ارتواء

قضية مجتمع

تصغير
تكبير
أحياناً تمر بالمجتمعات ظروف غير اعتيادية وغير طبيعية فيحتاج ويضطر كل من في المجتمع لإثبات موقفه وإبداء رأيه، تماماً كما حصل معنا في الكويت الأسبوع الماضي من تفجير إرهابي مروع لمسجد الإمام الصادق، لذلك كان حقاً عليّ كمواطنة أن أخصص مقال الأسبوع لهذا الموضوع وإن أتى متأخراً قليلاً.

إن التطرف موجود في كل المجتمعات وجميع البيئات، ففي الغرب من يتطرف بعلمانيته أو بدينه، وفي الشرق من يتطرف بموروثه الشعبي من عادات وتقاليد أو بدينه أيضاً، وهو أمر غير صحي وليس طبيعياً بشتى أنواعه، فدائماً يكون ذا نتائج غير محمودة وينتج أشخاصاً عنيفين على المستوى النفسي الشخصي أو الاجتماعي، لذلك رُفِض الغلو والإفراط بكل صوره وأشكاله، وما حدث من تفجير لمسجد الإمام الصادق في الكويت أو تفجير المساجد في بلدان أخرى وترويع المسلمين في ديارهم الآمنة ما هو إلا ضربٌ من جنون وعدم اتزان ولا أخلاق، إن ذلك الغلو لا يمثل الدين الإسلامي ولا المذهب السني ولا يمت له بصلة، بل إن كثيراً من الآيات في القرآن الكريم دعت إلى الوسطية والاعتدال، وأمر الله تعالى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- في أكثر من موضع أن يعامل الناس بلطف ورحمة، فما يقوم به اؤلئك الأشخاص المتطرفون الإرهابيون إنما هي أفعالهم ولا تتعداهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل إنه الحكم بيننا وبينهم يوم لا ينفع مال ولا بنون، قد قتّلوا آباءنا وإخواننا وأبناءنا.. رمّلوا النساء.. يتّموا الأطفال، فنسأل الله لكل متوفٍ أن يتغمده بواسع رحمته ولكل مريضٍ شفاءً عاجلاً لا يغادر سقماً ولكل قلب انكسر وضعف لفقد حبيب جبراً وقوة.


لعلّني لم أعِش فترة الغزو العراقي الغاشم على الكويت وكثيراً ما سمعت من أهلي ومعلماتي أن الكويتيين في تلك الأثناء كانوا كالرجل الواحد على قلب واحد يجمعهم هدف واحد، لكنني عشت تلك المشاعر والوحدة والاجتماع على كلمة الحق بين جميع أطياف المجتمع الكويتي أثناء تلك الأحداث المؤلمة، فأثلج تعاوننا الصدور وأذهل اتحادنا العقول حتى كُتِبَت المقالات في ائتلافنا وتآخينا.

إنني أكتب هذه العبارات ولا ينفك قلبي عن زيادة ضرباته وتسريعها لما آلمني وأحزنني من مسيرات ومظاهرات قامت في المسجد الكبير، وكلما تذكرت المسيرات والهتافات أعجب ممن قاموا بها، هل وجدوا في الكويتيين من اللحمة والتعاضد ما أزعجهم فأبوا إلا أن يفرقونا؟!، أما أنهم مؤيدون لزرع الفتنة وانتشارها بين أبناء المجتمع الكويتي؟!، إن كان عملاً إرهابياً من فئة متطرفة قد ألّف بيننا فإن المسيرات في المسجد الكبير ورفع شعارات لا تعبر عن المذهب السني لربما أخذت تُضعِف توحدنا واجتماعنا شيئاً فشيئاً، نعم كلا الفعلين غير سليمين لكن كان لأحدهما فائدة ونفع وللآخر ضرر وسلبية، إنما المساجد هي بيوت الله فلها من الحرمة والآداب والأخلاقيات ما لها، لذا من اللازم والواجب على الجميع الالتزام بها وأداؤها وإعطاء المساجد خصوصيتها وحقها، ولنتذكر قوله تعالى «والفتنة أشد من القتل»، وما تلك المظاهرات في بيت الله إلا فتنةً عظمت ولا يصح لمسلم إلا إنكارها ورفضها.

نعم.. الاختلاف في الآراء أمر طبيعي وفي مجتمعنا أمر اعتدنا عليه، كما اختلفت الآراء تجاه القوانين والإجراءات الاحترازية المتخذة من قبل وزارات الدولة، فمن وجهة نظري الشخصية أرى أن تنظيم «داعش» لا يمت بصلة لسنة الاعتكاف في المساجد ولا مصليات العيد ولا يعنيها لا من قريب أو بعيد، إنه هضم لحقوق المسلمين الذين يرغبون في تذوق لذة الاعتكاف والخلوة في أفضل عشرة أيام في السنة وسرقة لحلاوة صلاة العيد ومعايدة بعضهم البعض بعد الفراغ من الصلاة، كذلك مناهج التربية الإسلامية وحلقات تحفيظ القرآن في المساجد لا أجد فيها خللاً يدعو لإيقافها، لكن بعضنا قد يقبل بها وقد يتقبلها البعض الآخر على مضض كحل موقت لكي ترجع الأمور لطبيعتها وسابق عهدها في أسرع وقت ممكن، أما بالنسبة لقانون إزالة الخيم الخارجية التابعة للمساجد فهذا من ناحية احترازية أمنية لا بأس به، وهو أيضاً من منطلق تقديم درء المفاسد على جلب المصالح، فمن الممكن أن يستغلها العدو ويستخدمها فيما يضر المصلين.

أمر أخير أود التطرق إليه وهو التعميم المطلق الخطأ وهو ما وقع به البعض منا، كأن يعمم قاعدة سلبية على جميع فئة البدون لأن أحد المتعاونين في العملية الإرهابية كان من هذه الفئة، أو أن يطلق الأحكام غير الصحيحة على أبناء الشعب السعودي أيضاً لنفس السبب، وهذا من الأمور المرفوضة والمستنكرة أيضاً في هذه القضية، ففكرة أن الخير يخص والشر يعم غير سليمة ولا صحية، وفيها من الظلم الكثير ومن الدخول في نوايا الناس الأمر الفظيع، لذلك فلتتوحد كلمتنا مجدداً ولا نسمح لأي كان أن يحاول تفريقنا والتدخل في شؤوننا ولنسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه كي لا نقع في الظلم أو نسيء به للغير.

@jasmine_m_alj
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي