نحن الذين لا نفهم سوى لغة القوة


منذ أسابيع عدة طيبة، بكل معنى الكلمة، يثبت ويحترم إلى هذا الحد أو ذاك بحرص وقف النار بين دولة إسرائيل وبين الكيان الفلسطيني الحماسي في غزة. حتى قبل بضعة أسابيع عارض معظم المتحدثين الإسرائيليين من الصحافيين وحتى السياسيين، بغضب في مجرد فكرة الاتفاق على وقف نار كهذا. أما الآن فكلهم يصمتون، وكأن وقف النار هذا طبيعي ومفهوم من تلقاء نفسه، ينتظرنا تحطمه، كي يخرجوا هاتفين من جحورهم: «قلنا لكم! قلنا لكم!».
ولكن مجرد وجود وقف النار هذا، الطويل والحريص نسبيا يجب أن يعلمنا أمور عدة: أولا، في خلاف تام ل كل ما قلناه ونحن نواصل قوله، ففي غزة يوجد من يمكن الحديث معه. بمعنى مع ما نسميه نحن «حكومة حماس» التي انتخبت قانونيا في انتخابات ديموقراطية تماما، وعليه ينبغي أن تسمى، حتى لو لم يكن هذا يناسبنا، بـ «الحكومة الفلسطينية». معها يمكن بالتأكيد الوصول إلى اتفاقات ويمكن بالتأكيد تنفيذ هذه الاتفاقات بشكل متبادل، طويل وحريص.
ثانيا، ليس فقط يوجد من يمكن الحديث معه في غزة، بل ويوجد ايضا ما يمكن الحديث فيه. والدليل أن وقف النار الحالي اقترحته «حكومة حماس» الغزية قبل أشهر عديدة. وإسرائيل، التي رفضته على مدى أشهر طويلة، استسلمت أخيرا، كالمعتاد، تحت ممارسة القوة الفلسطينية، في هذه الحالة نار القسام المتواصلة على سديروت وبلدات غلاف غزة، واضطرت إلى أن تبتلع رغم أنفها وقف النار هذا وقبوله. بمعنى، لدى الحكومة الفلسطينية برئاسة «حماس»، المستقرة في غزة، لا يوجد فقط القدرة التي لم تكن أبدا لـ «منظمة فتح» وحكوماتها، في الوصول الى الاتفاقات وتنفيذها بل لديها أيضا اقتراحات حقيقية وعملية للتسويات بيننا وبينهم، وذلك خلافا للتسويات السلمية الفارغة من كل مضمون والتي تنسج زعما بين حكومة إسرائيل، التي لا تريد تنفيذها على الاطلاق، وبين متفرغين سياسيين فلسطينيين ليس لديهم أي قدرة على تجسيدها.
إذ مثلما اقترحت الحكومة الفلسطينية في غزة وقف النار الموقت الحالي، لأشهر معدودة، في غزة ومحيطها، فإنها تقترح منذ أعوام عديدة وقف نار أطول، لعشرين عاما، بين كيانينا – الاسرائيلي والفلسطيني.
يوجد في واقع الامر امكانيتان حقيقيتان أمامنا. الأولى: وقف نار حقيقي، يمكن الوصول إليه ويمكن تنفيذه، على مدى عشرين عاما، بيننا وبين الحكومة الفلسطينية المنتخبة. والثانية هي سلام في الأحلام بيننا وبين عصبة الخيال الفلسطينية، التي لا تمثل أحدا وغير قادرة على أن تمارس إمرتها على كلب. وبشكل غريب، بين الامكانية الطيبة الحقيقية وبين الامكانية السيئة غير القائمة نعود لنختار، مثل آلة تلقائية خربة، الامكانية غير الممكنة، غير العملية، غير القائمة، تلك التي غير قابلة على التحقق على الاطلاق. لماذا نحن نتصرف بهذا الشكل غير العقلاني جدا، ماذا نحن ننتظر، أن نتلقى المزيد من الضربات وعندها نفهم؟
كوبي نيف
«معاريف»