نص / فيض دخان

| ياسمين أحمد مصطفى |


غيوم دخانية كثيفة استكانت فى سقف المكان... تملؤه بعبق السجائر ورائحة القهوة، اتخذت طاولتي في هدوء، وبثبات طلبت فنجان قهوة، بعيون لامبالية مررت ببصري على الناس... هذا المكان هو أشهر مكان في الحي... تصورت ذات مرة أنه سيتخذ من جملة «إذا كنت مهموما فاجلس لدينا... فقد تجد العزاء في مشاهدة هموم الآخرين» دعاية له... ابتسمت في سري... وأنا أدرك أنهم محقون، إذا تم تنقية كل هذا الدخان، ستبقى أطنان من الهموم.
جولة أخرى سريعة ببصري لن تؤذي أحدا، وضع النادل فنجان القهوه أمامى... داعبت بيدى وردة حمراء بدت باهتة فى جو المكان الأثيري، واستقرت عيني عليه... للحق كنت أبحث عنه، للمرة الخامسة جالسا وحده، يحتسي القهوة وسيجارته لا تفارق أصابعه، هاتفه يرن... يضع ساقا فوق ساق ويندمج في الحديث... أحارب جيوش الغموض الدخاني لأراه أوضح، فلا أستطيع... أرفع فنجاني وأرتشف رشفة من القهوة المرة... ينتهى هو من حديثه، ويعود إلى صمته وتدخينه.
من خلف الوردة والدخان أتنهد... آه أيها الحبيب، لو تكف عن التدخين... لست خائفة على صحتك، ولست أفرض صوتي وسلطاني... فقط أتمنى أن أراك أفضل.
أمنية صامتة أخرى... كأمنية صامتة أخرى سبقتها ولم تتحقق.. عجبا!! لمَ يقولون إن الصمت يحقق الأماني... أكره الدخان، إنه يمنعنى من رؤية ما أريد... فقط يتيح لي عالم الأحلام الباهت هذا... ولهذا أحبه، أحب الحلم... حيث كل شيء مموج خاطف سريع، آه من هذه الحالة، آه من الجنون، آه منك أيها الجالس بعيدا فى عالم آخر... أراه يرفع رأسه... ويدير عينيه في الوجوه المحيطه به، هل يبحث عن شيء هو الآخر؟!
تتلاقى أنصاف نظرات، تجاهدها المسافة والورود والدخان... تتقابل ضعيفة واهية في منتصف المسافة بيننا، فيض من الدخان يتبدد... وبصيص نور يظهر ويختفي... فيخفض كلانا عينيه بسرعة... وبتوافق زمني نادر، نواصل الهرب مع القهوة وتأمل المكان، أشك في قدرتي على رفع عينىّ مره أخرى، وأتمنى فقط أن يستمر الحلم... بحده أطلب فنجان قهوة آخر... أشعر بنفسي تسخر مني... المزيد من الهرب... أستنشق المزيد من الدخان، وأرفع رأسي فى كبرياء، أصابعى تحيط بالفنجان... أراه ينهض في هدوء... ويئد سيجارة لم تنته بعد... ثم يقترب في اتجاه باب المكان القريب جدا من طاولتي... حلم اقترب من نهايته وحلم آخر يخرج للحياة..
أحبك أيتها الحياة!
أخيرا... سأراه..
أهذه نغمات موسيقى أم إنها دقات قلبي... اهدأ أيها القلب الآن... فليس هذا هو وقت العبث...
يجب ألا يلاحظ شيئا... يجب ألا يلاحظ شيئا..
أنفاسى تتسارع... ملامحه تقترب... و...
يقف أمامى... في هدوء وثبات كما اعتدته دائما... يمسك بالوردة الحمراء، حاجزي الخفي... يضعها في رفق على الطاولة... وأسمعه يقول...
- أردت أن أراك على نحو أفضل...!
لا أنطق... فالصمت يحقق الأماني... يجذب المقعد... ويجلس أمامي...نصمت... وكلانا يتأمل الآخر، اكتفى عقلى بصورة له... يختزنها في ذاكرته إلى الأبد... واكتفى قلبي بلحظة واحدة يحياها من دون تفكير.
ابتسم لي في تردد... شعرت بتوتره... بادلته الابتسام والصمت... أخرج علبة سجائره... يبحث عن واحدة... يتجاوز بها اللحظة والموقف والحرج... ولكن...
كانت العلبة فارغة... هز كتفيه ووضعها أمام نظراتي... إلى جوار الوردة الباهتة... نظرات تلتقي عندهما وسط فيض من دخان تلاشى... التماع نادر في عيون تلاقت أخيرا بلا حواجز...
ابتسم كلانا للموقف
وفى وقت واحد
تعالت ضحكتنا
المشـتركة.
جولة أخرى سريعة ببصري لن تؤذي أحدا، وضع النادل فنجان القهوه أمامى... داعبت بيدى وردة حمراء بدت باهتة فى جو المكان الأثيري، واستقرت عيني عليه... للحق كنت أبحث عنه، للمرة الخامسة جالسا وحده، يحتسي القهوة وسيجارته لا تفارق أصابعه، هاتفه يرن... يضع ساقا فوق ساق ويندمج في الحديث... أحارب جيوش الغموض الدخاني لأراه أوضح، فلا أستطيع... أرفع فنجاني وأرتشف رشفة من القهوة المرة... ينتهى هو من حديثه، ويعود إلى صمته وتدخينه.
من خلف الوردة والدخان أتنهد... آه أيها الحبيب، لو تكف عن التدخين... لست خائفة على صحتك، ولست أفرض صوتي وسلطاني... فقط أتمنى أن أراك أفضل.
أمنية صامتة أخرى... كأمنية صامتة أخرى سبقتها ولم تتحقق.. عجبا!! لمَ يقولون إن الصمت يحقق الأماني... أكره الدخان، إنه يمنعنى من رؤية ما أريد... فقط يتيح لي عالم الأحلام الباهت هذا... ولهذا أحبه، أحب الحلم... حيث كل شيء مموج خاطف سريع، آه من هذه الحالة، آه من الجنون، آه منك أيها الجالس بعيدا فى عالم آخر... أراه يرفع رأسه... ويدير عينيه في الوجوه المحيطه به، هل يبحث عن شيء هو الآخر؟!
تتلاقى أنصاف نظرات، تجاهدها المسافة والورود والدخان... تتقابل ضعيفة واهية في منتصف المسافة بيننا، فيض من الدخان يتبدد... وبصيص نور يظهر ويختفي... فيخفض كلانا عينيه بسرعة... وبتوافق زمني نادر، نواصل الهرب مع القهوة وتأمل المكان، أشك في قدرتي على رفع عينىّ مره أخرى، وأتمنى فقط أن يستمر الحلم... بحده أطلب فنجان قهوة آخر... أشعر بنفسي تسخر مني... المزيد من الهرب... أستنشق المزيد من الدخان، وأرفع رأسي فى كبرياء، أصابعى تحيط بالفنجان... أراه ينهض في هدوء... ويئد سيجارة لم تنته بعد... ثم يقترب في اتجاه باب المكان القريب جدا من طاولتي... حلم اقترب من نهايته وحلم آخر يخرج للحياة..
أحبك أيتها الحياة!
أخيرا... سأراه..
أهذه نغمات موسيقى أم إنها دقات قلبي... اهدأ أيها القلب الآن... فليس هذا هو وقت العبث...
يجب ألا يلاحظ شيئا... يجب ألا يلاحظ شيئا..
أنفاسى تتسارع... ملامحه تقترب... و...
يقف أمامى... في هدوء وثبات كما اعتدته دائما... يمسك بالوردة الحمراء، حاجزي الخفي... يضعها في رفق على الطاولة... وأسمعه يقول...
- أردت أن أراك على نحو أفضل...!
لا أنطق... فالصمت يحقق الأماني... يجذب المقعد... ويجلس أمامي...نصمت... وكلانا يتأمل الآخر، اكتفى عقلى بصورة له... يختزنها في ذاكرته إلى الأبد... واكتفى قلبي بلحظة واحدة يحياها من دون تفكير.
ابتسم لي في تردد... شعرت بتوتره... بادلته الابتسام والصمت... أخرج علبة سجائره... يبحث عن واحدة... يتجاوز بها اللحظة والموقف والحرج... ولكن...
كانت العلبة فارغة... هز كتفيه ووضعها أمام نظراتي... إلى جوار الوردة الباهتة... نظرات تلتقي عندهما وسط فيض من دخان تلاشى... التماع نادر في عيون تلاقت أخيرا بلا حواجز...
ابتسم كلانا للموقف
وفى وقت واحد
تعالت ضحكتنا
المشـتركة.