لا يجوز أن نُلقي اللوم كاملاً على تنظيم «داعش» في ما حصل يوم الجمعة الماضي. فلو أردنا حقيقة معالجة الأمر لوجب أن نحمل أنفسنا قدراً كبيراً من مسؤولية الجريمة.
الكويت لا شك عاشت بسلام في ظل أجواء مشحونة عربياً وإقليمياً ومحلياً، وقد ضرب ربيع الثورات كل مكان ضمن محيطنا الجغرافي، لكن هذه التغيرات تكسرت على صخرة الكويت. حمت الكويت نفسها من خلال ترابط أهلها وحُسن تدبير نظامها السياسي المعتدل، ما دفع الجميع لرفض العنف طالما الواجبات والمطالب يمكن تحقيقها بالسلم.
لكن الإنصاف يقتضي أيضا أن نقول بأن اختلالات كثيرة سرّعت من وتيرة الأحداث ووفرت الأرض الخصبة لانتقال عدوى الإرهاب إلينا. وهنا أريد أن أعدد بعض هذه العوامل التي ساعدت الإرهاب ليضرب الكويت بسرعة وقبل التوقعات.
أولا: مشكلة البدون لم تُحل منذ عشرات السنين. نسمع بين الحين والآخر أن الوزارة تحركت باتجاه الحل، لكن ظلت المشكلة «مكانك راوح» إلى اليوم. طبعاً جميعنا يذكر التحذيرات المتكررة سواء الدولية أو المحلية ومن المراكز البحثية والاستراتيجية، كلها حذرت من خطورة الوضع الاجتماعي لهذه الفئة ما لم تُعطَ حقوقهم وتعالج أمورهم الاجتماعية والحياتية، وبالفعل حصل ما كان يُتوقع وصار بعضهم لقمة سائغة لأصحاب النفوس المريضة، فاستذل الفكر المتطرف عقولهم وصاروا يمتهنون العنف والتطرف الفكري كما وجدنا من بين الخلية الإرهابية.
ثانيا: الإهمال الأمني الواضح منذ سنوات طويلة، كان هو الآخر سبباً مباشراً في حصول حادثة كفاجعة مسجد الإمام الصادق. الداخلية ظلت لسنوات طويلة تُماشي المعارضات السياسية وتهادنهم وتشتري الوقت والولاءات، وهذا ما أضاع هيبة الوزارة. وأظنكم ما زلتم تذكرون الانتخابات الفرعية والمعاندة في تسليم السلاح بل والاعتداء على أفراد الشرطة وضربهم في مخافرهم. هذه بعض الامثلة العينية للصور التي رسمها المجتمع عن رجال الأمن.
ثالثاً: المناهج التكفيرية السيئة التي ملأت صفحات وعقول أطفالنا وشبابنا، والمواضيع المتطرفة والتي كانت عاملاً فاعلاً لشق وحدة الصف وهدم استقرار المجتمع. هذا التشدد الفكري أفرز أزمات كثيرة، كأزمة التأبين والمجاهدين العرب و«غوانتانامو» على سبيل المثال. نعم قد تكون أجزاء من المناهج عولجت وحُذف منها بعض مقولات التطرف، لكن ظلت أجزاءً منها باقية. كما لا ننسى أن عدداً لا بأس به من أساتذة هذه العلوم ما زالوا على رأس عملهم يبثون سمومهم في عقول أولئك المساكين.
فلا نلومن تنظيم «داعش» وحده، فالأوجب أن نبدأ بأنفسنا ونعالجها، فهذا أوجب برأيي حتى قبل أن نحارب «داعش».
hasabba@gmail.com @hasabba