... عن الانخفاض التاريخي للفائدة أثر محدود على النشاط الفعلي... وارتفاع خطر للأصول


• انخفضت معدلات الفائدة ... فارتفعت المخاطر مع استمرار سعي المستثمرين للبحث عن العوائد
• المستثمرون في الأوراق المالية قد يتكبّدون خسائر كبيرة عندما تعود العوائد طويلة الأجل في نهاية الأمر إلى مستوياتها الطبيعية
• الخروج الممنهج من السياسات النقدية غير التقليدية لن يكون سهلاً بأي حال في ظل مخاطر تباطؤ النمو
• السيولة المفرطة قد تؤدي إلى حدوث فقاعات في أسعار الأصول وانكشاف القطاع المالي لمخاطر أكثر في المستقبل
• أميركا وبريطانيا تستعدّان لأول رفع للفائدة منذ 8 سنوات ... فيما يستمر «المركزي» الأوروبي وبنك اليابان في السياسات الميسّرة
• قالها وارن بوفيت... الأدوات المعقّدة وهياكلها المبهمة هي من دون مبالغة... «أسلحة مالية للدمار الشامل»
• المستثمرون في الأوراق المالية قد يتكبّدون خسائر كبيرة عندما تعود العوائد طويلة الأجل في نهاية الأمر إلى مستوياتها الطبيعية
• الخروج الممنهج من السياسات النقدية غير التقليدية لن يكون سهلاً بأي حال في ظل مخاطر تباطؤ النمو
• السيولة المفرطة قد تؤدي إلى حدوث فقاعات في أسعار الأصول وانكشاف القطاع المالي لمخاطر أكثر في المستقبل
• أميركا وبريطانيا تستعدّان لأول رفع للفائدة منذ 8 سنوات ... فيما يستمر «المركزي» الأوروبي وبنك اليابان في السياسات الميسّرة
• قالها وارن بوفيت... الأدوات المعقّدة وهياكلها المبهمة هي من دون مبالغة... «أسلحة مالية للدمار الشامل»
كيف يقرأ محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل السياسات النقديّة العالميّة في ظل وقوع العالم في فخ أسعار الفائدة المنخفضة؟ وكيف يرى المخاطر الناجمة عن الارتفاع الحاد للأصول عالمياً؟
في مؤتمر «يورومني» الأخير في الكويت، قدّم الهاشل ورقة ثريّة عرض فيها رؤيته لتطورات السياسات النقدية العالمية، وأهمية الابتكار التكنولوجيا في الابتكار المالي، تنشرها «الراي» في ما يلي:
يمكن مناقشة أهمية الابتكار في مجال التمويل من زوايا مختلفة، مفادها أن عالم التمويل الحديث يتسم بحد ذاته بالإبداع، وقد مرَّ في إطار عملية تطويرية امتدت لعقود. ونظراً لتشعب هذا الموضوع، فإن حديثي سوف يقتصر فقط على الابتكار في التمويل من وجهة نظر الأطراف الثلاثة الرئيسية المشاركة وهي: البنوك المركزية، والمؤسسات المالية، وشركات التكنولوجيا، وهي الأطراف التي طرحت سياسات أو منتجات أو نظم مبتكرة لمواجهة التغير المستمر في مهامهم، كما أود مشاركتكم بعض الأمثلة حول التطورات المبتكرة إلى جانب تقييم مختصر لإيجابيات وسلبيات تلك التطورات.
يعتبر استخدام السياسات النقدية غير التقليدية في السنوات الأخيرة من قبل البنوك المركزية خير مثال على النهج المبتكر للبنوك المركزية في صناعة سياساتها.
في بدايات الأزمة المالية العالمية، عمدت البنوك المركزية في الدول المتقدمة الرئيسية إلى توفير سيولة كبيرة لدعم أنظمتها المالية المتضررة، كما أجرت تخفيضات متتالية لأسعار الفائدة. على سبيل المثال، قرر بنك الاحتياط الفيديرالي الأميركي خفض سعر الفائدة من نحو 5.25 في المئة في يوليو 2007 إلى معدل يتراوح بين 0 في المئة إلى 0.25 في المئة في يناير 2009، وتبعه بنك إنجلترا على النهج نفسه بتخفيض سعر الفائدة من 5.75 في المئة في يوليو 2007 إلى 0.5 في المئة في مارس 2009.
وعلى الرغم من أن أسعار الفائدة الرئيسية قد وصلت في بعض الأحيان إلى حدود الصفر بعد سلسلة من التخفيضات المتتالية، إلا إن حالة الاضطراب ظلت تخيم على الأسواق المالية واستمر الناتج الفعلي في التراجع، ولاحت في الأفق مخاطر بقاء معدلات التضخم عند مستويات أقل من المعدلات المستهدفة. فالنظرية الاقتصادية هنا تفترض أن البنوك المركزية قد وقعت في فخ السيولة عند مستوى فائدة في حدود الصفر ما يقيد من قدرتها على إجراء مزيد من التخفيض في سعر الفائدة، إلا أن البنوك المركزية في معظم الدول المتقدمة عمدت إلى استحداث سياسة مبتكرة تمثلت في تطبيق سياسة نقدية غير تقليدية، وأيضاً البدء في جولات من برامج التيسير الكمي والتيسير الائتماني.
ولا خلاف على أن «التيسير الكمي» لم يكن مفهوماً جديداً بالكامل، فقد قام بنك اليابان بتطبيق مشابه في عام 2001، إلا إن نطاق وطول وأثر التيسير الكمي والإجراءات المبتكرة الأخرى التي أُدخِلت منذ عام 2008 كانت غير مسبوقة. وجدير بالذكر أن بنك الاحتياط الفيديرالي الأميركي قد أجرى وحده ثلاث جولات مختلفة من برامج التيسير الكمي وذلك لشراء أصول مالية تخطت قيمتها 3.5 تريليون دولار أميركي، وهو مبلغ يعادل تقريباً حجم الاقتصاد الألماني.
وحري بنا القول إن السياسات المبتكرة تلك قد ساعدت في تحسين ظروف الائتمان من خلال توفير السيولة وخفض العائدات لمستويات تاريخية منخفضة ورفع معدل النمو، ولولاها لكان من الممكن أن يتكرر سيناريو الكساد الكبير الذي حدث في عام 1930. ورغم أن التعافي لا يزال بطيئاً وغير متكافئ في مختلف الاقتصادات الكبرى المتقدمة، إلا إن الرؤية حيال اقتصادات كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة قد أصبحت إيجابية بوضوح.
وأود أيضاً أن أسلط الضوء على بعض النقاط الهامة التي تتعلق بتطبيق السياسات النقدية غير التقليدية وما أحدثته من جدل حول نتائجها غير المتوقعة وتراجع فاعليتها، وتأثيراتها بالنسبة للاستقرار المالي العالمي.
أولاً، ساهمت السياسات النقدية غير التقليدية في دفع معدلات الفائدة في الكثير من الدول المتقدمة إلى مستويات منخفضة، لا بل تحولت إلى سلبية في أوروبا، ما يعني تحميل المودعين أعباء مقابل ودائعهم. وهذا ما أشار إليه بنك التسويات الدولية في تقريره السنوي الأخير، «بأن حدود اللامعقول في السياسة النقدية تُختبَر اليوم في أوروبا». ومع بقاء معدلات الفائدة على مستوياتها المنخفضة غير المسبوقة، ارتفعت المخاطر مع استمرار سعي المستثمرين للبحث عن العوائد التي تقاربت بشكل كبير سواء للأصول ذات المخاطر أو الأصول التي لا تحمل مخاطر، وذلك كما يتضح من الضغوط الكبيرة على هوامش الائتمان السيادية في منطقة اليورو، وهو ما أدى إلى خطأ تقييم المخاطر السيادية. علاوة على ذلك، ومع انخفاض معدلات الفائدة إلى مستوى الصفر، يلجأ المستثمرون إلى الاستثمار في الأوراق المالية طويلة الأجل ما يدفع العلاوات محددة الأجل إلى مستويات سلبية، وهذا قد يكبدهم خسائر كبيرة عندما تعود العوائد طويلة الأجل في نهاية الأمر إلى مستوياتها الطبيعية.
ثانياً، أدت السياسات النقدية الميسرة للغاية إلى ارتفاع حاد في أسعار الأصول المالية نجم عنه زيادة مخاطر حدوث هبوط اقتصادي حاد في المستقبل وخصوصاً عند سحب المستوى الحالي من السيولة.
ثالثاً، رغم التراجع التاريخي في معدلات الفائدة، إلا إن أثر ذلك على النشاط الاقتصادي الفعلي بقي محدوداً مع ضعف الاستثمار. وقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن مستوى تحمل المخاطر المالية كان مرتفعاً ولكنه بقي محدوداً بالنسبة للمخاطر الاقتصادية، كما أن انتقال أثر السياسة النقدية الميسرة إلى الاقتصاد الفعلي بقي محدوداً وخصوصاً في الدول التي ظلت فيها الميزانيات العمومية للبنوك ضعيفة.
رابعاً، أدت السياسات النقدية غير التقليدية إلى إعادة توازن المحافظ مع تحول وجهة التدفقات الرأسمالية، فمع استقبال الأسواق الصاعدة، خلال الفترة 2009 إلى 2012، لحوالي 4.5 تريليون دولار أميركي من إجمالي تدفقات رؤوس الأموال، عمد المستثمرون إلى إعادة التوازن لمحافظهم بمنأى عن سندات الخزانة الأميركية بحثاً عن عائدات أعلى. وفي صيف عام 2013، تأثرت الأسواق الصاعدة بسبب تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي باحتمال خفض الفائدة على السندات كجزء من سياسة التيسير الكمي (Taper Tantrum) ما أدى إلى عكس اتجاه التدفقات الرأسمالية. وتذكرنا هذه الأحداث بأن السياسات النقدية غير التقليدية لها تداعيات عالمية رغم أن أهداف السياسة النقدية للبنوك المركزية لا تخرج عن النطاق المحلي.
خامساً، على الرغم من تعزيز التواصل لمسارات السياسة، إلا إن توقيت ووتيرة الانعكاس في السياسات النقدية غير التقليدية يمكن أن يؤثرا على السوق، ومن ثم، فإن التخطيط للخروج الممنهج لن يكون سهلاً بأي حال من الأحوال. فإذا ما أرادت البنوك المركزية التخارج في مرحلة مبكرة، فإنها بذلك تتحمل مخاطر تباطؤ النمو في اقتصاداتها، وإذا كان التخارج في مرحلة متأخرة، فإن السيولة المفرطة قد تؤدي إلى حدوث فقاعات في أسعار الأصول، وبالتالي انكشاف القطاع المالي لمخاطر أكثر في المستقبل.
ونستخلص مما سبق أن التداعيات ذات الصلة تتمثل في اختلاف السياسات النقدية للدول المتقدمة؛ ففي الوقت الذي تستعد فيه كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة لأول رفع في معدلات الفائدة منذ ثماني سنوات، يستمر البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان في إتباع سياساتهم النقدية الميسرة. لذلك، وحتى إذا كان تطبيق السياسة النقدية المبتكرة على مستوى من التنسيق، فإن التباعد في مسارات السياسات يجعل من عملية الخروج المنظم أكثر تحدياً، ليس فقط للدول المعنية ولكن أيضاً للاقتصاد العالمي ككل.
وفي السياق عينه، هناك ابتكار آخر في صنع السياسات لا يقل أهمية، وهو استخدام الأدوات التحوطية الكلية. وقد أثبتت التجارب، وآخرها الأزمة المالية العالمية، أن ضمان استقرار البنوك من خلال أسلوب التحوط الجزئي قد لا يحقق استقرار النظام ككل، مما دفع بالمشرعين إلى استكمال أدوات التحوط الجزئي بإجراءات تحوط كلي تهدف إلى مواجهة الانكشاف للمخاطر النظامية في مختلف المؤسسات وبمرور الزمن. ورغم أن هذا المفهوم ليس جديداً كلياً، إلا أن الاعتراف لسياسة التحوط الكلي في ازدياد باعتبارها أداة قيَّمة في مواجهة مشكلات الاستقرار المالي، حين تبدو السياسة النقدية محدودة الفعالية. ومع ذلك، فقد ظهرت أيضاً تحديات في شأن تقويم أدوات التحوط الكلي، والتنسيق الفعال بين مختلف السلطات الرقابية، والآثار المحتملة على استقلالية البنوك المركزية.
وحيث إنني قمت بطرح تلك القضايا أمام هذا المنتدى الموقر في سبتمبر الماضي، فإنني أفضل الانتقال مباشرة إلى الجزء التالي من هذه المناقشة.
المؤسسات المالية والمنتجات المبتكرة.
شهدت وتيرة الابتكار في المنتجات والأدوات المالية ارتفاعاً مذهلاً، لاسيما خلال الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية. فعلى سبيل المثال، وخلال فترة السنوات العشر حتى عام 2007، ارتفع إجمالي قيمة عقود مبادلات أسعار الفائدة والمشتقات من 75 تريليون دولار أميركي إلى 600 تريليون دولار أميركي، أي أحد عشر ضعف قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وخلال عام 2007 وحده، ارتفعت عقود المشتقات العالمية بمعدل 50 في المئة تقريباً.
من ناحية أخرى، دفع تطوير الأدوات المالية المبتكرة المؤسسات لتلبية احتياجاتها المالية، والتحوط لمخاطرها بشكل فعّال، كما تمكن الأفراد من ضبط استهلاكهم بمرور الوقت. وبالمثل، فإن سندات الكوارث catastrophe bonds “CAT bonds” ومشتقات الطقس weather derivatives قد ساعدت الدول على أخذ الحيطة مقابل المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية والأحوال الجوية المعاكسة.
إن تعقيد الأدوات المالية (على سبيل المثال التزامات الدين المضمونة CDO-squared) قد أثار جدلاً حول ما إذا كانت الابتكارات المالية قد تجاوزت حدود المعقول. وأستشهد بما قاله وارن بوفيت، وهو أحد أقطاب عالم الأعمال الأميركي، بأن الأدوات المالية المعقدة وهياكلها المبهمة هي، بدون مبالغة، «أسلحة مالية للدمار الشامل».
بصفة عامة، فإن تجميع وتقسيم المخاطر ساعد المستثمرين على تحمل المخاطر التي تلائم مستوى تحملهم، كما أدى إلى تقييم أوضح لمختلف أبعاد المخاطر. ورغم ذلك، فإن تجميع المخاطر قد يحد من توقع المخاطر قبل وقوعها، وإدارة المخاطر بعد وقوعها، وهي المشكلة التي بدت جلية في حالة أزمة الرهن العقاري الأميركية. وكما لاحظنا، فإن المستثمرين النهائيين لديهم حوافز محدودة للغاية لمراقبة أداء المقرضين، بافتراض أن المقرضين لديها حصص كافية في عملية التوريق. ومع ذلك، فقد سعى المقرضون إلى الحجم أو الكم، متغاضين بذلك وبجدية عن معايير الإقراض لديهم. وكما يوضح هذا المثال، فإن قوة المنتجات المبتكرة، التي ساعدتنا في البداية على تجميع وتحويل المخاطر، كان لها تداعيات كارثية، فضلاً عن الحوافز الغير ملائمة وضعف الإشراف الرقابي.
وفي ضوء تلك الخبرات، فإننا في حاجة لتحقيق التوازن عن طريق توفير بيئة مواتية، وفي ذات الوقت، تضمن أن تحقق الابتكارات الغرض المرجو منها، ولا ينبغي أن تكون نهاية في حد ذاتها.
شركات التقنيات والنظم والعمليات المبتكرة
بدايةً، لابد من الاعتراف بالدور المهم لشركات التقنيات في التمويل، وبالأثر الكبير للابتكارات التقنية على النظم والمعاملات المالية. افتراضياً، ومما لاشك فيه بأن التكنولوجيا قد حولت كل شيء في التمويل من تطبيقات المتاجرة إلى شبكات المدفوعات، كما أصبحت معاملات التداول مع الثورة التكنولوجية في أسواق الأسهم خلال العقود الأخيرة أسرع وأكثر فاعلية، حيث يتم إجراء ملايين من معاملات التداول الإلكترونية يومياً عبر شاشات الكمبيوتر من قبل المشترين والبائعين في مختلف أرجاء العالم.
وليس خافياً على أحد الدور الذي لعبته التكنولوجيا في تحقيق الشمول المالي للدول النامية وذلك على نطاق لم يكن متوقعاً من قبل؛ فقد ساعد الانتشار العالمي الواسع لأجهزة الهاتف النقال في ظل توسعات محدودة للخدمات المصرفية على تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات المالية للفقراء الذين لا يتمتعون بالخدمات المصرفية أو غير قادرين على الحصول عليها.
وإذا كان الأثر التحويلي لنظم المدفوعات والمقاصة الحديثة وأهميته خارج أي جدال، فإن مهمة المحافظة على أمن واستقرار هذه النظم عسيرة، بل إن الأهم من ذلك هو تشغيلها والتأكد من فاعليتها. ولعلكم تتذكرون ما حدث في يوم 8 يوليو من هذا العام عندما توقفت نظم الكمبيوتر في بورصة نيويورك عن العمل لقرابة أربع ساعات في منتصف اليوم ما أدى إلى توقف قلب الأسواق المالية الأميركية. ولم يكن هذا الحدث هو الأول من نوعه الذي أدى إلى توقف الأسواق عن العمل، ففي أبريل من العام الفائت 2014، توقف العمل لفترة وجيزة في بورصة شيكاغو التجارية، وهي أكبر بورصة على مستوى العالم للعمليات المستقبلية. وفي أغسطس 2013، تجمدت التعاملات في بورصة ناسداك لمدة ثلاث ساعات بسبب مشكلات فنية. ورغم أن مثل هذه الأحداث نادرة الحدوث، إلا إن أثرها في حال حدوثها كبير بسبب الترابط القوي بين النظم والأسواق.
في الختام أود أن أؤكد أن لكل سياسة مبتكرة أو نظام أو منتج مبتكر كلفته ومزاياه، ما يستدعي أن نضمن تحقيق التوازن بين هذه التكاليف والمزايا على المدى الطويل على الأقل، إن لم يكن الآن.
في الوقت نفسه، لا نناقض أنفسنا عندما نؤكد صعوبة التكهن بالنتائج السلبية للابتكار، فقصور خبراتنا السابقة يقف حائلاً أمام تحديد نتائج أو آثار الابتكارات التي تختلف اليوم بطبيعتها عما كانت عليه بالأمس، وكلما كان الابتكار أكثر حداثة، كلما كان دور الخبرات السابقة أقل فاعلية.
ولا يزال هناك الكثير الذي يتوجب على المجتمعات فعله لتشجيع الابتكار والإبداع، لأن المحافظة على الوضع الراهن ليس حلاً في عالم يغلب عليه التقدم والتطور.
* ورقة عرضها محافظ بنك الكويت المركزي في مؤتمر «يورومني» الذي انعقد أخيراً في الكويت
مخاطر قراصنة الإنترنت... كبيرة
مع تطور التكنولوجيا الحديثة وتزايد استخداماتها، بدأت طبيعة المخاطر أيضاً في التغير بصورة كبيرة، حيث أصبح ارتكاب عمليات الغش في غاية السهولة، ويتم عن بعد وعلى نطاق واسع. وعلى الرغم من أن تزوير الشيكات أو التلاعب بها، مثلما صور لنا المخرج الكبير ستيفن سبيلبرغ في فيلمه «Catch Me If You Can»، أصبح أمراً غير ممكن حالياً، إلا أن هناك مخاطر من نوع آخر بدأت في الظهور وهي مخاطر هجمات الإنترنت. ففي عام 2013، استهدفت بعض الهجمات الإلكترونية من قبل قراصنة الكمبيوتر متاجر «تارجت» الأميركية وتمكنوا من سرقة البيانات الشخصية لأكثر من 70 مليون عميل، ما كبدها أكثر من 150 مليون دولار أميركي، وفقد الرئيس التنفيذي وظيفته.
رغم هذه المخاوف، فلا ننكر دور التقنيات الحديثة في رفع مستوى الراحة والسرعة وأمن السداد وسهولة ممارسة الأعمال. وإذا كانت محاولات القرصنة والغش تحظى بالاهتمام الجماهيري، فذلك بالطبع يعود إلى أن مثل هذه الحوادث أصبحت نادرة الوقوع، وهو ما يؤكد أن التقنيات الحديثة قد حققت لنا أمن النظم واستقراراها رغم هذه الأحداث العابرة.
في مؤتمر «يورومني» الأخير في الكويت، قدّم الهاشل ورقة ثريّة عرض فيها رؤيته لتطورات السياسات النقدية العالمية، وأهمية الابتكار التكنولوجيا في الابتكار المالي، تنشرها «الراي» في ما يلي:
يمكن مناقشة أهمية الابتكار في مجال التمويل من زوايا مختلفة، مفادها أن عالم التمويل الحديث يتسم بحد ذاته بالإبداع، وقد مرَّ في إطار عملية تطويرية امتدت لعقود. ونظراً لتشعب هذا الموضوع، فإن حديثي سوف يقتصر فقط على الابتكار في التمويل من وجهة نظر الأطراف الثلاثة الرئيسية المشاركة وهي: البنوك المركزية، والمؤسسات المالية، وشركات التكنولوجيا، وهي الأطراف التي طرحت سياسات أو منتجات أو نظم مبتكرة لمواجهة التغير المستمر في مهامهم، كما أود مشاركتكم بعض الأمثلة حول التطورات المبتكرة إلى جانب تقييم مختصر لإيجابيات وسلبيات تلك التطورات.
يعتبر استخدام السياسات النقدية غير التقليدية في السنوات الأخيرة من قبل البنوك المركزية خير مثال على النهج المبتكر للبنوك المركزية في صناعة سياساتها.
في بدايات الأزمة المالية العالمية، عمدت البنوك المركزية في الدول المتقدمة الرئيسية إلى توفير سيولة كبيرة لدعم أنظمتها المالية المتضررة، كما أجرت تخفيضات متتالية لأسعار الفائدة. على سبيل المثال، قرر بنك الاحتياط الفيديرالي الأميركي خفض سعر الفائدة من نحو 5.25 في المئة في يوليو 2007 إلى معدل يتراوح بين 0 في المئة إلى 0.25 في المئة في يناير 2009، وتبعه بنك إنجلترا على النهج نفسه بتخفيض سعر الفائدة من 5.75 في المئة في يوليو 2007 إلى 0.5 في المئة في مارس 2009.
وعلى الرغم من أن أسعار الفائدة الرئيسية قد وصلت في بعض الأحيان إلى حدود الصفر بعد سلسلة من التخفيضات المتتالية، إلا إن حالة الاضطراب ظلت تخيم على الأسواق المالية واستمر الناتج الفعلي في التراجع، ولاحت في الأفق مخاطر بقاء معدلات التضخم عند مستويات أقل من المعدلات المستهدفة. فالنظرية الاقتصادية هنا تفترض أن البنوك المركزية قد وقعت في فخ السيولة عند مستوى فائدة في حدود الصفر ما يقيد من قدرتها على إجراء مزيد من التخفيض في سعر الفائدة، إلا أن البنوك المركزية في معظم الدول المتقدمة عمدت إلى استحداث سياسة مبتكرة تمثلت في تطبيق سياسة نقدية غير تقليدية، وأيضاً البدء في جولات من برامج التيسير الكمي والتيسير الائتماني.
ولا خلاف على أن «التيسير الكمي» لم يكن مفهوماً جديداً بالكامل، فقد قام بنك اليابان بتطبيق مشابه في عام 2001، إلا إن نطاق وطول وأثر التيسير الكمي والإجراءات المبتكرة الأخرى التي أُدخِلت منذ عام 2008 كانت غير مسبوقة. وجدير بالذكر أن بنك الاحتياط الفيديرالي الأميركي قد أجرى وحده ثلاث جولات مختلفة من برامج التيسير الكمي وذلك لشراء أصول مالية تخطت قيمتها 3.5 تريليون دولار أميركي، وهو مبلغ يعادل تقريباً حجم الاقتصاد الألماني.
وحري بنا القول إن السياسات المبتكرة تلك قد ساعدت في تحسين ظروف الائتمان من خلال توفير السيولة وخفض العائدات لمستويات تاريخية منخفضة ورفع معدل النمو، ولولاها لكان من الممكن أن يتكرر سيناريو الكساد الكبير الذي حدث في عام 1930. ورغم أن التعافي لا يزال بطيئاً وغير متكافئ في مختلف الاقتصادات الكبرى المتقدمة، إلا إن الرؤية حيال اقتصادات كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة قد أصبحت إيجابية بوضوح.
وأود أيضاً أن أسلط الضوء على بعض النقاط الهامة التي تتعلق بتطبيق السياسات النقدية غير التقليدية وما أحدثته من جدل حول نتائجها غير المتوقعة وتراجع فاعليتها، وتأثيراتها بالنسبة للاستقرار المالي العالمي.
أولاً، ساهمت السياسات النقدية غير التقليدية في دفع معدلات الفائدة في الكثير من الدول المتقدمة إلى مستويات منخفضة، لا بل تحولت إلى سلبية في أوروبا، ما يعني تحميل المودعين أعباء مقابل ودائعهم. وهذا ما أشار إليه بنك التسويات الدولية في تقريره السنوي الأخير، «بأن حدود اللامعقول في السياسة النقدية تُختبَر اليوم في أوروبا». ومع بقاء معدلات الفائدة على مستوياتها المنخفضة غير المسبوقة، ارتفعت المخاطر مع استمرار سعي المستثمرين للبحث عن العوائد التي تقاربت بشكل كبير سواء للأصول ذات المخاطر أو الأصول التي لا تحمل مخاطر، وذلك كما يتضح من الضغوط الكبيرة على هوامش الائتمان السيادية في منطقة اليورو، وهو ما أدى إلى خطأ تقييم المخاطر السيادية. علاوة على ذلك، ومع انخفاض معدلات الفائدة إلى مستوى الصفر، يلجأ المستثمرون إلى الاستثمار في الأوراق المالية طويلة الأجل ما يدفع العلاوات محددة الأجل إلى مستويات سلبية، وهذا قد يكبدهم خسائر كبيرة عندما تعود العوائد طويلة الأجل في نهاية الأمر إلى مستوياتها الطبيعية.
ثانياً، أدت السياسات النقدية الميسرة للغاية إلى ارتفاع حاد في أسعار الأصول المالية نجم عنه زيادة مخاطر حدوث هبوط اقتصادي حاد في المستقبل وخصوصاً عند سحب المستوى الحالي من السيولة.
ثالثاً، رغم التراجع التاريخي في معدلات الفائدة، إلا إن أثر ذلك على النشاط الاقتصادي الفعلي بقي محدوداً مع ضعف الاستثمار. وقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن مستوى تحمل المخاطر المالية كان مرتفعاً ولكنه بقي محدوداً بالنسبة للمخاطر الاقتصادية، كما أن انتقال أثر السياسة النقدية الميسرة إلى الاقتصاد الفعلي بقي محدوداً وخصوصاً في الدول التي ظلت فيها الميزانيات العمومية للبنوك ضعيفة.
رابعاً، أدت السياسات النقدية غير التقليدية إلى إعادة توازن المحافظ مع تحول وجهة التدفقات الرأسمالية، فمع استقبال الأسواق الصاعدة، خلال الفترة 2009 إلى 2012، لحوالي 4.5 تريليون دولار أميركي من إجمالي تدفقات رؤوس الأموال، عمد المستثمرون إلى إعادة التوازن لمحافظهم بمنأى عن سندات الخزانة الأميركية بحثاً عن عائدات أعلى. وفي صيف عام 2013، تأثرت الأسواق الصاعدة بسبب تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي باحتمال خفض الفائدة على السندات كجزء من سياسة التيسير الكمي (Taper Tantrum) ما أدى إلى عكس اتجاه التدفقات الرأسمالية. وتذكرنا هذه الأحداث بأن السياسات النقدية غير التقليدية لها تداعيات عالمية رغم أن أهداف السياسة النقدية للبنوك المركزية لا تخرج عن النطاق المحلي.
خامساً، على الرغم من تعزيز التواصل لمسارات السياسة، إلا إن توقيت ووتيرة الانعكاس في السياسات النقدية غير التقليدية يمكن أن يؤثرا على السوق، ومن ثم، فإن التخطيط للخروج الممنهج لن يكون سهلاً بأي حال من الأحوال. فإذا ما أرادت البنوك المركزية التخارج في مرحلة مبكرة، فإنها بذلك تتحمل مخاطر تباطؤ النمو في اقتصاداتها، وإذا كان التخارج في مرحلة متأخرة، فإن السيولة المفرطة قد تؤدي إلى حدوث فقاعات في أسعار الأصول، وبالتالي انكشاف القطاع المالي لمخاطر أكثر في المستقبل.
ونستخلص مما سبق أن التداعيات ذات الصلة تتمثل في اختلاف السياسات النقدية للدول المتقدمة؛ ففي الوقت الذي تستعد فيه كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة لأول رفع في معدلات الفائدة منذ ثماني سنوات، يستمر البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان في إتباع سياساتهم النقدية الميسرة. لذلك، وحتى إذا كان تطبيق السياسة النقدية المبتكرة على مستوى من التنسيق، فإن التباعد في مسارات السياسات يجعل من عملية الخروج المنظم أكثر تحدياً، ليس فقط للدول المعنية ولكن أيضاً للاقتصاد العالمي ككل.
وفي السياق عينه، هناك ابتكار آخر في صنع السياسات لا يقل أهمية، وهو استخدام الأدوات التحوطية الكلية. وقد أثبتت التجارب، وآخرها الأزمة المالية العالمية، أن ضمان استقرار البنوك من خلال أسلوب التحوط الجزئي قد لا يحقق استقرار النظام ككل، مما دفع بالمشرعين إلى استكمال أدوات التحوط الجزئي بإجراءات تحوط كلي تهدف إلى مواجهة الانكشاف للمخاطر النظامية في مختلف المؤسسات وبمرور الزمن. ورغم أن هذا المفهوم ليس جديداً كلياً، إلا أن الاعتراف لسياسة التحوط الكلي في ازدياد باعتبارها أداة قيَّمة في مواجهة مشكلات الاستقرار المالي، حين تبدو السياسة النقدية محدودة الفعالية. ومع ذلك، فقد ظهرت أيضاً تحديات في شأن تقويم أدوات التحوط الكلي، والتنسيق الفعال بين مختلف السلطات الرقابية، والآثار المحتملة على استقلالية البنوك المركزية.
وحيث إنني قمت بطرح تلك القضايا أمام هذا المنتدى الموقر في سبتمبر الماضي، فإنني أفضل الانتقال مباشرة إلى الجزء التالي من هذه المناقشة.
المؤسسات المالية والمنتجات المبتكرة.
شهدت وتيرة الابتكار في المنتجات والأدوات المالية ارتفاعاً مذهلاً، لاسيما خلال الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية. فعلى سبيل المثال، وخلال فترة السنوات العشر حتى عام 2007، ارتفع إجمالي قيمة عقود مبادلات أسعار الفائدة والمشتقات من 75 تريليون دولار أميركي إلى 600 تريليون دولار أميركي، أي أحد عشر ضعف قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وخلال عام 2007 وحده، ارتفعت عقود المشتقات العالمية بمعدل 50 في المئة تقريباً.
من ناحية أخرى، دفع تطوير الأدوات المالية المبتكرة المؤسسات لتلبية احتياجاتها المالية، والتحوط لمخاطرها بشكل فعّال، كما تمكن الأفراد من ضبط استهلاكهم بمرور الوقت. وبالمثل، فإن سندات الكوارث catastrophe bonds “CAT bonds” ومشتقات الطقس weather derivatives قد ساعدت الدول على أخذ الحيطة مقابل المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية والأحوال الجوية المعاكسة.
إن تعقيد الأدوات المالية (على سبيل المثال التزامات الدين المضمونة CDO-squared) قد أثار جدلاً حول ما إذا كانت الابتكارات المالية قد تجاوزت حدود المعقول. وأستشهد بما قاله وارن بوفيت، وهو أحد أقطاب عالم الأعمال الأميركي، بأن الأدوات المالية المعقدة وهياكلها المبهمة هي، بدون مبالغة، «أسلحة مالية للدمار الشامل».
بصفة عامة، فإن تجميع وتقسيم المخاطر ساعد المستثمرين على تحمل المخاطر التي تلائم مستوى تحملهم، كما أدى إلى تقييم أوضح لمختلف أبعاد المخاطر. ورغم ذلك، فإن تجميع المخاطر قد يحد من توقع المخاطر قبل وقوعها، وإدارة المخاطر بعد وقوعها، وهي المشكلة التي بدت جلية في حالة أزمة الرهن العقاري الأميركية. وكما لاحظنا، فإن المستثمرين النهائيين لديهم حوافز محدودة للغاية لمراقبة أداء المقرضين، بافتراض أن المقرضين لديها حصص كافية في عملية التوريق. ومع ذلك، فقد سعى المقرضون إلى الحجم أو الكم، متغاضين بذلك وبجدية عن معايير الإقراض لديهم. وكما يوضح هذا المثال، فإن قوة المنتجات المبتكرة، التي ساعدتنا في البداية على تجميع وتحويل المخاطر، كان لها تداعيات كارثية، فضلاً عن الحوافز الغير ملائمة وضعف الإشراف الرقابي.
وفي ضوء تلك الخبرات، فإننا في حاجة لتحقيق التوازن عن طريق توفير بيئة مواتية، وفي ذات الوقت، تضمن أن تحقق الابتكارات الغرض المرجو منها، ولا ينبغي أن تكون نهاية في حد ذاتها.
شركات التقنيات والنظم والعمليات المبتكرة
بدايةً، لابد من الاعتراف بالدور المهم لشركات التقنيات في التمويل، وبالأثر الكبير للابتكارات التقنية على النظم والمعاملات المالية. افتراضياً، ومما لاشك فيه بأن التكنولوجيا قد حولت كل شيء في التمويل من تطبيقات المتاجرة إلى شبكات المدفوعات، كما أصبحت معاملات التداول مع الثورة التكنولوجية في أسواق الأسهم خلال العقود الأخيرة أسرع وأكثر فاعلية، حيث يتم إجراء ملايين من معاملات التداول الإلكترونية يومياً عبر شاشات الكمبيوتر من قبل المشترين والبائعين في مختلف أرجاء العالم.
وليس خافياً على أحد الدور الذي لعبته التكنولوجيا في تحقيق الشمول المالي للدول النامية وذلك على نطاق لم يكن متوقعاً من قبل؛ فقد ساعد الانتشار العالمي الواسع لأجهزة الهاتف النقال في ظل توسعات محدودة للخدمات المصرفية على تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات المالية للفقراء الذين لا يتمتعون بالخدمات المصرفية أو غير قادرين على الحصول عليها.
وإذا كان الأثر التحويلي لنظم المدفوعات والمقاصة الحديثة وأهميته خارج أي جدال، فإن مهمة المحافظة على أمن واستقرار هذه النظم عسيرة، بل إن الأهم من ذلك هو تشغيلها والتأكد من فاعليتها. ولعلكم تتذكرون ما حدث في يوم 8 يوليو من هذا العام عندما توقفت نظم الكمبيوتر في بورصة نيويورك عن العمل لقرابة أربع ساعات في منتصف اليوم ما أدى إلى توقف قلب الأسواق المالية الأميركية. ولم يكن هذا الحدث هو الأول من نوعه الذي أدى إلى توقف الأسواق عن العمل، ففي أبريل من العام الفائت 2014، توقف العمل لفترة وجيزة في بورصة شيكاغو التجارية، وهي أكبر بورصة على مستوى العالم للعمليات المستقبلية. وفي أغسطس 2013، تجمدت التعاملات في بورصة ناسداك لمدة ثلاث ساعات بسبب مشكلات فنية. ورغم أن مثل هذه الأحداث نادرة الحدوث، إلا إن أثرها في حال حدوثها كبير بسبب الترابط القوي بين النظم والأسواق.
في الختام أود أن أؤكد أن لكل سياسة مبتكرة أو نظام أو منتج مبتكر كلفته ومزاياه، ما يستدعي أن نضمن تحقيق التوازن بين هذه التكاليف والمزايا على المدى الطويل على الأقل، إن لم يكن الآن.
في الوقت نفسه، لا نناقض أنفسنا عندما نؤكد صعوبة التكهن بالنتائج السلبية للابتكار، فقصور خبراتنا السابقة يقف حائلاً أمام تحديد نتائج أو آثار الابتكارات التي تختلف اليوم بطبيعتها عما كانت عليه بالأمس، وكلما كان الابتكار أكثر حداثة، كلما كان دور الخبرات السابقة أقل فاعلية.
ولا يزال هناك الكثير الذي يتوجب على المجتمعات فعله لتشجيع الابتكار والإبداع، لأن المحافظة على الوضع الراهن ليس حلاً في عالم يغلب عليه التقدم والتطور.
* ورقة عرضها محافظ بنك الكويت المركزي في مؤتمر «يورومني» الذي انعقد أخيراً في الكويت
مخاطر قراصنة الإنترنت... كبيرة
مع تطور التكنولوجيا الحديثة وتزايد استخداماتها، بدأت طبيعة المخاطر أيضاً في التغير بصورة كبيرة، حيث أصبح ارتكاب عمليات الغش في غاية السهولة، ويتم عن بعد وعلى نطاق واسع. وعلى الرغم من أن تزوير الشيكات أو التلاعب بها، مثلما صور لنا المخرج الكبير ستيفن سبيلبرغ في فيلمه «Catch Me If You Can»، أصبح أمراً غير ممكن حالياً، إلا أن هناك مخاطر من نوع آخر بدأت في الظهور وهي مخاطر هجمات الإنترنت. ففي عام 2013، استهدفت بعض الهجمات الإلكترونية من قبل قراصنة الكمبيوتر متاجر «تارجت» الأميركية وتمكنوا من سرقة البيانات الشخصية لأكثر من 70 مليون عميل، ما كبدها أكثر من 150 مليون دولار أميركي، وفقد الرئيس التنفيذي وظيفته.
رغم هذه المخاوف، فلا ننكر دور التقنيات الحديثة في رفع مستوى الراحة والسرعة وأمن السداد وسهولة ممارسة الأعمال. وإذا كانت محاولات القرصنة والغش تحظى بالاهتمام الجماهيري، فذلك بالطبع يعود إلى أن مثل هذه الحوادث أصبحت نادرة الوقوع، وهو ما يؤكد أن التقنيات الحديثة قد حققت لنا أمن النظم واستقراراها رغم هذه الأحداث العابرة.