خبرة العمر


إيهود باراك يعتقد على ما يبدو أن الجمهور في إسرائيل مشكل من 7.3 مليون ايهود باراك، وإن كان صحيحاً فإن مليوناً ونصف المليون منهم من العرب، أي باراكيون متنكرون في زي مستعرب. بهذه الطريقة فقط يمكن تفسير الخطأ السياسي المتمثل بانقضاضه على تسيفي ليفني، ناخب على صورته قد يتماثل مع جوهر رسالته... ضرورة وجود خلفية أمنية لرئيس الوزراء. ولكن مقابل كل ناخب هناك ناخبة امرأة قد تعبر عن غضبها من هذه اللهجة الفوقية المتعالية واعتبار ذلك تعالياً على النساء، ومعاقبة باراك بسبب ذلك في مواجهته مع ليفني.
المحور الأساسي في هجمة باراك وموفاز على ليفني هو المحور العسكري – المدني. ليفني استعدت للدفاع عن نفسها جيداً في هذا المجال، الجنرال الوحيد في كتلتها يتسحاق بن يسرائيل، الذي كان في هيئة الأركان وفي وزارة الدفاع في عهد باراك، يصد الهجمة ويقدم التوصيات حول قدرات ليفني. هي أثارت انطباع مخضرمي سلاح المدرعات في لقاء نُظم في النصب الموجود في منطقة اللطرون، لديها علاقة شخصية قوية مع قائد سلاح الجو اللواء عيدو نحشتان، شعبة الاستخبارات العسكرية «امان» وضعت رهن اشارتها مقيماً كبيراً وهو عميد من لواء الدراسات والأبحاث لمساعدتها في المفاوضات مع الفلسطينيين، إن انتخبت لرئاسة الوزراء فقد تسعى إلى تعيين العقيد آفيف كوخافي، رئيس لواء العمليات في هيئة الأركان، سكرتيراً عسكريا لها، على أساس المعرفة والتقدير.
المحور الثالث الذي لا يتحدثون عنه تقريبا هو محور العمر. باراك اعتاد أن يكون في الجيش طفلاً عجيباً يفوق اقرانه. عندما اضطر إلى الانتظار أعواماً وراء أعوام للوصول إلى منصب رئاسة هيئة الاركان قصر فترة ولايته لنفسه، ودخل إلى السياسة عبر طريق سريع وخلال أربعة أعوام أصبح رئيساً للوزراء.
اليوم يبلغ عمره 66 عاماً وهو ينظر إلى دورته الجديدة بنوع من التساهل. الفتى الأصغر في الصف تحول إلى أكبرهم سناً. ليفني المولودة في عام 1958 أصغر منه بستة عشر عاماً. فجوة جيل بأكمله. إن انتصرت ليفني في «كاديما» فستشكل حكومة مستقرة، وتصل إلى الانتخابات المقبلة مع احتمالية تكرار ذلك، باراك سيبقى خارج رئاسة الوزراء أعواماً أطول من أن يعود إليها، باستثناء حدوث كارثة وطنية، وحينئذ أيضاً ليس من المؤكد أنه هو الذي سيستدعى لانجاز المهمة وليس غيره.
ليفني لن تكون الأصغر عمراً بين رؤساء إسرائيل المتعاقبين، هذا الرقم القياسي محفوظ لبنيامين نتنياهو (46 عاماً)، بعده اسحاق رابين (52 عاماً). هاتان الحكومتان استطاعتا البقاء أقل من 3 أعوام وهي فترة قصيرة جداً ولكنها ضعف فترة حكومة باراك. صراعات القدامى في مواجهة الأحداث ليست جديدة في السياسة الإسرائيلية. الجيل الثاني خشي من انضمام رئيس هيئة الأركان المتقاعد موشيه دايان ومدير عام وزارة الدفاع شمعون بيرس للكنيست وللحكومة، دايان كوزير، وبيرس كنائب وزير في الوزارة الأكثر أهمية وهي وزارة الدفاع، الأمر الذي قد يؤدي إلى قفزهم على من ينتظرون في الطابور لطول صبرهم. خلال الاثنين وعشرين عاماً التي تلت حرب يوم الغفران كانت رئاسة الوزراء بيد ثنائيين فقط، رابين وبيرس من «حزب العمل»، ومناحيم بيغن واسحاق شامير من «حزب الليكود». بيغن وشامير ولدا في العقد الثاني من القرن العشرين، رابين وبيرس في العشرينات. وفي ظلهم جفت مواليد الثلاثينات والاربعينات. فشل باراك وحده هو الذي نفخ روحاً سياسية جديدة لارييل شارون العجوز بين رؤساء الوزراء في مجيئه وذهابه وشارون هو الذي أحيا ايهود اولمرت.
رابين خصوصا في الأعوام الخمسة ونصف العام كوزير للدفاع في حكومتي بيرس وشامير، بدد الوهم بأن رئاسة الوزراء هي بالنسبة له مجرد خيار وليس هوساً. في الواقع هو لم يتوقف عن الرغبة في هذا المنصب إلا أنه غلف نفسه بالشعور بالرضى والاكتفاء حتى لا يصاب بخيبة الأمل. تشوق باراك الواضح للعودة إلى منصبه السابق باعتباره الآن متقدماً في العمر والخبرة يتسبب في كبواته. سن السياسي الذي يتبوأ المنصب السياسي الأعلى مهم في سياق آخر: علاقاته مع المستوى الاختصاصي المهني الخاضع له. بنحاس لبون عين وزيراً للدفاع وهو في التاسعة والأربعين من عمره، حيث كان ناضجاً بدرجة كافية أكثر من دايان وبيرس، إلا أنه كان صغيراً بدرجة أقلقت منافسه على خلافة دافيد بن غوريون. شارون وزير الدفاع، الذي كان يبلغ من العمر 53 عاماً أكبر بعام واحد من رئيس هيئة الأركان رافائيل ايتان، لم يضبط نفسه وتصرف كرئيس هيئة أركان أعلى. نتنياهو لم يظهر الاحترام لرئيس هيئة الاركان الأكبر منه عمراً امنون ليفكن شاحك. الشيء نفسه حدث مع ثنائي عمير بيرتس ودان حالوتس. هناك اختبار كهذا سيواجهه باراك اوباما إن حظي بالرئاسة: القيادة العسكرية العليا أكبر منه عمراً بعقد من الأعوام حتى عقد ونصف العقد. في ساعات الطوارئ تكون هذه قضية بالغة الاهمية كما تعلم جون كيندي عندما اصطدم مع القادة العسكريين في أزمة الصواريخ في كوبا. ليفني إن وصلت إلى رئاسة الوزراء ملزمة بأن تتغلب على ثلاث دوامات: هي ستكون مدنية، وامرأة، والأصغر عمراً من بين الوزراء الذين سيغارون منها وأصغر من رئيس هيئة الأركان ومن رؤساء الأذرع الأمنية. لذلك من الجيد أنها تتعرض الآن إلى هجمة من جبهتي باراك وموفاز. هذه التجربة جيدة بالنسبة لها لأنها ستقصر أعوام نضجها في المنصب.
امير اورن
«هآرتس»