قليلاً من الوضوح / «الكولوسيوم» ... مسرح روما الأعظم!

تصغير
تكبير
| ناصر الملا |

«الكولوسيوم» صرح مسرحي أثري يعود بناؤه إلى عام 72 بعد الميلاد... وقام بتجديده الامبراطور الروماني فلافيو فيسبازيانو لمحو ذاكرة سلفه الامبراطور نيرون حارق روما! كما ان تجديد بناء «الكولوسيوم» جاء ليجدد عظمة الامبراطورية الرومانية في وقت من أزهى عصورها، لمضاهاة الحضارات والدول العظيمة التي خضعت لسيادة روما، و «الكولوسيوم» كلمة اقترنت بمسرح «فلافيو» عبر أكثر من 19 قرنا إلى الكتلة الهائلة الحجم والبنية، ويعود اصلها إلى تمثال آلهة الجمال الاغريقية «ابوللو» الذي اشتهر انه كان منتصبا على مدخل جزيرة «رودس» الاغريقية قبل ان تندثر آثارها، وقد جاء هذا الصرح الروماني كرمز لأكثر حضارة التهمت رموز ما سبقها من حضارات رومانية... أي المسرح الروماني الحلقي «انفيتياترو» وان كانت اصوله تعود إلى مدينة «بومباي» جنوب ايطاليا التي دفنتها حمم بركان «الفيزوفيو» عام 200 ق.م، والمسرح الروماني الذي مازالت آثاره في معظم اطراف الامبراطورية باقية... يعني المسرح المحاط... فهو يحيط المشاهدين بحلبة المسرح من جميع الجوانب، وتقام عروض للمصارعة بين المتصارعين والحيوانات الضارية، وبكل مسرح روماني بابان رئيسيان يدخل من أحدهما المتصارعون، ومن الاخر يلقى بجثث من يسقط منهم، وبجثث الحيوانات الضارية التي تشارك في العرض، ولم يكن مسموحا للمتفرجين بالخروج عن النظام الصارم في الحركة ما بين المدرجات التي تنقسم إلى ثلاث فئات رئيسية، لكل منهما مكانه المخصص، ولم يكن سعر بطاقة الدخول ليحدد مكان كل متفرج... بل كانت مكانته الاجتماعية هي التي تحدد في أي الاقسام يجلس، فقد كان الدخول مجانيا... فالأماكن الرخامية من الطابق الأول الاقرب من الحلبة كانت مخصصة لأعضاء «السناتور» أي مجلس الشيوخ لكل سناتور مكانه الدائم محفور عليه اسمه... أما الاقسام الاخرى الحجرية في الطابقين الثاني والثالث فكانت موزعة من اسفل نحو الحلبة إلى أعلى حسب التسلسل الاجتماعي من الفرسان وحتى رعاع الناس... بينما كان الطابق الرابع الخشبي المنفصل عن باقي الاقسام مخصصا للنساء اللاتي سمح لهن الامبراطور اغسطس بالدخول إلى المسرح، وان كانت العروض في البداية ذات طابع ديني... إلا انها كانت تمثل بالنسبة لعامة الناس فرصة للترفيه والتفريج عن شحنة العنف المختزنة في نفوسهم، وتنقسم العروض التي شهدها «الكولوسيوم» في تاريخه الأول والمسبوقة بالاعانات التي كانت تشير إلى الغرض من الاستعراض وعدد المتصارعين إلى طائفتين رئيسيتين الأولى هي عروض المصارعة «مونسيرا» الدموية ذات الجذور العقائدية تذكر بالقرابين البشرية وكان الرومان مولعين بها إلى حد الهوس، والطائفة الثانية كانت مطاردة الحيوانات المفترسة «فيتاتيونس»، كما شهد «الكولوسيوم» تعذيب المسيحيين الاوائل الذين كان يرمي بهم الرومان بين أنياب الحيوانات وسط صياح ونشوة المتفرجين في مشهد اعتادت السينما العالمية على تقديمه... إلا ان عروض المصارعة التي كانت تقام على حلبة المسرح الروماني الأعظم كانت بمثابة تنفيذ علني لعقوبة الإعدام، ولم يخل «الكولوسيوم» من العروض المسرحية الترويحية التي تأخذ الجانب الهزلي على يد مؤلفين بارعين ذاع صيتهم في الاوساط الرومانية... كسنكا و بلوتو، واذا كانت الحقبة الرومانية الممتدة منذ ما قبل التاريخ وبعده قد قومت عمارة شامخة وصروح الإنسان في العصر الحديث من خلال اتقانها... كان كذلك للرومان قوام شامخ كما هي العمارة التي اقامها أسلافهم ليفرضوا وجودهم في العالم بين الأسطورة والخيال وحقائق التاريخ.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي