«عين الحلوة»... قنبلة موقوتة ووضع غير «بارد»!



«انتبهوا إلى أنفسكم».
عبارة موحدة سمعها فريق «الراي» من الجميع، قبل توجهه إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، الواقع على حدود مدينة صيدا. فالتحذيرات من انكشاف الوضع الأمني في المخيم، تتصاعد: تارة عبوة هنا، وتارة أخرى إلقاء قنبلة هناك. الوضع داخل المخيم معرض إلى الانفجار في أي لحظة، وثمة مخاوف من تحول الوضع في أكبر المخيمات الفلسطينية، إلى ما يشبه «نهر البارد» جديد.
رغم ذلك كله مضينا في رحلتنا لاكتشاف هذه «الجزيرة الأمنية» التي تقلق الكثيرين، والتي باتت ملاذاً لكل أنواع المطلوبين للعدالة، والمجموعات المتطرفة. وصلنا إلى المخيم المحاصر من قبل الجيش اللبناني المتمركز على مداخله الأربعة. في بادئ الأمر، حاولنا الدخول من جهة منطقة «التعمير» أو «الطوارئ»، حيث تحصل الإشكالات الأمنية والاشتباكات المتقطعة من وقت الى آخر، لكن إجراءات الجيش اللبناني الأمنية المشددة على الداخلين والخارجين، منعتنا من الدخول من دون إذن مسبق من مديرية التوجيه في الجيش. وبعد ساعات من الانتظار ريثما تمت الإجراءت اللازمة لدخولنا إلى «البعبع الأمني»، توجهنا نحو المدخل الرئيسي للمخيم أو الذي يسمى «المدخل الحكومي»، نسبة إلى وجود مستشفى صيدا الحكومي بالقرب منه. سرنا أمتاراً قليلة بعدما تجاوزنا حاجز الجيش اللبناني، لنصل إلى حاجز أمني آخر، هذه المرة لـ«الكفاح المسلح الفلسطيني»، الجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو المسؤول عن أمن المخيمات الفلسطينية في لبنان.
أعمال متوقفة وأمراض جديدة
عند الحاجز استقبلنا شابان، بكامل عتادهما الحربي، كانا يتوقعان وصولنا، نظراً الى اتصالنا المسبق بالعميد منير المقدح، قائد «الكفاح المسلح» في لبنان. ورافقنا واحد من المسلحين اللذين كانا عند الحاجز، في جولتنا داخل المخيم حتى وصولنا مقر قيادة الكفاح المسلح.
كل شيء في المخيم بدا طبيعياً. مخيم كبقية المخيمات. أطفال يلعبون في الشوارع والأزقة الضيقة. صور الشهداء والزعماء الفلسطينيين موزعة على الجدران، تستهلك كل مساحة ممكنة، في مكان لا مساحة فيه، حتى للقليل من الخصوصية. البيوت متلاصق بعضها ببعض، حتى ليخيل إلينا، أن المخيم كله، عبارة عن بيت واحد كبير.
في المخيم لا توجد سماء زرقاء تغطي فضاءه الصغير الذي لا يتجاوز الكيلومتر ونصف الكيلومتر المربع، أو بالأحرى لم نتمكن من رؤية السماء بوضوح بسبب الانتشار الكثيف للأسلاك الكهربائية الموصولة بشكل عشوائي على امتداد المخيم. ما يمكن وصوله من السماء لا بد وأن تتقطع أوصاله بسبب هذه الأسلاك... حتى أشعة الشمس. والمفارقة أن الكهرباء تنقطع باستمرار، بدرجة تكاد تكون كلية، بحسب ما قال لنا سكان المخيم.
توقفنا عند «الشارع التحتاني» من المخيم، عند الحاجة أم هيثم، التي تقف في مدخل محل خال إلا من براد وغاز تحضر عليه القهوة والشاي. هذا المحل يشكل الكافيتيريا في هذا الشارع، مع العلم أن المخيم كله يتألف من شارعين، هما «الشارع التحتاني» و«الشارع الفوقاني».
سألنا الحاجة عن أحوال العمل، فأجابتنا: «لا يوجد أعمال ولا أشغال، بسبب الوضع الزفت في المخيم. تفجيرات مستمرة، وكأننا وجدنا أولادنا في الشارع». الحاجة أم هيثم تعاني اضطراباً عصبياً فهمنا أنه بسبب القلق المتزايد الناجم عن الخلل الأمني في المخيم. ولكن أم هيثم تبقى متفائلة بعدم حصول اهتزاز أمني كبير بسبب «حكمة» العميد منير المقدح: «لولا الأخ أبو حسن ( منير المقدح) لأصبحت حالنا كحال مخيم نهر البارد»، معلنة أن «جميع من في المخيم من السكان ليس لديهم سوى طلب وحيد هو السلام».
الوضع الأمني لم يؤثر على أم هيثم وحدها. فكامل الذي كان يجلس على باب محل للإنترنت يملكه، هو الآخر اشتكى من الوضع الأمني: «متل ما شايف، لا يوجد عمل».
في الليلة السابقة على ذهابنا للمخيم رميت قنبلة يدوية على منزل أحد عناصر «فتح» من آل الدنان في حي الطيري داخل المخيم. القنبلة لم توقع إصابات، ولكن هذه الأمور تتكرر باستمرار في المخيم، وتؤثر بشكل مباشر على عناوين الحياة كلها فيه.
مرافق العميد منير المقدح، أوضح أن معظم المحال في المخيم تعتمد على الزبائن من خارج المخيم، الذين يقصدونه نظراً إلى أسعاره الرخيصة، لكن الخروق الأمنية المتكررة، جعلت المخيم يعيش في حال من العزلة، إذ لم يعد ثمة زوار يأتون، خوفاً من أن يشتعل الوضع في أي لحظة.
الوضع الأمني لم تقتصر أضراره على الماديات، بل طاولت حتى الدراسة. فالحركة التربوية والتعليمية تتوقف مع كل طلقة رصاص تطلق ولو في الهواء. ما أدى إلى نتائج سيئة في الشهادتين المتوسطة والثانوية.
محمد، أحد الطلاب من سكان المخيم، أخبرنا أن أي هزة أمنية تؤدي إلى توقف الدراسة، معتبراً أن ما يحصل في المخيم، إنما يحدث لاعتبارات ومصالح خارجية، متعلقة إما بأحزاب لبنانية وإما بجهات لا تريد للفلسطيني أن يعيش بأمان.
وأفادتنا إحدى مؤسسات المجتمع المدني داخل المخيم بأن الخوف الكامن لدى سكان المخيم ولد عوارض صحية جديدة لم يعرفوها من قبل، كالتبول اللاإرادي وانتشار داء السكري، الذي يشكل العامل النفسي أحد أسباب تعرض المرء إليه، بالإضافة إلى العديد من الحالات النفسية المتعلقة بالخوف والقلق.
تجمع المؤسسات والجمعيات الأهلية في المخيم، كشف عن تدهور الوضع الصحي والتربوي والاقتصادي في المخيم بسبب الوضع الأمني. وفي الأرقام أن السوق التجارية الوحيدة في المخيم والتي كانت تشكل 30 في المئة من مداخيل السكان وتعيل أكثر من 1500 عائلة داخل المخيم، باتت نتيجة التفجيرات المتكررة لا تغطي أكثر من 10 في المئة من المدخول ولا تعيل أكثر من 200 عائلة. وحسب بيان لهذه المؤسسات والجمعيات، فان أعداداً كبيرة من السكان غادرت المخيم وباتت أحياء بكاملها فارغة، إضافة إلى توقف العديد من المؤسسات التربوية والثقافية والمدنية عن نشاطاتها كلها خوفاً على أرواح العاملين والمتطوعين والمشاركين فيها.
«البيت الأبيض»
وجهتنا التالية كانت مقر قيادة الكفاح المسلح. بدأنا بالدخول في الأزقة الفرعية للمخيم، حتى وصلنا إلى أمكنة، لا يمكن وصفها حتى بالأزقة: طرق ضيقة، إذ إننا لم نستطع المرور فيها إلا تباعاً، وبشكل مائل، فهي حتى لم تكن تكفي لمرور شخص عادي الحجم بطريقة صحيحة.
في الطريق أخبرنا مرافقنا بأننا متوجهون إلى «البيت الأبيض». وفهمنا أن «البيت الأبيض» هذا هو مقر قيادة «الكفاح المسلح» في المخيم.
بعد التفافات عدة في الزواريب الضيقة، التي لم نكن لنخرج منها وحدنا، وصلنا إلى البيت الأبيض. بالتأكيد البيت الأبيض الفلسطيني لم يأخذ من الأميركي سوى الاسم، فهو عبارة عن مبنى مؤلف من طابقين، كمعظم بيوت المخيم، إلا أن مساحته أوسع بقليل ومطلي باللون الأبيض.
دخلنا المقر، باتجاه مكتب العميد منير المقدح الذي كان في انتظارنا، يراقفه السيد عصام الحلبي الناطق الإعلامي باسم «الكفاح المسلح». بدأنا حوارنا مع العميد المقدح عن الأوضاع الأمنية في المخيم. واعتبر العميد المقدح أن وسائل الإعلام تضخّم أحياناً الوضع في المخيم، مضيفاً أن القيادة السياسية والأمنية، تلتقي بشكل دؤوب لوضع حد للتوترات الأمنية.
العميد المقدح أكد أن مؤسسة «الكفاح المسلح» هي الجهة الوحيدة التي تتحمل المسؤولية الأمنية في المخيمات الفلسطينية: «ثمة إجماع من كل القوى الوطنية والإسلامية على دعم (الكفاح المسلح)، وتسهيل عمله داخل المخيمات». وعزا المقدح التقصير الذي قد يحصل في عمل المؤسسة، إلى نقص الإمكانات التي تفرضها الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها منظمة التحرير الفلسطينية. وأضاف أن معظم التوترات الأمنية والإشكالات لها طابع فردي وشخصي، وهي تتطور في ما بعد وتتوسع دائرتها.
«جند الشام»
أما عن موضوع «جند الشام»، فأكد المقدح أن التنظيم انحل منذ أعوام أربعة، إذ أصدر مسؤولهم أبو يوسف شرقية بياناً يقضي بحل «جند الشام»، وقد تحول أبو يوسف إلى العمل المدني. وأضاف: «المشكلة مع هذه المجموعات الصغيرة التي يسميها الإعلام (جند الشام)، وهي مجموعات موجودة خارج المخيم عملياً، في منطقة التعمير، وتقع على بعد 100 عن الجيش اللبناني». وأكد العميد أن منطقة التعمير تعد خارج نطاق عمل الكفاح المسلح كما أنها خارج نطاق الجيش، مما ولد لدينا انطباعاً بأن هذه المنطقة أشبه بالمناطق الحدودية العازلة بين الدول. القوى الإسلامية أخذت على عاتقها محاولة ضبط هذه المجموعات، كما أخبرنا منير المقدح أن ثمة اتصالات مكثفة جارية الآن من أجل وضع ميثاق يقضي بتسليم أي شخص يعبث بأمن المخيم إلى الكفاح المسلح ومن ثم تسليمه إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، التي يجري بينها وبين مؤسسة الكفاح المسلح تنسيق مستمر. وأكد المقدح أن عدداً من الموقوفين الذين كانوا متهمين بعلاقتهم بالتفجيرات داخل المخيم، تم تسليمهم.
إذاً ما من تنظيم اسمه «جند الشام»، هذا الاسم الذي شكل هاجساً أمنياً، تناولته وسائل الإعلام مراراً ولم يزل. ولكن هذه المجموعات الصغيرة التي تحدث عنها المقدح كانت في ما مضى تشكل تنظيم «جند الشام» المنحل. وهم الآن متهمون بشكل أساسي بأنهم مسؤولون عن الوضع الأمني السيئ داخل المخيم. ولكن المفاجئ أن هذه المجموعات لا تملك مشروعاً سياسياً وليس لها هدف وليس لها حتى رأس قيادي، وجلّ ما تحاول فعله هو حماية أنفسها كون معظم عناصرها من المطلوبين، حسب كلام المقدح: «لا يوجد لديهم مشروع ومعظم الإشكالات الأمنية ناجمة عن أعمال ثأر سابقة بين عائلات وأشخاص، أو بين عائلات وحركة (فتح)، ولا علاقة لهم بـ(عصبة الأنصار) أو بأبو محجن». أما في ما خص «عصبة الأنصار» فتبين أن الكفاح المسلح لا يحملها أي مسؤولية، معتبراً أنها جزء من القوى الإسلامية داخل المخيم، والتي تساهم في ضبط الوضع بالتنسيق مع منظمة التحرير.
وأكد لنا العميد أن الحل لهذه الإشكالات الأمنية يتمثل في حصول اتفاق مع الحكومة اللبنانية، لتنظيم الوجود الفلسطيني من كل الجوانب، بما فيها تنظيم السلاح داخل المخيمات، ونيل الفلسطينين حقوقهم المدنية كافة، لأن هذا من شأنه أن يخفف من وطأة الضغط الأمني وبالتالي سيؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون، إذ قاربت نسبة البطالة داخل المخيم السبعين في المئة. واعتبر العميد المقدح أن حال الفقر تشكل بؤرة صالحة للتوترات الأمنية حيث يلجأ الشباب إلى السلاح، كما أن جزءاً من الحل يتمثل في عفو عام عن المطلوبين الفلسطينيين لدى الدولة اللبنانية في قضايا سياسية: «هذا ما وعدتنا به الحكومة السابقة، حين كان الحوار مستمراً وبشكل إيجابي قبل أن يتوقف خلال حرب يوليو وبعدها نتيجة الاختلاف اللبناني اللبناني»، والكلام لا يزال لمنير المقدح، الذي اعتبر أن الوضع لا يمكن أن يتفاقم أكثر وأنه لا يزال تحت السيطرة وسيبقى. وأضاف «ما من أحد لديه النية في إضرام حرب في المخيم»، معتبراً أن «ما يحدث يخدم بالدرجة الأولى العدو الإسرائيلي، كما يخدم بعض الجهات التي لها مصلحة في تخريب الوضع الفلسطيني».
ودعنا العميد منير المقدح وغادرنا البيت الأبيض لنعود إلى الأزقة الضيقة، متجهين نحو الشيخ جمال خطاب، الناطق الرسمي باسم القوى الإسلامية داخل عين الحلوة.
هذه المرة كان مرافقنا هو عصام الحلبي الناطق الإعلامي باسم الكفاح المسلح.
توجهنا نحو «الشارع التحتاني»، ولاحظنا انتشاراً مكثفاً للمسلحين، التابعين لمنظمة التحرير، ومعظم هؤلاء المسلحين هم من الشباب الذين لم يتجاوزوا العشرين من العمر، حتى ان بعضهم لم يتخط سنوات المراهقة بعد.
الشيخ جمال خطاب
وصلنا إلى جامع الخطاب. بعض المدنيين يقفون على مدخله. لم يكن من الصعب تخمين انتمائهم، نظراً إلى اللحية الطويلة المتدلية من وجوههم. دخلنا المبنى الذي تشكل طبقته الأرضي مصلى أو جامعاً، متوجهين إلى الطابق الثاني حيث مكتب الشيخ جمال الخطاب.
جلسنا في المكتب ننتظر الشيخ. الحرارة العالية والكهرباء المقطوعة جعلت هيئة المكان حزينة. أوراق مبعثرة على المكتب، من خلفه خزانة تحتوي على أعداد كبيرة من الكتب، وهي بمعظمها إسلامية.
يدخل رجل في عقده الرابع أو الخامس، ملتحٍ، يلبس الأبيض بالكامل، ليعرفنا عن نفسه بأنه الشيخ جمال الخطاب، الناطق باسم «القوى الإسلامية الفلسطينية». سألناه عن حقيقة الوضع في المخيم. فكان رأيه أن «الوضع الفلسطيني في المخيم، هو جزء من القضية الفلسطينية التي لها تداعياتها واختلافاتها، بين مختلف الفرقاء الفلسطينيين. فالإختلاف السياسي ينعكس من وقت إلى آخر في المخيم بشكل نزاع مسلح». واعتبر أن «ما يحدث هو استهداف لقضية اللاجئين، ومحاولة لترحيلهم، وهذا هو الجزء الأساسي من أسباب التوتر الأمني في عين الحلوة». وأضاف: «ثمة جهات تحاول جعل المخيم بؤرة توتر، من أجل تقرير مصير الفلسطينيين، من الزواية الأمنية، وليس من خلال الحوار السياسي».
وعلق الشيخ جمال على موضوع «جند الشام» قائلاً: «تسمية «جند الشام» أتت على اعتبار ما سبق وليس على اعتبار الوضع الحالي»، مؤكداً حلّ هذا التنظيم قبل أربعة أعوام، مع بقاء الأفراد الذين كانوا ينتمون إليه. وعندما تحدث الإشكالات يتم التعريف عنهم باسم «جند الشام». أما كتنظيم له هيكلته وأهدافه فهو لم يعد موجوداً». وعلل الاشتباكات التي تحصل بشكل مستمر بأنها «ناجمة عن اشكالات بين أفراد ممن كانوا في «جند الشام»، وبين بعض الوحدات في فتح، وقد تكون المشكلة في البداية ذات طابع فردي فتتطور الأمور إلى حد الاشتباك المسلح».
الشيخ جمال اعتبر أن «ما يؤجج الصراع الآن هو خطف واعتقال أحد الشبان وهو (حسام معروف) وتسليمه للدولة اللبنانية»، مؤكداً أن «من خطفه وسلمه هو نفسه مطلوب للدولة اللبنانية، والمسؤول عن عملية الخطف هذه هي جهة معروفة من فتح»، ولكن الشيخ خطاب امتنع عن تسميتها. وأضاف «هذا هو السبب المباشر للخلل الأمني الحاصل الآن. أما قبل ذلك فإن الأوضاع كانت مقبولة إلى حد كبير».
ولدى سؤاله عن أن القوى الإسلامية متهمة بإيواء العديد من المطلوبين للدولة اللبنانية من أمثال أبو محجن وغيره، أجاب الشيخ خطاب: «لا أحد يستطيع أن يقول إن أبو محجن موجود في المخيم، وما هو معروف أنه غادر المخيم»، مضيفاً أن المطلوبين للدولة اللبنانية، «موزعون على الفصائل الفلسطينية كلها وليس الإسلامية فقط». واعتبر ان «اتهام القوى الإسلامية، إنما هو نتيجة هجمة عالمية عليها، واتهام القوى الإسلامية بات نوعاً من القرابين التي تقدم لأميركا واسرائيل، وحتى المقاومة عندما تكون صبغتها إسلامية يبدأ الهجوم عليها».
وتابع الشيخ جمال: «القوى الإسلامية طرف في المشكلة ولكنها غير مسؤولة عنها. في بعض الأحيان يكون الحق عليها وفي غالب الأحيان لا يكون». وعزا الشيخ خطاب المشكلة إلى «أسباب عدة أهمها اتفاقية أوسلو التي أحدثت الانقسام بين جهتين سياسيتين تختلفان في شأن العلاقة مع اسرائيل، والسبب الرئيسي الثاني هو الخلاف على المرجعية، بمعنى من سيكون الممثل عن عين الحلوة». وغمز الشيخ خطاب من قناة «فتح»، إذ أكد أن «لا مشكلة لدى القوى الإسلامية في ممثلية من تختاره منظمة التحرير، ولكن المشكلة هي داخل (فتح) نفسها».
الشيخ جمال الخطاب أكد أن الأوضاع الأمنية لن تزداد سوءاً، مؤكداً أن «الفرقاء جميعاً متفاهمون على ضرورة عدم استحضار الصدام المسلح، وهذا هو السبب الذي يجعل الهزات الأمنية لا تدوم طويلاً وتنتهي في اليوم نفسه».
مقتل شحادة جوهر
الأوضاع الأمنية في مخيم عين الحلوة، ازدادت تدهوراً بعد مقتل أحد الكوادر في «جند الشام» هو شحادة جوهر بالإضافة إلى شخصين آخرين من «عصبة الأنصار».
شحادة جوهر الذي تحدثت تقارير إخبارية عن سفره إلى العراق للقتال هناك، بالإضافة إلى تدريبه مقاتلين لـ«القاعدة»، كان مطلوباً للقضاء اللبناني بسبب التهم الموجهة إليه بقتل القضاة الأربعة في صيدا في العام 1999، وجاء مقتله على خلفية مشادة كلامية مع عناصر تابعة لـ«الكفاح المسلح»، انتهت بإطلاق النار عليه وعلى شخصين آخرين أفاد منير المقدح بأنهما قتلا بالخطأ في ما كانا يحاولان فض الإشكال بين عناصر الكفاح وبين شحادة جوهر.
ولكن الشيخ خطاب اعتبر أن هذا دليل على انقسام «فتح»، إذ قال: «كان هناك ضابط برتبة لواء، وهو من كان متكفلاً حل الخلاف، ولكن شخصاً آخر أعطى الأمر بإطلاق النار»، متسائلاً: «هل ستقوم (فتح) بتسليم قاتل شحادة جوهر، خصوصاً أنه معروف هو ومن معه، كما أن الجهة التي ينتمون إليها معروفة؟». واعتبر الشيخ خطاب أن «هذا الإشكال ناجم عن محاولة (فتح) شطب عدد من أسماء المتفرغين لديها في الكفاح المسلح، وبعض المتضررين من هذا الشطب قاموا بافتعال هذا الحدث الأمني وقتلوا شحادة جوهر، لكي تتوتر الأوضاع وبالتالي يصبح الكفاح بحاجة إليهم ولا يشطبهم»، وهو ما نفاه عصام الحلبي الناطق باسم «الكفاح المسلح» الذي قال: «صحيح أنه كان يوجد لواء، ولكن بينما كانت الأمور متجهة نحو الهدوء بدأ عبدو دوالي، وهو أحد القتلى خلال الحادث، وهو تابع لـ(عصبة الأنصار)، بكيل السباب والشتائم لعناصر الكفاح المسلح وأحضر بندقيته مهدداً إياهم بالقتل، ما أدى إلى وقوع الحادث».
بين «منظمة التحرير الفلسطينية» وبين القوى الإسلامية، يتعمق الجرح الفلسطيني، ويتحوّل مخيم عين الحلوة ساحة حرب، ويستمر سكانه بالنزوح عنه، وتتجه عيون المراقبين وأنظار اللبنانيين إليه، خوفاً من تجربة جديدة شبيهة بتجربة حرب «نهر البارد»، رغم التطمينات كلها التي أكدها الطرفان المتنازعان حول عدم تطور الأوضاع إلى صدام مسلح.
إلا أن الوضع على الأرض يوحي عكس ذلك: فلتان أمني، وانتشار كثيف للسلاح وبغير حساب، إلى درجة بات من الممكن أن يتحول خلاف بين طفلين من عائلتين مختلفتين إلى اشتباك مسلح. وهذا كله ينعكس سلباً على وضع اللاجئ الفلسطيني داخل المخيم، الذي غدا حائراً بين البقاء في منزله الذي لا يملك غيره، وبين الهروب حفاظاً على سلامته وسلامة أطفاله، بانتظار معجزة فلسطينية ما، تستطيع أن توحد ما تشرذم حول العلم الفلسطيني، الذي بات يغطي قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.
الولاء في المخيم من الإسلامي إلى العلماني اليساري (تصوير: جوزف نخلة)
من إحدى المهن داخل المخيم
شعب يعمل ليعيش
معروف سعد ... معشوق مدينة صيدا
مسلح داخل مخيم عين الحلوة