فوضى الورق? / نجوم الظهر

بدر الجعيثن


?صناعة السينما كانت وما زالت هي الرائدة في مجال الدراما العالمية، ولعل دور السينما المختلفة تشهد إقبالاً منقطع النظير منذ سنواتٍ طويلة، لا سيما صناعة السينما في هوليود، التي ما انفكت تصدر لنا الأعمال السينمائية الضخمة سنةً تلو الأخرى، يتوازى مع هذه الصناعة صناعة نجوم لمع اسمهم وما زال في سماء هوليود.
هناك وعلى الجانب الآخر تتم صناعة نجوم من نوع آخر، وبآلية أخرى، غير أنهم وكما يقول المثل الشعبي: «نجوم الظهر»، التي نسمع بها ولا نراها، على الرغم من محاولاتهم المستميتة لإظهار أنفسهم، ومحاولة المقربين منهم إبرازهم وفرضهم على المتلقين بشكل أو بآخر، ناسين بذلك أو متناسين أن الموهبة هبة ربانية، وأن الإبداع منحة إلهية يصطفي بها الله من يشاء من عباده.
الأديب أوالشاعر الحقيقي هو الذي لا يفرض نفسه على متابعيه، بقدر ما يفرض عمله الأدبي ذلك، جمال المنتج الأدبي وأهميته وقيمته الفنية هو ما يجعل المتابع يبحث عن صاحبه ويتلهف لكل ما هو جديد منه، لا تلهث خلف النجومية الزائفة واتركها هي من تبحث عنك بحقيقتها، أن تسجل المقاطع وتنشرها، وتلوك الأبيات وتعصرها لتخرج قصيدة لا يمكن بأي حال تسميتها كذلك إلا مجازاً، ومجازاً رديئاً كذلك، أو أن تعول على علاقتك بمجموعة من المتابعين الذين يصفقون لكل ما هو موزون ومقفى، أو تعتمد على علاقتك ومعرفتك بمنظمي المهرجات والأمسيات، ليفرضك على المتلقي لا لمزية سوى علاقتك به، أو تصبح «فداوياً» عند أحد الشيوخ والأمراء وتكيل له المدائح الكاذبة ليلاً ونهاراً لتسمع صرير الدراهم في خاتمة القصيدة، كل هذا لا يصنع منك نجماً وإن فرضك على الساحة مدةً من الزمن فإنه لن يثبتك في الذاكرة، ولن يجعلك تطفو على السطح دائماً.
إذا كان البعض من الشعراء «الحقيقيين» باتوا يخجلون من وصفهم بالشعراء، فنحن نواجه مشكلة حقيقية، إذا كان هؤلاء النجوم الحقيقيون انزووا جانباً بسبب نجوم عز الظهر، فإننا بصدد تردٍ في الذوق العام، إذا لم نكن فعلاً قد وقعنا في «وحـل» الذوق، في بداية التسعينيات والألفية أُبتلينا بمجلة لمعت لبعض الأسماء وفرضتهم على المتلقين، وعندما تقلب قصائدهم تشعر بحجم هذا التلميع والمحاولة الشديدة لصنع نجوم من لا شيء، وفعلاً نجحت الخطة، واستطاعت هذه المجلة «المتخلفة» في صناعة نجوم الظهر وفرضتهم على الجميع، وقدمت لهم الشهرة على طبق من «حديد مصدّي»، حتى جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، فوجد هؤلاء الطريق ممهدا أمامهم، والشهرة والانتشار بات حليفهم على الرغم من رداءة ما يقدمون، ولا شك أن المتابع للساحة يعرف تماماً من أقصد بهؤلاء النجوم «المزيفين»
نفس هذه المصيبة الأدبية التي مارستها هذه المجلة التي كان طرحها «مختلفاً» تماماً عن نظيراتها بتلميع البسطاء «أدبياً»، مارست كذلك بعض دور النشر مصيبةً مماثلةً بفتح المجال أمام بعض الصبيان والمراهقين الذين سموا أنفسهم «كتاباً»، وأخذوا يسردون لنا مغامراتهم الصبيانية على شكل قصص وروايات، فلم تجد من يتلقفها إلا المراهقون وحديثو «السن» والجهلة، ممن باتوا يتأثرون بمغامرات هؤلاء «الصبية» ويحاولون جاهدين تقليدها، فنشأ جيل جاهل سطحي غير مبال، وأكاد أجزم بأن تلك الروايات الصبيانية لم تمر على الرقيب أبداً ولم يكلف أحد نفسه بتقليب وريقاتها الصفراء لأنه حتماً سوف تعف نفسه عن مجرد النظر فيها فضلاً عن السماح بنشرها وإظهارها للمتلقين.إذن، نحن نعاني أزمةً حقيقيةً في صناعة النجوم حين وقعنا بين فك التلميع الذاتي الباهت للبعض والذي أقحم نفسه في هذا المجال وهو لا ينتمي إليه حتى في «الجد السابع» وأخذ يفرض نفسه علينا، وبين ثلة من عديمي التخصص ممن لا يملك سيرةً ذاتيةً سوى أنه شاعر سابق_ إن صح تسميته شاعرا_وإعداده لأحد صفحات الشعر في أحد المطبوعات، فأخذ يصدر لنا هذه النجوم المزيفة، محاولاً إقناعنا بأنهم نجومٌ أصلاً، وهم أقل من أن نسمهم بالشعراء.
هذه الأزمة الثقافية لا بد ان تنجلي يوماً ما ولن تستمر طويلاً، لأن محاولات التلميع وفرض الأسماء بالقوة على المتلقي سوف تحرقها شمس الإبداع التي يشرق بها الأدباء والشعراء الحقيقيون، فهذه النجوم النهارية إلى زوال، وما يكتبونه لن يتعدى المسامع، وسينتصر الأدب يوماً لأهله، وسيقلد الشعر نجومه الحقيقيين وسام الشعر، هي فترةً أدبية مظلمة، وأزمةٌ ثقافية سوف تنتهي لا محالة.
Twitter: bdrthwini
هناك وعلى الجانب الآخر تتم صناعة نجوم من نوع آخر، وبآلية أخرى، غير أنهم وكما يقول المثل الشعبي: «نجوم الظهر»، التي نسمع بها ولا نراها، على الرغم من محاولاتهم المستميتة لإظهار أنفسهم، ومحاولة المقربين منهم إبرازهم وفرضهم على المتلقين بشكل أو بآخر، ناسين بذلك أو متناسين أن الموهبة هبة ربانية، وأن الإبداع منحة إلهية يصطفي بها الله من يشاء من عباده.
الأديب أوالشاعر الحقيقي هو الذي لا يفرض نفسه على متابعيه، بقدر ما يفرض عمله الأدبي ذلك، جمال المنتج الأدبي وأهميته وقيمته الفنية هو ما يجعل المتابع يبحث عن صاحبه ويتلهف لكل ما هو جديد منه، لا تلهث خلف النجومية الزائفة واتركها هي من تبحث عنك بحقيقتها، أن تسجل المقاطع وتنشرها، وتلوك الأبيات وتعصرها لتخرج قصيدة لا يمكن بأي حال تسميتها كذلك إلا مجازاً، ومجازاً رديئاً كذلك، أو أن تعول على علاقتك بمجموعة من المتابعين الذين يصفقون لكل ما هو موزون ومقفى، أو تعتمد على علاقتك ومعرفتك بمنظمي المهرجات والأمسيات، ليفرضك على المتلقي لا لمزية سوى علاقتك به، أو تصبح «فداوياً» عند أحد الشيوخ والأمراء وتكيل له المدائح الكاذبة ليلاً ونهاراً لتسمع صرير الدراهم في خاتمة القصيدة، كل هذا لا يصنع منك نجماً وإن فرضك على الساحة مدةً من الزمن فإنه لن يثبتك في الذاكرة، ولن يجعلك تطفو على السطح دائماً.
إذا كان البعض من الشعراء «الحقيقيين» باتوا يخجلون من وصفهم بالشعراء، فنحن نواجه مشكلة حقيقية، إذا كان هؤلاء النجوم الحقيقيون انزووا جانباً بسبب نجوم عز الظهر، فإننا بصدد تردٍ في الذوق العام، إذا لم نكن فعلاً قد وقعنا في «وحـل» الذوق، في بداية التسعينيات والألفية أُبتلينا بمجلة لمعت لبعض الأسماء وفرضتهم على المتلقين، وعندما تقلب قصائدهم تشعر بحجم هذا التلميع والمحاولة الشديدة لصنع نجوم من لا شيء، وفعلاً نجحت الخطة، واستطاعت هذه المجلة «المتخلفة» في صناعة نجوم الظهر وفرضتهم على الجميع، وقدمت لهم الشهرة على طبق من «حديد مصدّي»، حتى جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، فوجد هؤلاء الطريق ممهدا أمامهم، والشهرة والانتشار بات حليفهم على الرغم من رداءة ما يقدمون، ولا شك أن المتابع للساحة يعرف تماماً من أقصد بهؤلاء النجوم «المزيفين»
نفس هذه المصيبة الأدبية التي مارستها هذه المجلة التي كان طرحها «مختلفاً» تماماً عن نظيراتها بتلميع البسطاء «أدبياً»، مارست كذلك بعض دور النشر مصيبةً مماثلةً بفتح المجال أمام بعض الصبيان والمراهقين الذين سموا أنفسهم «كتاباً»، وأخذوا يسردون لنا مغامراتهم الصبيانية على شكل قصص وروايات، فلم تجد من يتلقفها إلا المراهقون وحديثو «السن» والجهلة، ممن باتوا يتأثرون بمغامرات هؤلاء «الصبية» ويحاولون جاهدين تقليدها، فنشأ جيل جاهل سطحي غير مبال، وأكاد أجزم بأن تلك الروايات الصبيانية لم تمر على الرقيب أبداً ولم يكلف أحد نفسه بتقليب وريقاتها الصفراء لأنه حتماً سوف تعف نفسه عن مجرد النظر فيها فضلاً عن السماح بنشرها وإظهارها للمتلقين.إذن، نحن نعاني أزمةً حقيقيةً في صناعة النجوم حين وقعنا بين فك التلميع الذاتي الباهت للبعض والذي أقحم نفسه في هذا المجال وهو لا ينتمي إليه حتى في «الجد السابع» وأخذ يفرض نفسه علينا، وبين ثلة من عديمي التخصص ممن لا يملك سيرةً ذاتيةً سوى أنه شاعر سابق_ إن صح تسميته شاعرا_وإعداده لأحد صفحات الشعر في أحد المطبوعات، فأخذ يصدر لنا هذه النجوم المزيفة، محاولاً إقناعنا بأنهم نجومٌ أصلاً، وهم أقل من أن نسمهم بالشعراء.
هذه الأزمة الثقافية لا بد ان تنجلي يوماً ما ولن تستمر طويلاً، لأن محاولات التلميع وفرض الأسماء بالقوة على المتلقي سوف تحرقها شمس الإبداع التي يشرق بها الأدباء والشعراء الحقيقيون، فهذه النجوم النهارية إلى زوال، وما يكتبونه لن يتعدى المسامع، وسينتصر الأدب يوماً لأهله، وسيقلد الشعر نجومه الحقيقيين وسام الشعر، هي فترةً أدبية مظلمة، وأزمةٌ ثقافية سوف تنتهي لا محالة.
Twitter: bdrthwini