إسرائيل طامعة وأميركا تتوسّط... وتأخر في المراسيم التطبيقية المتعلّقة باستخراجه

نفط لبنان... حكاية الصراع على «جلد الدبّ قبل اصطياده»

تصغير
تكبير
• ما سبب التأخير الحكومي في استكمال عملية الإعداد للتنقيب رغم أن لبنان قطع أشواطاً مهمة نحو البدء باستخراج النفط؟!

• كل ملف لبناني لا بد للاقتصاد أن يتقاطع مع السياسة والدليل دخول الأطراف الأساسيين على خط تَقاسُم «المغانم»
في غمرة انشغال لبنان بالخلافات الداخلية حول الوضع الحكومي والتعيينات الأمنية واعتراض «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يترأسه العماد ميشال عون على عدم تمريرها، عاد ملف النفط اللبناني إلى الواجهة في الأيام الأخيرة، إثر زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون النفط آموس هوشتاين إلى بيروت واجتماعه مع عدد من المسؤولين اللبنانيين للبحث في موضوع استخراج النفط والغاز وما يتعلق بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل تحديداً.

وتزامنت زيارة هوشتاين، مع تحريك ملف النفط والغاز نيابياً في ضوء إثارة نواب قضية التأخير في إصدار المراسيم التطبيقية المتعلّقة بقانون الموارد النفطية في المياه اللبنانية الإقليمية التي كان يفترض أن تصدر في النصف الأول من هذه السنة، في عهد حكومة الرئيس تمام سلام.

وقد وجّه النائب في كتلة «القوات اللبنانية» (غير المشاركة في الحكومة) جوزف المعلوف سؤالاً إلى الحكومة عن عدم إقرار المراسيم التطبيقية، لافتاً إلى أن «هذا التقاعس عن إقرار المراسيم يجعل لبنان متخلفاً عن دول الجوار ويفوّت على الدولة اللبنانية فرصاً كبيرة فيما الخزينة اللبنانية في أمسّ الحاجة للمداخيل الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها لبنان نتيجة إطلاق أعمال التنقيب والاستكشاف». علماً ان أسباب عدم صدور المراسيم التطبيقية لا تزال مجهولة، وخصوصاً أن الحكومة الحالية حكومة شراكة وطنية، وما عدا الأزمة الأخيرة فإن كل الملفات التي طُرحت على طاولتها كانت تُقرّ بتوافق جميع المشاركين. إضافة إلى أن ملف استثمار النفط يلاقي إجماعاً مبدئياً من كل القوى السياسية، إلا إذا كانت هناك قطبة مخفية تعوق صدور المراسيم، وتالياً انطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز.

والمفارقة أن وزير الطاقة الحالي ارتور نظاريان قال أخيراً إن «لبنان أمام مفترق طرق ولديه إمكانات واعدة ليصبح دولة منتجة للنفط والغاز في المنطقة، ولا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا عبر التوافق على إكمال المسيرة بإقرار مرسومي تحديد الرقع البحرية ودفتر الشروط واتفاق الاستكشاف والإنتاج، بما سيتيح للشركات المؤهلة مسبقاً تقديم مزايداتها لتلزيم أعمال الاستكشاف في المياه البحرية».

ومن هنا عاد إلى الواجهة السؤال الاقتصادي والسياسي، عن سبب التأخير الحكومي في استكمال عملية الإعداد للتنقيب، وخصوصاً أن لبنان قطع أشواطاً مهمة نحو البدء باستخراج النفط، عبر إطلاق عملية تأهيل الشركات الراغبة بدورات التراخيص للأنشطة البترولية وإنشاء هيئة إدارة النفط، رغم الانتقادات الحادة التي وجهت بها نظراً إلى الرواتب المرتفعة والضخمة التي أُعطيت لأعضاء الهيئة التي يتهمها أصحاب الاختصاص بأنها لم تُقْدِم منذ تشكيلها على أي عمل جدي، إن لاعتبارات سياسية أو عملية.

والواقع أن ملف النفط اللبناني ينقسم إلى قسمين، سياسي - أمني، واقتصادي بحت. لكن كما في كل ملف لبناني لا بد للاقتصاد أن يتقاطع مع السياسة وهو ما ظهر بوضوح من خلال دخول الأطراف الأساسيين اللبنانيين على خط تَقاسُم المغانم المتأتية من الثروة النفطية المنتظرة على طريقة «تقاسُم جلد الدب قبل اصطياده»، وأيضاً عبر محاولة إسرائيل وضع يدها على الثروة اللبنانية في ضوء الاتهامات التي وجّهها لبنان أكثر من مرة إليها لمحاولتها سرقة الغاز اللبناني بحراً.

وملف النفط اللبناني قديم - جديد، إذ إن دراسات جيولوجية أُعدت في السبعينات تحدثت عن وجود نفط في البر والبحر اللبنانيين. وسبق للنائب وليد جنبلاط أن ذكر في أبريل من العام 2013 إن الدكتور غسان قانصو أعدّ دراسة حول وجود نفط في لبنان، وأن الرئيس الراحل إلياس سركيس سبق أن اطلع على التقرير النفطي «إلا أن الظروف لم تكن تسمح في تلك الآونة بالاهتمام بهذه المسألة بفعل اشتعال الحرب الأهلية وتَفاقُم التوتر الداخلي».

كان جنبلاط حينها يردّ على تكتل «التغيير والإصلاح» بعدما حمل ملف النفط آنذاك وزير الطاقة جبران باسيل (صهر عون) الذي أعاد تحريك هذا الملف في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، في ظل خلاف اشتعل في ذلك الوقت بين التكتل من جهة و«تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) من جهة أخرى. كما كان لرئيس مجلس النواب نبيه بري حصته من النزاع، وخصوصاً أن بري ينسب لنفسه دائماً أنه مَن أطلق هذا الملف وحمله في ظل أطماع إسرائيل به وبالمياه اللبنانية لسنوات طويلة.

بين 2012 - 2014 حوّل باسيل ملف النفط عنواناً أساسياً لتكتل «التغيير والإصلاح» ووضعه ملفاً متقدماً على طاولة مجلس الوزراء وعبر حملة ترويج خارجية وداخلية لأهمية المخزون النفطي والغاز الذي يتمتع به لبنان براً وبحراً. ولكن الاستثمار البحري هو الذي أخذ الوهج الاقتصادي عالمياً، ولا سيما مع تركيز وزارة الطاقة في تلك المرحلة على إعداد دراسات ومسح البحر وتحليل معطيات المياه الإقليمية التي تضمّ منابع الغاز البحري.علماً أن باسيل قال في شهر أكتوبر من العام 2013 إن لدى لبنان «95.9 تريليون قدم مكعبة من الغاز و865 مليون برميل نفط في 45 في المئة من مياهه الإقليمية»، لافتاً إلى أن هذه الأرقام «ليست ثروة نفطية فقط بل ثروة اقتصادية». في حين أن دراسة حديثة لهيئة قطاع البترول، قدّرت معدل الغاز على مدى 15 ألف كيلومتر مربع في المياه اللبنانية بـ 80 تريليون قدم مكعبة غاز أي ما يعادل 13 مليار ونصف المليار برميل نفط في حالة غازية، إضافة إلى مليار و200 مليون برميل من البترول السائل.

شهدت تلك المرحلة، نقاشات وسجالات حول الملف وحول إنشاء هيئة إدارة قطاع النفط، ومن ثم تأهيل الشركات للاشتراك في دورات تراخيص للأنشطة البترولية. وكذلك شهدت تقسيم البحر اللبناني إلى عشر رقع نفطية أو بلوكات من أجل بدء أعمال التنقيب فيها، وأخذت عملية الوصول إلى المراسيم الخاصة بهذين البندين وقتاً طويلاً وسجالات حادة، بين باسيل و«المستقبل»، كما بين بري وباسيل، في ظل اختلاف أيضاً في وجهات النظر حول الطريقة التي يجب أن تُلزَّم بها البلوكات النفطية. إذ دافع بري عن تلزيم البحر دفعة واحدة فيما دافع باسيل عن تلزيم عدد محدود من البلوكات تدريجياً، والبدء بالحقول القريبة من إسرائيل، لأن «تلزيم البحر دفعة واحدة يفرط بثروة لبنان وما يمكن أن تدرّه من أموال». وهذا الموقف نفسه الذي تبناه أخيراً وزير الطاقة الحالي المحسوب أيضاً على تكتل التغيير والإصلاح.

وعلى الرغم من أن قطار النفط والغاز انطلق في عهد حكومة ميقاتي، فإن استقالتها لم تؤثر على هذا الملف الذي بقي «حياً» بعدما كان باسيل رفع في حينه إلى مجلس الوزراء مشروع تقسيم المياه البحرية الحافلة بمكامن نفطية وغازية واعدة.

وقد أثبتت تحاليل المسح البحري لهذه البلوكات النفطية وجود كميات وافرة من الغاز في المناطق الممتدة من الشمال إلى الجنوب مروراً ببيروت وبجبل لبنان، وإن بنسب متفاوتة ولكن عالية، بما يشكل تأكيداً للمعلومات التي تملكها وزارة الطاقة حول كميات الغاز المقدَّرة في هذه الحقول. وقد أنجزت هيئة ادارة النفط في الأشهر الأخيرة خريطة كاملة بتوزع هذه المكامن في البلوكات النفطية.

ليست مشكلة النفط في لبنان داخلية فحسب وتتعلق بصدور المراسيم الضرورية، إذ إن مشكلة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسورية وقبرص وإسرائيل ما تزال أيضاً عالقة وتعوق عملية التنقيب عن النفط، ناهيك عن الأوضاع الأمنية التي قد تكون أيضاً من الأسباب التي تدفع الشركات المعنية إلى التريث في خوض مغامرات من هذا النوع. علماً أن لبنان سعى خلال مفاوضاته لشراء أسلحة ومعدات للجيش اللبناني إلى شراء زوارق ومعدات لحماية المنصات النفطية، في حال انطلقت عجلة التنقيب في صورة نهائية.

مشكلة لبنان الأساسية مع إسرائيل هي في أطماع تل أبيب بالنفط اللبناني، فإسرائيل لديها عملياً ثلاثة حقول نفطية بحرية، هي «كاريش» و«تامار» و«لفيتان»، وفي ظل عدم ترسيم الحدود البحرية بينها وبين حدود لبنان الدولية البحرية النفطية والغازية ضمن حدود منطقته الاقتصادية الخالصة، يتحوّل الملف النفطي مشكلة قائمة ومستمرّة. علماً ان الرئيس بري أعلن قبل أشهر أن لديه معلومات مؤكدة أن إسرائيل بدأت بسحب كميات من الغاز اللبناني قرب الحدود البحرية معها.

ومعلوم أن حقل «كاريش» هو الأقرب إلى الحقول النفطية اللبنانية إذ لا يبعد سوى 4 كيلومترات عن البلوك رقم 8 العائد للبنان وستة كيلومترات عن البلوك رقم 9، في حين يقع حقلا «تامار» و«لفيتان» قبالة حيفا على بُعد نحو 30 كيلومتراً.

ومن هنا جاءت زيارة المسؤول الأميركي إلى بيروت أخيراً في إطار ترتيب الأوضاع بين لبنان وإسرائيل على قاعدة طرح أفكار تحدث مقربون من بري أنه يراد منها استدراج لبنان إلى ترسيم الحدود الذي طالب به لبنان عبر الأمم المتحدة، بما يخدم مصلحة إسرائيل مقابل أعمال التهدئة بين البلدين ولا سيما بحراً حيث لا يزال لبنان خاضعاً لقرار الأمم المتحدة رقم 1701.

علما أن النزاع القائم حالياً بين إسرائيل التي رسمت حدودها البحرية من جانب واحد، يتعلق بنقطة حدودية بحرية تعرف حالياً بالنقطة 23 وهي نقطة مشتركة بين لبنان وإسرائيل وقبرص، ومحاولة إسرائيل السيطرة على مساحة تُقدّر بـ 865 كيلومتراً مربعاً من المياه الإقليمية.

وكان لبنان وقّع اتفاقاً لترسيم حدوده البحرية مع قبرص عام 2007، لكن الحكومة اللبنانية لم تطبق الاتفاق نتيجة ضغوط تتعلق بالعلاقة مع تركيا، الأمر الذي أعطى قبرص العام 2010 حرية التوقيع مع إسرائيل على اتفاق لترسيم الحدود لم يأخذ في الاعتبار مصالح لبنان بطبيعة الحال، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى فتح لبنان حواراً مع قبرص لإعادة النظر في النقاط التي رُسمت.

أما من جانب إسرائيل، فالمحاولة الأميركية التي بدأت مع الموفد الاميركي فريدريك هوف واستُكملت مع هوشتاين، تأتي في إطار مساعدة إسرائيل على تهيئة الأجواء الملائمة للتنقيب في حقل كاريش وتطويره، هو الذي يتمتع أيضاً بمخزون غازي ونفطي عالٍ، والعمل على تصدير المخزون إلى أوروبا، لكن الجواب اللبناني لا يزال على حاله بتمسكه بكامل حدوده البحرية، وعدم اقتطاع أي شبر منها. علماً أن المشكلة ليست في الموقف اللبناني الرسمي بل في عجز المسؤولين اللبنانيين حتى الساعة عن دفع ملف النفط إلى الأمام، على الرغم من اعتراف الجميع بأهميته وحيويته الاقتصادية، فيما لا يزال ينتظر صدور المراسيم التطبيقية، ويستورد الغاز والنفط ويعاني انقطاع الكهرباء الدائم.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي