يتساءل الكثيرون عن مستقبل سورية وما ستؤول إليه الحرب هناك، هل سيبقى النظام ؟ وهل ستنتصر المعارضة ؟ وأي معارضة التي ستحكم إذا سقط النظام ؟
هل سيتكرر سيناريو العراق وتتفتت الدولة إلى مرجعيات وأحزاب تتقاتل، ويصبح الصراع مختلطا بأجندات وأيادٍ خارجية تتسلى على حساب وحدة تراب الوطن ؟ وهل... وهل... أسئلة تزداد توالدا مع مرور الزمن وطول فترة القتال.
بالطبع هناك أناس لديهم إجابة عن كل سؤال، وقد سمعنا طوال السنوات السابقة إجابات عديدة وتنبؤات كثيرة حول مستقبل سورية، وبالطبع مثل تلك الإجابات والتنبؤات، لا سيما إذا جاءت من خبراء سياسيين، تكون محل اهتمام الجميع لأن الجميع داخل سورية وخارجها من أبناء الأمة العربية يقلقهم جدا ما يحدث للشعب السوري الشقيق ويتألمون للعذابات التي يعاني منها الجميع وعلى كل المستويات.
إن المتتبع لتحاليل الخبراء السياسيين منذ اندلاع الثورة يلاحظ ان معظم تلك التحاليل تفتقد إلى المعلومات الدقيقة كما أنها تختلط بالأمنيات الشخصية للمحلل، أي أنها تفتقد إلى الموضوعية التي هي شرط من شروط سلامة التحليل السياسي.
أما المعلومات فإن الوضع السياسي المعاصر وعلى ضوء تشابك المصالح وتدخل المخابرات المحلية والعالمية في اللُعَب السياسية بكل قوة عن طريق تزوير الوقائع وتأليف الأخبار لتصبح عملاً يومياً للمخابرات، كل ذلك جعل تجميع الأدلة وتمحيص المعلومة الصحيحة أشبه بالمستحيل، ولن يقدر عليها إلا جهاز عالي الكفاءة لفرز المعلومة وتقييمها ووضع قواعد الاستدلال منها، إذاً نحن أمام وضع صعب فالمعلومات حول الوضع السوري مغلفّة بالسرية والتضليل ويتم استخدام تلك المعلومات سواء الحقيقية منها أو المصنّعة وفق أمنيات المحللين بعيداً عن الموضوعية.
لذا لا عجب أن يلجأ الكثيرون الى نظرية المؤامرة العالمية ضد سورية لاختصار الطريق وإراحة العقل من تعقيدات الوضع السوري.
وحتى لا يضيع مقالنا بالتنظير فلا بد من التوصل إلى استنتاجات تخدم القارئ، من هنا نقول إن المؤامرة على سورية لها دور في الوضع الحالي ولكن ليس كل الدور والثورة التلقائية لها أيضا دور ولكن ليس كل الدور، وسوف يستمر الصراع بين تلك القوتين حتى تخرج من الرحم السوري مجموعة وطنية ثالثة تمتص عذابات الشعب من كل الأطراف وتقودهم إلى مسار شبه متجانس حول إعطاء كل فئات الشعب السوري ما تحتاجه من الأمن والثقة، تلك المجموعة لا شك أنها الحل الصحيح الذي سيقفز فوق المؤامرات الخارجية ودكتاتورية الحكم وتطرّف المعارضة.
إن قراءة متأنية للتاريخ تثبت أن الثورات تمر عادة بمراحل عدم استقرار وانقلابات وتداخل للمصالح الداخلية والخارجية وتنتهي عادة بنمو طبقة وطنية تعبت من المعاناة فشكلت تحالفاً جديداً يعلو فوق الخلافات الهامشية ويغلّب المصلحة العليا للوطن، هذه الطبقة هي التي تنتصر وتحدد مستقبل الثورة.
إن أهم ثورات العالم القديم كانت الثورة الفرنسية التي استمرت عشر سنوات ما بين صراعات داخلية وتآمر خارجي حتى شعر الوطنيون والطبقة البرجوازية أن لا حل إلا بالاستعانة بقائد قوي قادر على إخماد الفتن دون أن يكون طرفاً فيها.
إن سيناريو الثورة السورية لن يكون بعيداً عن ذاك المسار، ومازال الوقت مبكراً على التنبؤ بنهاية لمآسي أشقائنا في سورية.
نسأل الله العزيز أن يعجّل في خلق تلك الطبقة العاقلة القوية التي سيجتمع عليها معظم السوريين من أجل مستقبل الوطن.
kalsalehdr@hotmail.com
kalsalehdr@