية.