الفنانة التشكيلية العالمية سحرتها الكويت بألوانها المشعة بالأمل

بورتريه / جورجيتا جرابوفسكي... شاعرة تُبحر بريشتها في «قوافي الألوان»

تصغير
تكبير
إذا كان الشعر رسماً قوامه الكلمات على حد تعبير الشاعر السوري الكبير نزار قباني او رسماً صامتاً كما قال هوراس، فان لوحات الفنانة التشكيلية العالمية جورجيتا جرابوفسكي الرومانية الاصل والفرنسية الثقافة والجوائز عتبة سردية تطلق فراشات البوح لتحلق في موسيقى غرس الفرشاة في الاصباغ لتجمع التلميح والتصريح، والبوح والسكوت فتسمع نبرات صوتها وترى في حسها الشاعري المرهف ملامح الزمان والمكان و كل الابعاد، المكانية والزمانية والإنسانية في الجسد والوجه.

لوحات جورجيتا جرابوفسكي في معرضها الاول في الوطن العربي الذي اقامه المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في دولة الكويت بقاعة الفنون في ضاحية عبدالله السالم سردا تشكيليا، الألوان في اناملها يسكنها السحر والأشكال لديها تتفاعل بين المفردات والاجزاء فنسمع من حركة اللون وهمسات الفرشاة ملامح الشخصيات وتفاعلها بألوان قد تبدو مبهجة للوهلة الأولى ولكن ما إن تغوص في تفاصيلها تجد كل المشاعر الانسانية فيها غزل لوني ما بين الضوء والظلال، تعكس خلفيات مفرداتها ظلال ملونة على مساحة خلفيتها سمة تعبيرية يتخيلها مشاعر وأحاسيس تنبض بالحياة.

أكثر من ثلاثين لوحة ضمها معرضها في قاعة عبدالله السالم معظمها ينتمي إلى المدرسة الانطباعية، والقسم الآخر إلى الواقعية، وبعضها الآخر ينتمي إلى التعبيرية، ولذلك انفعل كل زوار المعرض مع لونها وضيائها الذي يملأ الروح بطاقة مشعة وصوت شخوص رسوماتها القادم من عمق الموهبة كنغمات خالدة في أعماله فتفوح منها ذكريات الطفولة وتفاصيلها الجميلة.

والفنانة العالمية جرابوفسكي التي كانت الكويت بالنسبة لها المحطة الاولى للولوج الى عالم الشرق وسحره، سحرتها «منارة الخليج» من خلال الالوان المشعة بالأمل، حيث الشمس المتوهّجة والألوان الساحرة، وجمال نسائها لاسيما عيونها المرسومة باتقان وشكل ومضمون وملبس، مشيرة الى انها لاحظت وجوه معظم ابنائها تعبر عن حالة النقاء والصفاء.

ولفت انتباه جرابوفسكي عراقة الاماكن التي زارتها ومنها سوق النساء في قلب العاصمة الكويت.

وبرزت عبقرية جرابوفسكي في تعبيرها الدقيق عن الطبيعة ولما لا فهي بنت مدينة كرايوفا التي تعد واحدة من اجمل مدن رومانيا ودعمها في ابداعها خيالها الخصب الممزوج بالأساطير و القصص، منوهة عن غير قصد عن ارتباط بين أسلوبها المتجدد التي اكتسبته من الدراسة في فرنسا والمعايشة اليومية لحركة التشكيليين في بلاد الجن والملائكة،وروحية التقاليد الرومانية القديمة التي تتغذى بالأساطير والخرافات والتي تحب الرموز والاستعارات.

وجرابوفسكي التي تفتح وعيها على ألوان وفُرش ولوحات جارة اسرتها في مدينة كرايوفا الفنانة نتاشه التي اكتشفت نبوغها في الرسم مبكرا تدين بالفضل في تطور موهبتها والوصول للعالمية لفرنسا ومعارضها وجوائزها وبالتحديد عاصمتها باريس مدينة الثقافة والحرّية والحداثة والجاذبة للفنّانين والمبدعين من كلّ أنحاء العالم.

ففي باريس مزجت جرابوفسكي الرومانسية التي كانت في اعماقها مدرسة بالفطرة مع التجريدية في ومضات رمزية تنساب بالنغمات اللونية أشبه بدرجات السلم الموسيقي ومن المعروف ان المذهب التجريدي في الرسم، يسعى إلى البحث عن جوهر الاشياء والتعبير عنها في أشكال موجزة تحمل داخلها الخبرات الفنية و أشكالا رمزية تعانق الأسطورة.

أما المدرسة الرومانسية التي مارستها في الرسم بالفطرة خلال فترات الحلم والحب والامل عقب ثورة 1989 في بلدها رومانيا فمنحتها قدرة جديدة لحركات الفرشاة المندمجة في الألوان النابضة بالحياة، والتي تؤمن بأن الحقيقة والجمال في العقل وليس في العين من اجل هذا سعت وراء عوالم بعيدة من الماضي، حيث الخيال والسحر والغموض.

وتميزت جرابوفسكي بلغتها التصويرية المبهجة لكون فرشاتها أداة للتعبير عن المشاعر الداخلية. في لوحاتها فبرز في اختيارها المتميّز للّون والشكل. وهي صفة اكتسبتها من التعبيرية الرومانية، التي زاوجت في باريس بينها وبين الأسلوب التجريدي الفرنسي.

3 جوائز من فرنسا لجرابوفسكي خلال 8 سنوات ابرزها وسام الاستحقاق علاوة على جوائز اخرى من عدة بلاد في اوروبا كانت عبارة عن تحية وتقدير لاسلوبها الجديد الذي تعتمد فيه على أقصى درجة من الاضاءة لأحداث النسق اللوني بحيث توحي كل اعمالها بالشفافية والبهجة للعيون من خلال ذوبان الصورة في الضوء في تكويناتها التي تجمع الاماكن والأشخاص وحركة البحر وتأثير الرياح والسحب والأمطار وتحديد الأشياء في اللوحات بأشكال هندسية مؤلفة من لمسات لونية على شكل خطوط تحمل إيقاعاً موسيقياً مندمجاً مع درجة اللون ولذلك ليس بالعجيب ان يطلق عليها شاعرة «قوافي الالوان» لكون لوحاتها تجمع أجواء تنبض بالجمال فلم يغب لون من الألوان فيها وكأنها تجمع كل الأحاسيس في حيوية لونها ودرجات انسجامه فيتجاوز ضياء الرؤية فيه أزمنة مختلفة مبنية على: زمن بصري واقعي يقتنص فيه لحظات معينة و وزمن بصري إبداعي تتداخل فيه المشاعر الإنسانية والرؤية الخيالية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي