طبعاً هذا حلم وليس واقعاً وأمنية فقط ليس أكثر ولم ترقَ لتصبح هدفاً، رغم أنني أتمنى ذلك وبحرقة. غالبية الجمعيات الإسلامية في الكويت، إن لم يكن جميعها، لم تكلف نفسها عناء تبني حملة بهذا المضمون، فدائماً نجد حملة لتعزيز الأخلاق، وحملة تعزيز الروابط الاجتماعية والأسرية، وحملات خيرية عدة نشكرهم عليها، ونتمنى لهم أن يسيروا بهذا الدرب، فهذا ما نبتغيه وهذا ما نريد. ولكن ما يحزنني ويجعلني متحاملاً بعض الشيء على التيارات الإسلامية الكويتية كافة عدم التفاتها إلى أهمية صيانة المال العام. ورغم أهميته الشديدة إلا أنه ليس ذا أولوية عندهم، وأنا لا أتهمهم بشكل مباشر، ولكنني أتهمهم بالتخاذل في حمايته، بل وأتهمهم بأنهم لم يبذلوا مجهوداً يرقى إلى الطموح المرتجى والمطلوب. ويستعرض الأستاذ يعقوب إسحق في كتابه الإصلاح السياسي وهدف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سؤالاً وجيهاً وهو أنه من البدهي أن يكون شرب الخمر منكرا وسرقة المال العام منكرا، ولكن شارب الخمر يؤثم دون سواه ويتحمل مضاره دون سواه وقد يؤذي غيره أحياناً. أما سرقة المال العام فتعود بالضرر على الوطن كله ويتضرر منه المواطنون. وهذا التساؤل الوجيه نحن نسأله لأخوتنا في الكويت: هل الاهتمام بحماية المال العام من أولويات الدولة الإسلامية التي تريدون؟ لماذا المال العام مهمل في برامجكم الانتخابية والدعوية، والتي يتضمن غالبيتها برامج أخلاقية فقط؟ وحتى هذه البرامج الأخلاقية لا تجد فيها ما يحث على الدفاع عن المال العام والتركيز عليه، وأنا لا أقول هذا اعتباطاً، أنا اتكلم عن دولة يُستباح فيها المال العام يومياً، مليارات تستنزف من الدولة منذ أن وجدت وإلى الآن، ومع هذا لم أجد الاهتمام الذي يكون غالباً موجه نحو برامج أخرى لا تقل أهمية، ولكن لا يعني أن نطبق مثل «يا أطخه يا أطشر مخه»!
ففي حياتي كلها لم أرَ إلا شخصاً واحداً تجرد للحق والحديث عن المال العام وحرمته، وهو إمام مسجد وعالم إسلامي، بل وذهب إلى أبعد من ذلك وفضح من يسرق هذا المال، ولم يتهاون بكشفهم للعامة بخطبه ودروسه، ولكن لماذا تجرأ هو ولم يتجرأ أحد من بعده من أئمة المساجد والخطباء والمشايخ من التطرق إلى نصف ما استطاع هذا الشيخ من قوله؟ السبب بسيط جداً، وهو أنه لم يكن محسوباً على تيار أو جماعة إسلامية، وهذا جعله حراً يستطيع التطرق إلى أي سارق أو منتهك لحرمة المال العام، لأنه لا يحسبها سياسة ولا تربطه علاقات تجارية وسياسية تؤثر بتياره أو بتجارته! ليتنا نتعلم منه، نعم إنه الشيخ عبد الحميد كشك.
ولا أنفك من نسيان هذه القصة الجميلة لسيدنا علي (كرم الله وجهه)، إذ يُحكى بأن رجلاً قد أتى إلى علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ليستأذنه في بناء مسجد فسأله علي: ومن أين أتيت بمالك؟ فأعرض الرجل عن الجواب فنهره علي. ثم أرسل الرجل نفسه بعض أصدقائه للتوسط عند علي الذي رفض بناء المسجد من دون أن يتأكد من مصدر الأموال إن كانت حلالاً أم لا.
وأخيراً، وليس آخراً، إنني ناصحكم بالله أن تكونوا صادقين في دعوتكم ولا تغرنكم الحياة الدنيا واجعلوا الصدق غايتكم ولا تبرروا لأنفسكم بأنها دفع لمفسدة أعظم. ورحم الله الشافعي الذي قال:
«إذا لم تجودوا والأمور بكم تمضي
وقد ملكت أيديكم البسط والفيضا
فماذا يرجى منكم إن عزلتم
وعضتكم الدنيا بأنيابها عضا
وتسترجع الأيام ما وهبتكم
ومن عادة الأيام تسترجع القرضا».
مبارك الهزاع
كاتب كويتي
[email protected]