شئت أم أبيت.
رغماً عن أنفك ستدخل الجنة.
لا مجال أمامك للاختيار.
أن تكون مسيراً أو مخيراً (وهو أمر اختلف فيه المعتزلة والأشاعرة والقدرية والمرجئة والمذاهب الأربعة والجعفرية) كلام لا تفهمه السلطات التي تحكم شعوبها باسم صكوك الغفران.
هنا، تحبك السلطة لدرجة لا تطاق.
تقلق عليك الدولة وأنت في الأربعين أو الستين كخوف أمك عليك حين تأخرت ذات ليلة وسهرت أيام صباك.
حتى لحظة الحساب، اطمئن، ستحاسب السلطة بدلا عنك.
السلطة أم حنون لكنها لا ترحم.
الويل، لو تسول لك نفسك فتمضي الليل تتأمل خلق الله.
نم مبكراً ثم استيقظ واذهب لعملك وقم بالواجبات المفروضة عليك قسرا باسم شيخ مر على مكاننا المنكوب قبل عقود وعقود، ولم يدر بخلده أن مجموعات من الأغبياء والسذج (نحن) ستخلفه وتتقاتل في ما بينها بسبب آرائه أو شطحاته أو أخطائه أو علمه المكين.
أمر آخر.
ستصنفك الدولة، فتفرض عليك مذهبها.
يجب أن يكون لك مذهب أو طائفة ترفعك (قد قيل سابقاً إننا قبائل برايات مميزة، نحن الآن طوائف برايات غير مميزة). لا يعقل أن يكون ابن هذه الدولة المنزهة عن الخطأ متساوياً مع الآخرين خارج حدودها. إنها عظمة الانتماء لشريعتها. أنت فرد مختلف، ليس باكتشافك أو اختراعك، إذ لا تهتم حكومتك بمدى ما تضيفه للبشرية. ما يطبعك بختم التفرد هو أنك ابن بار مطيع لهذه الأم التي تعتني بك كرضيع لا يقوى على الحركة، ممنوع عليك اقتراف الذنب بأمر سياسي موثق بحبر ديني أحمر.
لا تتهور، أي عاقل مكانك سيتعامل بحكمة ويعلن الولاء لطائفة الدولة التي يتبعها.
فالدولة من الطائفة (أ ) تهرطق كل أتباع الطائفة (ب) ولو كانوا من أبنائها والشيء ذاته تفعله الدولة من الطائفة (ب) بأبناء الطائفة (أ).
كل العالم يصرخ أنتم عالة علينا، بطوائفكم، بحروبكم، برائحة عفن أدمغتكم المتحللة، وآذاننا تعلمت وبرعت في أن تكون صماء.
كل من الضفتين تجهد بإقناع مواطنيها ليل نهار بوسائل الإعلام والتلفاز ودور العبادة واللافتات ومكبرات الصوت بكل خندق وشارع، أن مذهبها هو المنقذ الذي سيقيهم لهيب جهنم ساعة الحساب.
في مثل هذه الدول، تخصص الموارد والأموال ويجند الاقتصاد في عمليات البحث عن مزيد من الخنوع والتبعية بدلا من البحث العلمي والتطوير.
ماذا عن بقية العالم؟
إنه غير موجود، منحل، وبقاؤه موقت.
ماذا عن مصير العالم؟
لهم الدنيا ولنا الآخرة. هكذا تقص السلطة على أبنائها حكايات ما قبل النوم.
يحيا العالم الكافر في النعيم الدنيوي فقطن الأنهار، البحار، المروج وجمال الطبيعة والإنسان كلها نعم ستزول منهم بمجرد بدء الآخرة فتنتقل ملكيتها لنا.
أما منجزاتهم العلمية وثوراتهم الصناعية والطبية والفضائية فقد ألهموا بها لخدمة المسلمين.
البشر الماجن سيدخل النار، وحده الإنسان المنكوب هنا سيلج الجنات.
هذا جزء مما علمتنا إياه المدارس، ثم نتبجح بالسؤال عن البيئة الخصبة التي أنشأت الإرهاب، ولماذا الإنسان العربي غير منتج؟
لا ينتج لأنه متقاعس، جنسي، غرائزي ينتظر ما وعد به، خامل يحلم في الخلود وسط كل المحرمات التي يتمتع بها الغربي.
ماذا لو أنك رفضت الانصياع؟
ماذا لو أردت لعلاقتك مع ما تؤمن به أن تكون شأنا خاصا بك لا يشاركك فيه إنسان؟
ماذا لو مارست إنسانيتك وقررت أن تخطئ (وفق مفهوم السلطة للخطأ)؟
في هذه الحالة تخرج عليك السكاكين، يخرج الرعاع، المكان مليء بأنواع متطابقة من كائنات عظمية أجسادها مغطاة بجلد عجوز كريه، تجاعيده عمرها مئات من السنين، كائنات تحمل معاول تهدم أي نهضة. النهضة عدوة ما نوعد به.
خط واحد يسير عليه شعب بأكمله في طقوسه ونسكه وسيره وعمله. وقائمة محددة من الجنسيات سيتنعم حملتها بالفردوس. أما من لا يملك الجواز الذهبي فمصيره النار والوقود.
أين يمكنكم إيجاد مثل هذه المعادلة القبيحة سوى بمفاهيم عالمنا الإسلامي، العربي، الدموي، الرجعي.
لم تعد التسمية تهم.
* النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو حامل الرسالة لم يتمكن من هداية عمه للإسلام. ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
كاتبة وإعلامية سعودية
nadinealbdear@gmail.com