الحياة على دراجة !

| فهد توفيق الهندال* |


أعمال سردية عديدة، نتوقف أمامها عند ذاكرة السرد لدى كتابها، فنبقى متفكرين أمام ما يعترضنا في سردها (القصصي والروائي) من ملامح غير صريحة للأنا في الكتابة، مما يجعلنا أمام خيار الحكم الوحيد بأن الكتابة الأنثوية عن الذات هي وقوع في فخ وثيقة السيرة الذاتية!
ولكن... تبقى للنقد الأدبي فسحته المفترضة في موضوعية تناول النص وفق جوانب مختلفة وزوايا عديدة، لتمنحه- النص- فرصة الإثبات بالخروج عن نمطية السرد السيري الذاتي، وما قد يكتنفها من ايغال مفرط جدا لصوت الذات، والتفريط في شكل حضور بقية الأصوات المخالفة لها. وهو ما تحرينا دقته في المجموعة القصصية الأخيرة للأديبة ثريا البقصمي (سمكة على دراجة) الصادرة عن الدار العربية للعلوم عام 2015، حيث اتكأت فيه الكاتبة على الضمير المتكلم في عموم القصص المختارة للمجموعة برغم تبعثرها زمنيا ومكانيا، ولم تخرج الكاتبة في ذلك عن نمطية السـرد الأنثوي الغالب، في تركيز جرعة البوح/ الحلم/ الفراغ. مما يجعلها- المرأة- في هذه المجموعة سمكة تستمر في ركوب دراجة الحياة! فالسمكة هنا رمز إلى الكائن الذي لا يستطيع العيش خارج الماء بما يمثله من بيئة ثنائية الرمزية، فهو حياة تحتمل الغرق في الآن ذاته.
في قصة ( حفلة أرق ) أفرغت الأرق على شخصيتي العمل، سيدة البيت والخادمة، وكلتاهما تعيش القلق بكل تفاصيل الحياة، فالأولى تعيش حالة مفردة في بيت كبير لا يتسع إلا للأرق الذي يسكنها، برغم جمال ما تملك. والثانية، تعيش على الهامش المتعب من الحياة في سبيل الرزق وتحت رحمة مزاج السيدة التي تهبها ما تريد التخلص منه في محاولة للخروج من الامتلاء الفارغ في حياتها.
قصة (سيف الحجاج) التي تدور حول مصادرة الآخر من المرأة حقها في التعبير والإبداع، وهو ما جاء على هيئة الابن المتشدد في آرائه حيال أمه التي لم يراعِ دورها المفترض في رعاية المجتمع وجيل الأبناء حنانا وأمانا ضد التخلف والجهل.
لا يستمر الأمر كذلك في قصة (سباحة في بياض) لكونها تجمل جوع الآخر تجاهها وتجاه وجوده كمحروم من ملذاته بسبب مشقة العمل في الغربة، وأعني جوع الشهوة المقموعة بعنف في قرار صاحبها، وسط ما يراه يوميا في مزرعة سيده، متخذا التلصص وسيلته اللصوصية لاشباع رغبته، برغم ما يجده من تحكم سادي مقزز من أسياده!
يستمر الحضور الذاتي الأنثوي في السرد اللاحق في قصص المجموعة الأخرى، باختلاف البوح أو الرغبة الجانحة عن السماح لها، وربما قصة (متتالية السقوط) حملت حسا طريفا لا ينفك أن يكون جزءا من سيرة ما للكاتبة، تنقل الحرج في موقف مباغت باللا متوقع في هذ الحياة.
أخيرا، قصة (سمكة على دراجة) التي حملت المجموعة عنوانها كتحية رمزية أولى للمتلقي عن طبيعة غالبية قصصها، كما أسلفنا، فالذات هنا لا تنفك أن تكون سمكة في القلق/ الأرق/ الجوع/ الفراغ/ الأحلام القهر. لتبدأ بوسواسها حول قدرها الذي يخبئه الغيب في الاستعانة بمن يدّعي قراءة الطالع لاكتشاف مناطق الأمان في المستقبل القادم، ولعل الحب المفقود هو الملاذ المنشود لكل من يعيش مثل هذا الفراغ، لتكون فريسة لاحتيال اللاعبين على مشاعرها، رغم تحذير الغجرية لها: «احذري السمكة التي في داخلك، السمكة لا تجيد السباحة في الرمال». أي خارج محيطها. وهو ما تحقق رمزيا في نهاية القصة، لتكون الحياة أشبه بدراجة نخشى ركوبها حالمين من دون التفكير بخطورة الوقوع في اللاوعي بها و بعواقبها.
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
* كاتب وناقد كويتي
@bo_salem72
ولكن... تبقى للنقد الأدبي فسحته المفترضة في موضوعية تناول النص وفق جوانب مختلفة وزوايا عديدة، لتمنحه- النص- فرصة الإثبات بالخروج عن نمطية السرد السيري الذاتي، وما قد يكتنفها من ايغال مفرط جدا لصوت الذات، والتفريط في شكل حضور بقية الأصوات المخالفة لها. وهو ما تحرينا دقته في المجموعة القصصية الأخيرة للأديبة ثريا البقصمي (سمكة على دراجة) الصادرة عن الدار العربية للعلوم عام 2015، حيث اتكأت فيه الكاتبة على الضمير المتكلم في عموم القصص المختارة للمجموعة برغم تبعثرها زمنيا ومكانيا، ولم تخرج الكاتبة في ذلك عن نمطية السـرد الأنثوي الغالب، في تركيز جرعة البوح/ الحلم/ الفراغ. مما يجعلها- المرأة- في هذه المجموعة سمكة تستمر في ركوب دراجة الحياة! فالسمكة هنا رمز إلى الكائن الذي لا يستطيع العيش خارج الماء بما يمثله من بيئة ثنائية الرمزية، فهو حياة تحتمل الغرق في الآن ذاته.
في قصة ( حفلة أرق ) أفرغت الأرق على شخصيتي العمل، سيدة البيت والخادمة، وكلتاهما تعيش القلق بكل تفاصيل الحياة، فالأولى تعيش حالة مفردة في بيت كبير لا يتسع إلا للأرق الذي يسكنها، برغم جمال ما تملك. والثانية، تعيش على الهامش المتعب من الحياة في سبيل الرزق وتحت رحمة مزاج السيدة التي تهبها ما تريد التخلص منه في محاولة للخروج من الامتلاء الفارغ في حياتها.
قصة (سيف الحجاج) التي تدور حول مصادرة الآخر من المرأة حقها في التعبير والإبداع، وهو ما جاء على هيئة الابن المتشدد في آرائه حيال أمه التي لم يراعِ دورها المفترض في رعاية المجتمع وجيل الأبناء حنانا وأمانا ضد التخلف والجهل.
لا يستمر الأمر كذلك في قصة (سباحة في بياض) لكونها تجمل جوع الآخر تجاهها وتجاه وجوده كمحروم من ملذاته بسبب مشقة العمل في الغربة، وأعني جوع الشهوة المقموعة بعنف في قرار صاحبها، وسط ما يراه يوميا في مزرعة سيده، متخذا التلصص وسيلته اللصوصية لاشباع رغبته، برغم ما يجده من تحكم سادي مقزز من أسياده!
يستمر الحضور الذاتي الأنثوي في السرد اللاحق في قصص المجموعة الأخرى، باختلاف البوح أو الرغبة الجانحة عن السماح لها، وربما قصة (متتالية السقوط) حملت حسا طريفا لا ينفك أن يكون جزءا من سيرة ما للكاتبة، تنقل الحرج في موقف مباغت باللا متوقع في هذ الحياة.
أخيرا، قصة (سمكة على دراجة) التي حملت المجموعة عنوانها كتحية رمزية أولى للمتلقي عن طبيعة غالبية قصصها، كما أسلفنا، فالذات هنا لا تنفك أن تكون سمكة في القلق/ الأرق/ الجوع/ الفراغ/ الأحلام القهر. لتبدأ بوسواسها حول قدرها الذي يخبئه الغيب في الاستعانة بمن يدّعي قراءة الطالع لاكتشاف مناطق الأمان في المستقبل القادم، ولعل الحب المفقود هو الملاذ المنشود لكل من يعيش مثل هذا الفراغ، لتكون فريسة لاحتيال اللاعبين على مشاعرها، رغم تحذير الغجرية لها: «احذري السمكة التي في داخلك، السمكة لا تجيد السباحة في الرمال». أي خارج محيطها. وهو ما تحقق رمزيا في نهاية القصة، لتكون الحياة أشبه بدراجة نخشى ركوبها حالمين من دون التفكير بخطورة الوقوع في اللاوعي بها و بعواقبها.
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
* كاتب وناقد كويتي
@bo_salem72