الكلام... المباح / محمود درويش... مرثية العمر!


كنت أعرف أن وجهك
يتوافق تماما مع ملامح البلاد
ويتوافق مع خطوات الناس
على أرض... يموت فوق سطحها اليقين
وكنت اعرف تاريخك
بينما الجنود يخرجون من المعركة
وفي يد كل واحد قطعة خبز
ملطخة بدماء الأطفال والطيبين
... وفي اعينهم الصور تترى
والمشاهد تتلاصق في تهافت وانهيار
كنت أعرف
أنك الوحيد الذي لم يكن
في جيبه رصاصة
على استعداد تام لأن «تطيش»
في صفوف الأعداء... والأصدقاء معا
وانك الوحيد الذي كان يقف
على الحافة ممتشقا حضوره
ومتمسكا بسنواته المنتشرة
فوق المعابر
والوحيد- دون غيرك-
كنت تجهز القصائد
بينما دمك العربي محاصر
وحلمك محاصر
كنت أعرف- على وجه التحديد-
انك المسافر على متن ليل سديم
***
قالت له امرأة
لماذا كنت تنظر للبعيد؟
وكنت تفرش فوق هذا الرمل
أحداثا تغيرها المسافة
واستحالات الشروق؟
قالت له: هل كنت معتقدا
بأن الليل يذهب فيك
يمنحك الخرافة... بينما
الأحداق تشرد
في المتاهة والخفوق
قالت له امرأة
تعلم طفلها معنى الكلام
وتشتري من موتها
عمراً... سيصبح بعد اعوام
طريقا للبكاء
قالت: وماذا
بعد ان هدأت على الأركان
انفاس القصائد والحمام
ماذا تبقى للقصيدة
غير اغنية ترتل عزفها
فوق اشتهاءات المنازل للسلام
***
وقف المشيعون جثثا
تتحرك في مساحتها الضيقة
وقفوا... على القبر
وكنت وحدك الذي يرى
المعابر مفتوحة في أعين
المحتجزين خلف قضبان الوطن
ووحدك الذي يرى
التراب ينز دما وقصائد
وينز اغترابا
تحت اقدام الغاصبين
وينز مشاعر تلهث
بين الدوائر والاحتدام
وحدك... الذي عرف
أن الدم تخثر في شرايين العرب
وأن الحكاية لم تنته
بينما الغبار يشق الصفوف
وحدك... تغني على الارغول
لحنا شفيفا
تغني... ومن خلفك
كان الموت صديقا
لأنفاسنا الحائرة!
مدحت علام
[email protected]