نص / الفاصلة المنقوطة

د. زياد الوهر


لا شك لدي أن البعض يعرف أهمية الفاصلة المنقوطة ودورها المهم في الكتابة والقراءة، فهي واحدة من علامات الترقيم في اللغة العربية وتأتي عادة قبل الجملة الاعتراضية أو التوضيحية ليتبعها الكاتب ببقية حديثه عن الموضوع.
والكثير من الناس قد لا يحسن استخدام تلك العلامة في الكتابة بسبب أنها أكثر علامات الترقيم صعوبة في الاستخدام، وما دفعني لكتابة تلك المقالة هو العديد من الأسباب غير اللغوية؛ وقد يكون أحدها أن أحد الزعماء العرب الراحلين كان يستخدم الجمل الاعتراضية الطويلة جدا في حديثه وكتاباته إلى درجة أن المستمع يفقد الصلة مع الجملة الأولى الأساسية التي افتتح بها الحديث.
كذلك هنالك من يخطو خطوات عدة في حياته نحو تحقيق أهدافه السامية ولكنه أمام أول عقبة أو خسارة يتراجع، مع العلم أنه لو تابع طريقه لحقق هدفه المنشود، ولكنها الروح الانهزامية التي إن تمكنت من أحدهم جعلته حبيس الهزيمة ومعدوم الإرادة ومسلوب القدرة على النجاح والتميز.
والفاصلة المنقوطة مثلها مثل الجملة الاعتراضية تعترض الحديث وتغير مجراه من مكان لآخر ثم لا تلبث أن تعيدك إليه مرة أخرى، وكذلك هنالك نمط من البشر ما أن يبدأ حديثه عن السياسة والحرب في سورية حتى ينتهي بحديثه عن ظاهرة الكسوف والخسوف وأثرها على حركة الطيور المهاجرة... «سمك لبن تمر هندي» وهو اسم الفيلم العربي الشهير والذي يجسد هذا النوع من الناس وطريقة حديثهم التي تتطلب صبرا شديدا وأملا في قرب انتهائه.
ومن أهم استعمالات الفاصلة المنقوطة أنها تفصل بين جملتين تكون ثانيتهما سبباً في الأولى أو العكس، وهكذا هي الحياة وهكذا هو الوضع في العالم العربي فما نراه من هزائم منكرة وتشتت في أوضاعنا وهواننا على الأمم والتخبط الذي نعيشه بحيث فقدنا القدرة على تمييز العدو الحقيقي من غيره؛ إنما هو من حصاد أعمالنا وما جنته أيدينا وما ارتكبته بعض النخب السياسية من حماقات، فجازفوا بمصير أمتهم وراهنوا على الغرب حينا وعلى الشرق حينا آخر فوصلنا إلى ما نحن عليه من فقدان الأمل بالإصلاح والبناء والتنمية التي نسمع عنها ولا نراها.
لم توجد الفاصلة المنقوطة عبثا ولم يضعها اللغويون والنحاة من دون أن تكون لها فائدة، فمن فوائدها اللغوية أيضا، أن الوقوف عليها يكون مُدّةً أطول قليلًا من الفاصلة العاديَّة؛ لذلك توضعُ بين الجُملِ الطَّويلة لالتقاط النَّفس. وعند مقارنة ذلك بالوضع السياسي الراهن نكتشف أننا نحتاج الكثير من الفواصل المنقوطة كي نعيد النظر في أوضاعنا وما آلت إليه من ضياع وتشتت، فنحن كشعوب وساسة نحتاج لتلك الهدنة كي نلتقط فيها أنفاسنا ونستجمع فيها قوانا ونوحد مواقفنا أمام أعدائنا الذين تكالبوا علينا فأوقعوا بيننا وأثاروا الضغينة والكراهية بين أبناء الأمة الواحدة وأشعلوا نار الفتنة التي لا تبقي ولا تذر.
خيارات صعبة
هذا هو عنوان كتاب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، والذي عرضت فيه كل تجاربها السياسية في شرق الكرة الأرضية وغربها، وطرحت فيه بإسهاب موضوع العقوبات الأميركية على إيران ومسار السلام المتقلقل «كما اسمته» في القضية الفلسطينية، ثم المعضلة الشريرة في سورية.
والقارئ للكتاب يكتشف بكل بساطة أن الكتاب قد تمت صياغته بطريقة محترفة خضع خلالها لمراجعة الأجهزة الأمنية الأميركية وتمت غربلة محتوياته لتتطابق مع رؤية سياستها الخارجية.
وجاء الكتاب من القطع الكبير ويقارب عدد صفحاته 600 صفحة أظهرت فيه كلينتون بكل طريقة ممكنة للتأكيد على أهمية أمن المواطن الأميركي وضرورة حمايته أينما كان، واسترسلت في إظهار مقدار أحاسيسها الإنسانية تجاه الجرحى الإسرائيليين بعد «العدوان الفلسطيني» عليهم!!
ومن ضمن الفصول المثيرة للجدل في كتابها، فصل «الربيع العربي- الثورة» والذي استعرضت فيه الثورة المصرية في يناير 2011 وتخوف إدارتها من عواقبها الوخيمة على منطقة الشرق الأوسط.
ومن واحدة من أكثر عباراتها استفزازا ما قالته عن الثورة المصرية «وثبت تاريخيا أن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية محفوف بالمخاطر وتنجم عنه في سهولة أخطاء فادحة. في إيران عام 1979، على سبيل المثال، قبض المتطرفون على الثورة الشعبية الواسعة ضد الشاه، وأنشأوا ثيوقراطية وحشية. إذا حدث أمر مشابه في مصر، فستحل كارثة على شعبها، والمصالح الإسرائيلية والأميركية كذلك».
عزيزي القارئ وهنا سأترك لفطنتك المجال الرحب لتحلل هذه العبارة كيفما تريد وأن تصل للاستنتاجات التي تراها مناسبة لهذه النظرة القاصرة للتجارب الثورية العربية، ولكني شخصيا أصابني الفضول في معرفة ماهية كلمة «ثيوقراطية»، وبعد البحث.. إليكم ما وجدت، الثيوقراطية تعني حكم الكهنة أو الحكومة الدينية، وهي تتكون من كلمتين مدمجتين في اللغة اليونانية هما ثيو وتعني الدين وقراط وتعني الحكم، وعليه فإن الثيوقراطية هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله.
وبصراحة الكتاب جميل رغم ما فيه من تحريف للحقائق ودعم صريح للكيان الصهيوني، إلا أنه يستحق القراءة فعلا.
خاطرة: غريب أمر هذا العالم الحُرّ؛ يناقشون حقوق الأقليات في بلداننا... وحقوق الأكثرية معدومة!
والكثير من الناس قد لا يحسن استخدام تلك العلامة في الكتابة بسبب أنها أكثر علامات الترقيم صعوبة في الاستخدام، وما دفعني لكتابة تلك المقالة هو العديد من الأسباب غير اللغوية؛ وقد يكون أحدها أن أحد الزعماء العرب الراحلين كان يستخدم الجمل الاعتراضية الطويلة جدا في حديثه وكتاباته إلى درجة أن المستمع يفقد الصلة مع الجملة الأولى الأساسية التي افتتح بها الحديث.
كذلك هنالك من يخطو خطوات عدة في حياته نحو تحقيق أهدافه السامية ولكنه أمام أول عقبة أو خسارة يتراجع، مع العلم أنه لو تابع طريقه لحقق هدفه المنشود، ولكنها الروح الانهزامية التي إن تمكنت من أحدهم جعلته حبيس الهزيمة ومعدوم الإرادة ومسلوب القدرة على النجاح والتميز.
والفاصلة المنقوطة مثلها مثل الجملة الاعتراضية تعترض الحديث وتغير مجراه من مكان لآخر ثم لا تلبث أن تعيدك إليه مرة أخرى، وكذلك هنالك نمط من البشر ما أن يبدأ حديثه عن السياسة والحرب في سورية حتى ينتهي بحديثه عن ظاهرة الكسوف والخسوف وأثرها على حركة الطيور المهاجرة... «سمك لبن تمر هندي» وهو اسم الفيلم العربي الشهير والذي يجسد هذا النوع من الناس وطريقة حديثهم التي تتطلب صبرا شديدا وأملا في قرب انتهائه.
ومن أهم استعمالات الفاصلة المنقوطة أنها تفصل بين جملتين تكون ثانيتهما سبباً في الأولى أو العكس، وهكذا هي الحياة وهكذا هو الوضع في العالم العربي فما نراه من هزائم منكرة وتشتت في أوضاعنا وهواننا على الأمم والتخبط الذي نعيشه بحيث فقدنا القدرة على تمييز العدو الحقيقي من غيره؛ إنما هو من حصاد أعمالنا وما جنته أيدينا وما ارتكبته بعض النخب السياسية من حماقات، فجازفوا بمصير أمتهم وراهنوا على الغرب حينا وعلى الشرق حينا آخر فوصلنا إلى ما نحن عليه من فقدان الأمل بالإصلاح والبناء والتنمية التي نسمع عنها ولا نراها.
لم توجد الفاصلة المنقوطة عبثا ولم يضعها اللغويون والنحاة من دون أن تكون لها فائدة، فمن فوائدها اللغوية أيضا، أن الوقوف عليها يكون مُدّةً أطول قليلًا من الفاصلة العاديَّة؛ لذلك توضعُ بين الجُملِ الطَّويلة لالتقاط النَّفس. وعند مقارنة ذلك بالوضع السياسي الراهن نكتشف أننا نحتاج الكثير من الفواصل المنقوطة كي نعيد النظر في أوضاعنا وما آلت إليه من ضياع وتشتت، فنحن كشعوب وساسة نحتاج لتلك الهدنة كي نلتقط فيها أنفاسنا ونستجمع فيها قوانا ونوحد مواقفنا أمام أعدائنا الذين تكالبوا علينا فأوقعوا بيننا وأثاروا الضغينة والكراهية بين أبناء الأمة الواحدة وأشعلوا نار الفتنة التي لا تبقي ولا تذر.
خيارات صعبة
هذا هو عنوان كتاب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، والذي عرضت فيه كل تجاربها السياسية في شرق الكرة الأرضية وغربها، وطرحت فيه بإسهاب موضوع العقوبات الأميركية على إيران ومسار السلام المتقلقل «كما اسمته» في القضية الفلسطينية، ثم المعضلة الشريرة في سورية.
والقارئ للكتاب يكتشف بكل بساطة أن الكتاب قد تمت صياغته بطريقة محترفة خضع خلالها لمراجعة الأجهزة الأمنية الأميركية وتمت غربلة محتوياته لتتطابق مع رؤية سياستها الخارجية.
وجاء الكتاب من القطع الكبير ويقارب عدد صفحاته 600 صفحة أظهرت فيه كلينتون بكل طريقة ممكنة للتأكيد على أهمية أمن المواطن الأميركي وضرورة حمايته أينما كان، واسترسلت في إظهار مقدار أحاسيسها الإنسانية تجاه الجرحى الإسرائيليين بعد «العدوان الفلسطيني» عليهم!!
ومن ضمن الفصول المثيرة للجدل في كتابها، فصل «الربيع العربي- الثورة» والذي استعرضت فيه الثورة المصرية في يناير 2011 وتخوف إدارتها من عواقبها الوخيمة على منطقة الشرق الأوسط.
ومن واحدة من أكثر عباراتها استفزازا ما قالته عن الثورة المصرية «وثبت تاريخيا أن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية محفوف بالمخاطر وتنجم عنه في سهولة أخطاء فادحة. في إيران عام 1979، على سبيل المثال، قبض المتطرفون على الثورة الشعبية الواسعة ضد الشاه، وأنشأوا ثيوقراطية وحشية. إذا حدث أمر مشابه في مصر، فستحل كارثة على شعبها، والمصالح الإسرائيلية والأميركية كذلك».
عزيزي القارئ وهنا سأترك لفطنتك المجال الرحب لتحلل هذه العبارة كيفما تريد وأن تصل للاستنتاجات التي تراها مناسبة لهذه النظرة القاصرة للتجارب الثورية العربية، ولكني شخصيا أصابني الفضول في معرفة ماهية كلمة «ثيوقراطية»، وبعد البحث.. إليكم ما وجدت، الثيوقراطية تعني حكم الكهنة أو الحكومة الدينية، وهي تتكون من كلمتين مدمجتين في اللغة اليونانية هما ثيو وتعني الدين وقراط وتعني الحكم، وعليه فإن الثيوقراطية هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله.
وبصراحة الكتاب جميل رغم ما فيه من تحريف للحقائق ودعم صريح للكيان الصهيوني، إلا أنه يستحق القراءة فعلا.
خاطرة: غريب أمر هذا العالم الحُرّ؛ يناقشون حقوق الأقليات في بلداننا... وحقوق الأكثرية معدومة!