قراءة / المؤلف يتقمّص شخصية طفل يسرد أحداثاً تجري معه
الواقعية الانطباعية... في رواية «كنت أرى البحر» لأشرف العوضي

غلاف الرواية


حققت الرواية العربية منجزا مهما في نهايات القرن الأخير، وحصدت الجوائز العالمية وترجمت للغات عدة ونوقشت في جامعات العالم، وظهرت نخبة من كتاب الرواية العربية طوروا فنها من حيث السرد وفكرة العمل وخلق الحدث، كما واكب الرواة العرب مسيرة التقدم والحداثة وما بعد الحداثة والبنيوية، وما بعد البنيوية وكان كل جيل يطور ويظهر لنا فنيته في الكتابة واليوم لدينا مجموعة من الكتاب ينافسون الكتاب الغربيين وقد أنتجت روايات عربية ناضجة من حيث البناء والسرد الفني ووعي الطرح ومن هذه الروايات رواية (كنت أرى البحر) للروائي المصري اشرف العوضي، الذي يتقمص في روايته شخصية طفل يسرد احداثا تجري معه ويبين مشاعره تجاه أشخاص يقابلهم تدور الرواية في محيط ريفي واغلب كتابات العوضي في الريف الذي يشكل حضورا واضحا في رواية ( كنت أرى البحر) عبارة عن مجموعة قصصية في سياق واحد اسمه النص، حيث يظهر العوضي صورا متنوعة وينتقل بالمتلقي لكنه يعود لنقطة نظام يقول في جزء من روايته:
«جاءت إلى قريتنا في أحد الأعياد البعيدة بصحبة أمها كانت نظيفة ومختلفة عن بنات حارتنا، وعندما أهديتها قرطاسا من التوت الأبيض التقطته بنفسي من تحت شجرة العمدة سلامة، طبعت قبلة خفيفة على خدي ومع إني لم أرها بعد ذلك رغم محاولاتي البائسة في سؤال خالها يونس الخياط عنها، الا انني مازلت اشعر بقبلتها حتى اليوم».
مشهد صامت ينقله لنا الكاتب وهو يروي عن فتاة زارت القرية، التي يسكنها وقد أثارت اهتمامه وقد أهدى لها قرطاسا من التوت، ثم ينتقل الى قبلة حدثت بينهما بعفوية وتعمد الروائي إدخال شخصية العمدة في الحدث كي يجعل المتلقي يفهم انه يتكلم عن منطقة ريفية، فالعمدة يوجد كما هو معروف في مناطق مصرية تكون بعيدة عن المدينة وهو أشبه بالحاكم المدني، وتتسارع المواقف داخل هذا النص القصير، والذي ينتهي بغياب البنت من غير رجعة كما نفهم مما هو مطروح، وتكون الحلقة الخاتمة بكثرة السؤال عنها لخالها يونس الخياط، وإدخال خالها هنا ليكون سببا مقنعا لزيارة البنت إلى القرية ومن خلال النص نفهم ان رواية «كنت أرى البحر»، كتبت بطريقة الواقعية الانطباعية،وهذا الأسلوب كان يشتغل فيه الروائي الفرنسي إميل زولا وهو رائده الذي يعتمده اشرف العوضي، من خلال بناء واقعي متواصل وجعلك تعيش معه كأنك داخل الحكاية ويرسم الصور متتالية أشبه بسلسلة متصلة الحلقات يقول في جزء ثانٍ:
فرح الناس كثيرا بدخول الكهرباء لقريتنا، احتفوا بالعمال الذين قدموا من بعيد، هللوا كثيرا عندما أنير أول عمود قريب من كشك المرور، سهروا بجانب تلفزيون عكاشة يشاهدون عنترة بن شداد وشيبوب حتى الساعات الأولى من الصباح، وعندما شيعوا الخالة «عديلة» التي «صعقت» عندما أمسكت بيد مبتلة سلكا عاريا أدركوا بجلاء لا ريب فيه... أي وحش في بيتهم يؤوون«.
مقطوعة سردية تحمل فكرة عن الناس البسطاء والعلم وهي تصوير رائع للطبقة الريفية ومع أنها موجزة واقرب ما تكون للقصة القصيرة جدا او الاقصوص، لكن فيها ضربة حدثية تحمل نقطتين... الأولى تعبير عن الناس المعزولين عن التقدم، وكيف أصبحت الكهرباء لديهم شغلهم الشاغل، حتى أنهم كانوا يسهرون للصباح لمشاهدة التلفزيون، والثانية عدم خبرتهم بالتعامل مع الحضارة وتأخرهم وكان موت»عديلة»، بمثابة الصعود... كما هو معروف إن الرواية تعتمد على الأسلوبية والمحاكاة والصراع والذروة... وموت عديلة يعطي طابعا عن حياة المنطقة التي يتحدث عنها الراوي، وكيف أصبح الكل يخاف من الكهرباء فهي في نظرهم الوحش الكاسر الذي يسكن في بيوتهم يقول في ختام الرواية:
لم يدرك الفتى وهو يقترب حذرا من تلك البركة الصغيرة الواقعة على اطراف قريته، والتي تحط عليها أسراب الحمام سربا تلو الآخر، اي جنة من جنان الله قد اكتشف لسنوات طويلة ظل يرقبها وهي تنزل في هدوء ودعة تتناغى قليلاً ثم تحلق بعيداً، وهي تضرب الهواء بنعومة من يخشى خدشه حتى ذلك اليوم الذي مزقت فيه معاول القوم أحشاء البركة لتحول جنة الاكتشاف إلى مصنع لمواسير الصرف المغطى، إما الفتى فالى الان ما زال يحن إلى البركة والى حمام البركة».
انه بوح لمشاعر وأحاسيس داخلية عايشها الكاتب، الذي برع في وضع تصوراته في خانة الإبداع فكان عمله عبارة عن نص روائي ناضج، وخطاب مفتوح وقد سعى ان يوصل الفكرة كاملة من غير ان يترك اي حيز للتفكير عند القارئ وكان سرده امتداداً لا ينقطع وفي خاتمته ربط جميل بين العنوان مفتاح العمل وسبب الدخول لعوالم النص الخاتمة، التي فيها رحلته مع الحمام وهناك جوانب جمالية ومعرفية قد اترك للمتلقي اكتشافها فهوالشريك في العمل.
* ناقد عراقي
«جاءت إلى قريتنا في أحد الأعياد البعيدة بصحبة أمها كانت نظيفة ومختلفة عن بنات حارتنا، وعندما أهديتها قرطاسا من التوت الأبيض التقطته بنفسي من تحت شجرة العمدة سلامة، طبعت قبلة خفيفة على خدي ومع إني لم أرها بعد ذلك رغم محاولاتي البائسة في سؤال خالها يونس الخياط عنها، الا انني مازلت اشعر بقبلتها حتى اليوم».
مشهد صامت ينقله لنا الكاتب وهو يروي عن فتاة زارت القرية، التي يسكنها وقد أثارت اهتمامه وقد أهدى لها قرطاسا من التوت، ثم ينتقل الى قبلة حدثت بينهما بعفوية وتعمد الروائي إدخال شخصية العمدة في الحدث كي يجعل المتلقي يفهم انه يتكلم عن منطقة ريفية، فالعمدة يوجد كما هو معروف في مناطق مصرية تكون بعيدة عن المدينة وهو أشبه بالحاكم المدني، وتتسارع المواقف داخل هذا النص القصير، والذي ينتهي بغياب البنت من غير رجعة كما نفهم مما هو مطروح، وتكون الحلقة الخاتمة بكثرة السؤال عنها لخالها يونس الخياط، وإدخال خالها هنا ليكون سببا مقنعا لزيارة البنت إلى القرية ومن خلال النص نفهم ان رواية «كنت أرى البحر»، كتبت بطريقة الواقعية الانطباعية،وهذا الأسلوب كان يشتغل فيه الروائي الفرنسي إميل زولا وهو رائده الذي يعتمده اشرف العوضي، من خلال بناء واقعي متواصل وجعلك تعيش معه كأنك داخل الحكاية ويرسم الصور متتالية أشبه بسلسلة متصلة الحلقات يقول في جزء ثانٍ:
فرح الناس كثيرا بدخول الكهرباء لقريتنا، احتفوا بالعمال الذين قدموا من بعيد، هللوا كثيرا عندما أنير أول عمود قريب من كشك المرور، سهروا بجانب تلفزيون عكاشة يشاهدون عنترة بن شداد وشيبوب حتى الساعات الأولى من الصباح، وعندما شيعوا الخالة «عديلة» التي «صعقت» عندما أمسكت بيد مبتلة سلكا عاريا أدركوا بجلاء لا ريب فيه... أي وحش في بيتهم يؤوون«.
مقطوعة سردية تحمل فكرة عن الناس البسطاء والعلم وهي تصوير رائع للطبقة الريفية ومع أنها موجزة واقرب ما تكون للقصة القصيرة جدا او الاقصوص، لكن فيها ضربة حدثية تحمل نقطتين... الأولى تعبير عن الناس المعزولين عن التقدم، وكيف أصبحت الكهرباء لديهم شغلهم الشاغل، حتى أنهم كانوا يسهرون للصباح لمشاهدة التلفزيون، والثانية عدم خبرتهم بالتعامل مع الحضارة وتأخرهم وكان موت»عديلة»، بمثابة الصعود... كما هو معروف إن الرواية تعتمد على الأسلوبية والمحاكاة والصراع والذروة... وموت عديلة يعطي طابعا عن حياة المنطقة التي يتحدث عنها الراوي، وكيف أصبح الكل يخاف من الكهرباء فهي في نظرهم الوحش الكاسر الذي يسكن في بيوتهم يقول في ختام الرواية:
لم يدرك الفتى وهو يقترب حذرا من تلك البركة الصغيرة الواقعة على اطراف قريته، والتي تحط عليها أسراب الحمام سربا تلو الآخر، اي جنة من جنان الله قد اكتشف لسنوات طويلة ظل يرقبها وهي تنزل في هدوء ودعة تتناغى قليلاً ثم تحلق بعيداً، وهي تضرب الهواء بنعومة من يخشى خدشه حتى ذلك اليوم الذي مزقت فيه معاول القوم أحشاء البركة لتحول جنة الاكتشاف إلى مصنع لمواسير الصرف المغطى، إما الفتى فالى الان ما زال يحن إلى البركة والى حمام البركة».
انه بوح لمشاعر وأحاسيس داخلية عايشها الكاتب، الذي برع في وضع تصوراته في خانة الإبداع فكان عمله عبارة عن نص روائي ناضج، وخطاب مفتوح وقد سعى ان يوصل الفكرة كاملة من غير ان يترك اي حيز للتفكير عند القارئ وكان سرده امتداداً لا ينقطع وفي خاتمته ربط جميل بين العنوان مفتاح العمل وسبب الدخول لعوالم النص الخاتمة، التي فيها رحلته مع الحمام وهناك جوانب جمالية ومعرفية قد اترك للمتلقي اكتشافها فهوالشريك في العمل.
* ناقد عراقي