برّي فاجأ الجميع بالدعوة إلى جلسة تشريعية الأسبوع المقبل «بمَن حضر»

لبنان على حافة الانزلاق إلى... «دولة فاشلة»

تصغير
تكبير
مع عودة ملف النفايات في لبنان الى «نقطة الصفر»، بدا من الصعب قراءة هذه الأزمة، التي بدأت في 17 يوليو الماضي، من خارج «كتاب» السياسة الذي يحمل منذ بدء الفراغ في رئاسة الجمهورية قبل 528 يوماً فصول انحلال متدحْرج لمؤسسات الدولة، التي باتت تعيش على «أجهزة التنفس الاصطناعي»، وسط محاذرة داخلية لـ «إعلان وفاتها» التي تعني عملياً «موت النظام»، في لحظة اقليمية بالغة الحساسية وترتسم في أفقها ملامح ترتيبات جديدة للمنطقة وتوازناتها، سواء داخل حدود دول «خط النار» او بين اللاعبين الدوليين والاقليميين.

وغداة «طمْر» خيار مطمر الشويفات - كوستابرافا الذي كان يشكل آخر الحلقات قبل بدء تنفيذ خطة النفايات التي اعتمَدت ما يشبه «فيدرالية المطامر» بين الطوائف (سنّة وشيعة ودروزاً)، اقترب لبنان ومن خلف كل ما قيل عن «خطوط حمر» دولية حول استقراره ومنْع انهياره، من الانزلاق الى مصاف «الدولة الفاشلة»، وهو ما تعبّر عنه «العوارض» الآتية: اولاً صعوبة تلمّس حلول لسحب اكثر من 200 الف طن من النفايات من الشوارع باتت تهدد بكارثة بيئية وصحية، وسط التعقيدات التقنية والمالية وعامل الزمن المرتبط بخيار ترحيل او «تصدير» القمامة. وثانياً تحوُّل انعقاد الحكومة أسير ايجاد حل لملف القمامة تعود بعده الى دائرة «تصريف الأعمال» المقنّع.


حتى ان «المتنفّس» المؤسساتي الوحيد الذي تجري محاولة لفتحه من خلال مسارعة رئيس مجلس النواب نبيه بري امس الى الدعوة لجلسة تشريعية للبرلمان في 12 و 13 الجاري ينذر بأن يسقط في «فخ» تَجاوُز الميثاقية (المسيحية - الاسلامية) بحال بقي العماد ميشال عون، على تضامُنه مع «القوات اللبنانية»، برفض المشاركة في اي جلسة لا يُدرج على جدول أعمالها بند قانون الانتخاب الى جانب قانون استعادة الجنسية.

وفي حين تتوقف أوساط سياسية مطلعة عبر «الراي» عند مفارقة ان بري يظهر في هذه المرحلة بصورة «أبو المؤسسات» سواء من خلال سعيه الى إعادة عجلة التشريع او عبر رعايته الحوار الوطني لبحث ملف رئاسة الجمهورية في شكل رئيسي، ولو ان هذه الطاولة تغرق في ما يشبه «حوار الطرشان»، فإنها تعرب عن مخاوف متعاظمة من ان يكون ثمة مَن يتعمّد في لبنان دفع الأمور الى مشهدية «تَحلُّل» المؤسسات واهترائها ووضْع مَن تعمل منها بـ «شقّ النفس» بين حدّيْ إما تكريس أعراف تمس بالميثاقية او السير بمنطق «الضرورة»، الى حيث يصبح الفراغ الرئاسي «مسألة عابرة» والموت السريري للحكومة أمراً عادياً.

وترى هذه الأوساط ان من الصعوبة بمكان التعاطي مع إفشال حلّ المطامر في قضية النفايات على انه تقني بحت وتتحمّل مسؤوليته «الجماهير» المعترضة، لافتة الى ان ثمة مناخاً يشي بوجود نية لإبقاء البلاد رهينة القمامة، ومستغربة كيف ان أطرافاً محلية «تمون» على ناسها للذهاب للقتال والموت خارج لبنان ولكنها لا تمون عليهم للسير بمطمر في الجنوب او البقاع، معتبرة ان من حق رئيس الحكومة تمام سلام ان يشعر بأنه تعرّض لـ «خديعة» من بعض القوى السياسية، ولافتة الى ان هناك مَن يريد الإبقاء على شلّ عمل الحكومة ويتخذ من ملف النفايات «متراساً» يختبئ وراءه لتفادي تحمُّل مسؤولية مجاراة العماد عون علناً في قرار رفض عقد اي جلسة (بعد بت قضية النفايات) لمجلس الوزراء قبل تعيين قائد جديد للجيش يختاره هو.

ولم يكن أدلّ على هذا الواقع السوداوي مما نقلته صحيفة «اللواء» عن أحد الوزراء المخضرمين من ان لبنان مقبل على أزمة سياسية أخطر من مرحلة ما بعد «14 فبراير (2005) و7 مايو 2008»، في اشارة الى اغتيال الرئيس رفيق الحريري والعملية العسكرية لـ «حزب الله» في بيروت والجبل، مشيراً الى ان بروفة مذْهبة «النفايات» هي سيناريو مصغّر عن كيفية مقاربة البعض للهيكلية السياسية الجديدة في لبنان.

وعلى وقع هذه الهبّة التشاؤمية، اتجهت الأنظار امس الى تطورين: الأول محاولة رئيس الحكومة تلمُّس مخرج لقضية النفايات التي لم «يرفع العشرة» بعد حيالها، رغم ضيق الخيارات للحلول التي استعاد معها البعض اقتراح الترحيل الذي لا يُبدي رئيس الحكومة حماسة له حتى الساعة لأنه يحتاج إلى آلية قوننة في مجلس الوزراء، تبدأ باستدراج المناقصات، ولا تنتهي بفضّها، وهو ما يحتاج الى وقت لا يملكه لبنان الذي عاش مع اول شتوة قبل ايام مشهداً مخزياً ضرب صورته في العالم، علماً ان أفكاراً كانت طُرحت في فترات سابقة للتصدير الى سورية او العراق او الى بلدان افريقية.

والتطور الثاني، مفاجأة الرئيس بري الجميع بالدعوة الى جلسة تشريعية في 12 و 13 الجاري وفق جدول الأعمال الذي استُكمل البحث فيه داخل هيئة مكتب البرلمان اول من امس ولم يتضمّن قانون الانتخاب، علماً ان المناخ الذي ساد بعد اجتماع الهيئة اول من امس لم يوحِ بقفل النقاش حول الجدول الذي رفض بري إدراج قانون الانتخاب عليه، نظراً الى كثرة الاقتراحات في شأنه، وسط ترقُّب لموقف العماد عون، واذا كان سيكتفي بوضْع قانون استعادة الجنسية وتحويل أموال عائدات الخليوي الى المجالس البلدية على الجدول، ويوفّر الميثاقية للجلسة التشريعية ام سيلاقي «القوات اللبنانية» برفضها اي جلسة لا يُطرح فيها قانون الانتخاب.

وكان لافتاً ان برّي اعلن امس في «لقاء الأربعاء» ان استئناف العمل التشريعي «بات أكثر من ضرورة للبلد، ولا يمكن ان يستمر هذا الوضع على ما هو في ظل المحاذير المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم يوما بعد يوم»، مؤكداً انه «آن الاوان لأن نلتفت جميعاً الى مصلحة البلد وان نتحمل مسؤولياتنا»، موضحاً ان «الميثاقية تعني بالدرجة الاولى الحفاظ على الوطن والمواطن، لا زيادة التعطيل والانهيار»، ومعتبراً ان «مشكلة النفايات أصبحت مهزلة بكل معنى الكلمة، ولا يجوز أن تستمرّ أسيرة المناكفات والتجاذبات المناطقية والمذهبية في أي شكل».

وفيما يسود ترقُّب لموقف «تيار المستقبل» من الجلسة بحال قاطعها حلفاؤه المسيحيون، هو الذي يؤيّد مبدأ الجلسة التشريعية لان استمرار تعطيل التشريع «انتحار جماعي»، كما قال النائب عمار حوري، لفت ما نُقل عن وزير الداخلية نهاد المشنوق من أن «عقد الجلسة التشريعية بات أكثر من ضرورة لإقرار مجموعة من القوانين المالية»، مشيراً إلى أنه «ولأول مرّة منذ 22 عاماً، هناك تهديد جدّي لليرة اللبنانية في حال تأخر لبنان عن إقرار القوانين قبل نهاية العام». علماً ان تقارير اشارت الى ان القوانين المالية الثلاثة التي ينتظر البنك الدولي والهيئات الدولية إقرارها من لبنان هي قانون
مكافحة تبييض الأموال وقانون تعديل الإجراءات الضريبية وقانون نقل الأموال عبر الحدود.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي