اللعبة الإقليمية الجديدة بين هيمنة النفوذ وصراع البقاء








في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر بدأت تتشكل في الشرق الأوسط ملامح مختلفة للوضع السياسي والعلاقات وموازين القوى، كان ذلك بفعل التدخل المباشر الذي قامت به الولايات المتحدة الأميركية سواء كان عن طريق التدخل العسكري ام الضغط السياسي.
وكان لذلـــك التدخـــل بالطبع ردود فـــعل من اللاعبين الاقليميين الذين عدلوا رؤاهم وطرقهم في التعامل مع القضايا المطروحة بمرونة تستجيب للمتغيرات السريعة والمتلاحقة التي تميزت بها هذه الفترة.
وفي هذه الدراسة الصادرة عن «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» يعكف مدير «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» بول سالم على تتبع الأنماط والتوجهات الرئيسية في التاريخ الديناميكي لنظام الشرق الأوسط، وابراز المراحل التي مرت بها المنطقة منذ فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر واجتياح العراق، كما يتناول سالم الطريقة التي تعامل بها عدد من ابرز اللاعبين في الشرق الأوسط، مع المخاطر والفرص التي تبدت خلال تلك الفترة، وتبقى الاشارة الى ان هذه الدراسة تشكل واحدة من دراسات عدة تدور حول الكيفية التي تعامل بها اللاعبون الستة الابرز في الشرق الأوسط مع التطورات الجذرية التي طرأت على المنطقة بعد اجتياح العراق، وعلى أن تصدر سلسلة الدراسات تلك في كتاب سيصدر عن «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» باللغتين العربية والانكليزية وهنا نص الدراسة:
اللعبة الإقليمية الجديدة بين هيمنة النفوذ وصراع البقاء
الشرق الأوسط كنظام إقليمي في حال انهيار. والبنى وموازين القوى التي أرسيت في أواخر السبعينات، وعدلت عقب الحرب الباردة، لم تعد قائمة. هذه البنى والموازين تضمنت عدداً من المعطيات الرئيسية. ففي هذه الفترة، كانت اسرائيل في حال سلام مع مصر والاردن، وتقيم هدنة غير معلنة مع سورية. وبالتالي أياً من الدول البارزة المجاورة لاسرائيل والمناهضة لها، لم تعد منغمسة مباشرةً في النزاع العربي - الاسرائيلي. كذلك، طردت الحركة الفلسطينية المتداعية من لبنان في العام 1982 وهُمش دورها خلال، وفي أعقاب «اتفاقية أوسلو» في العام 1993. وفي هذه الاثناء، تم الاعتراف بدور سورية في المنطقة وأضفيت الشرعية على نفوذها في لبنان الذي ما لبث أن رقّي الى مرحلة الوصاية او الهيمنة الكاملة بعد العام 1990.
أما العراق، فقد عززت الولايات المتحدة دوره في الثمانينات، باعتباره دولة عازلة قادرة على ان تكون موازناً لايران الثورية. لاحقاً، وطيلة الثمانينات، واصلت الولايات المتحدة فهم دور العراق كحاجز للقوة الايرانية حتى بعد حرب تحرير الكويت ومرحلة العقوبات في التسعينات، حيث سعت الى اخضاع النظام في بغداد، لكنها تجنبت قلبه بالقوة حين ظهرت فرصة سانحة لذلك في خواتيم حرب تحرير الكويت.
وعاينت الولايات المتحدة من جهتها زوال النفوذ السوفياتي في المنطقة ونجحت في احكام قبضتها عسكرياً على الخليج وفي توطيد نفوذها السياسي، أولاً كوسيط في معاهدة السلام بين اسرائيل ومصر في أواخر السبعينات وثانياً كمهندس لسياسة الاحتواء المناصرة للعراق في مقابل نزعة ايران الثورية في الثمانينات، وأخيراً كرأس حربة التحالف العربي والدولي لتحرير الكويت من الاجتياح العراقي، وكراع لمبادرة سلام بارزة أخرى انطلقت في مؤتمر مدريد للسلام.
اليوم أضحى هذا النظام الاقليمي ركاماً. فالعراق انهار كدولة قوية موحدة وذات سيادة، وأدى انفجاره الداخلي الى تغيير المعطيات الجيو-سياسية للنظام. طوال العقدين المنصرمين، كان العراق يضطلع بدور الدولة العازلة داخل نظام الشرق الأوسط من خلال تشكيل ثقل موازن لقوة ايران وعبر ابقاء وجه تركيا ميمماً صوب الغرب. أما اليوم، فلم يعد العراق دولة قوية وعازلة، بل بات ساحة توترات ومجابهات داخلية وخارجية تجر دول المنطقة الى حسابات جديدة بعضها البعض. اما ايران شبه المعزولة سابقاً، فأصبحت لاعباً رئيساً في قلب الشرق الأوسط.
في تركيا، ادى تفكك العراق الى اهتمام متجدد بالمسألة الكردية، وبتوطيد التفاهم حول هذه المسألة مع سورية وايران. كما ابدى «حزب العدالة والتنمية» التركي اهتماماً متزايداً بالشرق الأوسط.
اما سورية، فقد تراجع نفوذها بعد اخراجها من لبنان، وأخضعت الى ضغوط من قبل الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وهي الآن تستكشف آفاق الخروج من المأزق عبر استنهاض مفاوضات السلام مع اسرائيل.
لبنان، وبعد بروز الأمل بالوحدة والتقدم السياسي فيه في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري، بات يعاني من وطأة الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية المتواصلة، وهو يتأرجح بين حالاتي الشلل والاضطرابات الأهلية، وعلى المسار الاسرائيلي - الفلسطيني، انقسم البيت الفلسطيني الى معسكرين متخاصمين، وتم التخلي عن عملية السلام. ولم تحاول الولايات المتحدة اعادة احياء هذه العملية الا في اواخر العام 2007 . وفي المحصلة، تأثرت دول المنطقة كافة بالتغييرات الجذرية التي شهدها النظام الاقليمي.
تتفرع هذه الدراسة الى قسمين رئيسيين. يتضمن القسم الأول تحليلاً للمراحل التي مر بها «الشرق الأوسط» كنظام إقليمي، ويتطرق القسم الثاني الى فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر واجتياح العراق.
لا يمكن تحديد النطاق الذي تمثله منطقة الشرق الأوسط بشكل علمي جازم، لأنه من الصعب بشكل عام تعريف مفهوم النظام الاقليمي في السياسة الدولية. لكن مهما يكن من أمر، العلاقات وموازين القوى الاقليمي تشكل موضوعاً مهماً في اطار البحث السياسي. من هذا المنطلق، يمكن اعتبار الأنظمة الاقليمية بمثابة مجموعات من الدول تتفاعل مع بعضها البعض - ايجاباً أو سلباً - وتؤثر على بعضها البعض من خلال علاقات القوة، أو المصالح، او الاقتصاد، او الايديولوجيات، او غيرها من اسباب التأثير.
سيركز هذا المشروع البحثي، الذي تشكل هذه الورقة الجزء الأول منه، على السياسات الخارجية لدول فاعلة في المنطقة، وسيتناول رد فعل هذه الدول على الأحداث التي طبعت الأعوام الماضية، كما سيبحث في الطريقة التي تكيّفت فيها هذه الدول مع التطورات التي شهدتها الأعوام الأخيرة، وسيتناول الديناميكيات القائمة بين ايران وتركيا والمملكة العربية السعودية والأردن وسورية ومصر. وما من شك في أن أي دراسة واسعة النطاق حول التغيرات التي حصلت في الشرق الأوسط وانعكاسات الأحداث الأخيرة على النظام الاقليمي، يجب أن تشمل اسرائيل والسياسة التي يتبعها اللاعب الخارجي الأبرز في الشرق الأوسط أي الولايات المتحدة، وكذلك دور القوى الناشئة كروسيا والاتحاد الاوروبي والصين والهند، لكننا حصرنا البحث والدراسة هنا في المثلث الايراني - التركي - العربي.
الشرق الأوسط المتغيّر
تعود أسباب تحوّل الشرق الأوسط الى مجموعة من الدول الضعيفة والخاضعة لسيطرة قوى دولية، إلى بدء انهيار السلطة العثمانية خلال القرن الثامن عشر. وقد استخدم مصطلح ا لشرق الاوسط للمرة الأولى في اللغة الديبلوماسية في أوائل القرن العشرين للدلالة على المنطقة الممتدة من شرق البحر الابيض المتوسط الى الهند. في تلك الحقبة، كانت القوى العظمى نجحت في تقسيم معظم أجزاء القارتين الافريقية والآسيوية، وكانت تسعى الى بسط نفوذها على الامبراطورية العثمانية وبلاد فارس وأفغانستان. ومع تراجع قوة الامبراطورية العثمانية، تمحور السؤال الأبرز في الشرق حول كيفية التعاطي مع مشكلة «رجل أوروبا المريض». حينها، أيدت بريطانيا، التي كانت قد احتلت مصر عام 1882 ورتبت تحالفات في الخليج العربي، فكرة دعم الامبراطورية العثمانية خوفا من أن يؤدي انهيارها النهائي الى تسابق على السلطة بين روسيا والقوى الأوروبية، مما قد يضر بمصالحها. وبالفعل، توصلت بريطانيا وروسيا الى اتفاق العام 1907 لابقاء الوضع القائم على حاله.
غير ان هذا النظام الهش انهار مع الحرب العالمية الأولى. وحين أبرمت حكومة الجمهورية التركية الفتية في اسطنبول تحالفا مع المانيا، تحركت بريطانيا بدورها وبدلت السياسة التي اتبعتها طوال قرن من الزمن، فسعت الى تفكيك الامبراطورية العثمانية والاحتفاظ بالمحافظات العربية لنفسها. وخلال الحرب، قطعت بريطانيا تعهدات متناقضة، اذ شجعت الشريف حسين، حاكم مكة، على قيادة ثورة عربية ضد الحكم التركي ووعدته بالحكم على سورية الكبرى. وفي المقابل، وعدت بريطانيا الفرنسيين بمنحهم السلطة على معظم الأراضي السورية، فضلا عن أرض في فلسطين للحركة الصهيونية الوليدة.
بالفعل، ولد الشرق الأوسط المعاصر من بقايا وتناقضات الاتفاقات التي انطوت عليها فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى. وتقاسمت بريطانيا وفرنسا مناطق النفوذ في الشرق الاوسط، ووضعت الدول حديثة التأسيس المتمثلة بالعراق والأردن وفلسطين تحت الانتداب البريطاني. اما دولتا سورية ولبنان الكبير حديثتا التأسيس هما أيضا، فقد وضعتا تحت الانتداب الفرنسي، وبقيت مصر تحت سيطرة البريطانيين. من جهة أخرى، نجحت تركيا وايران في تجنب الخضوع للانتدابات الاجنبية المباشرة وتقدمتا على باقي دول المنطقة في السير نحو بناء الدولة - الأمة (الدولة القومية). وعانت المحافظات العربية التي كانت أساسا ضعيفة، كونها لم تتمتع بحكم ذاتي منذ قرون عدة، من انعكاسات الانقسامات الجديدة ومن الدخول في مرحلة جديدة من الحكم الأجنبي.
تميز الشرق الاوسط خلال المرحلة التي تلت انهيار الامبراطورية العثمانية بعدد من الخصائص، اذ فصلت تركيا عن المناطق العربية بعد قرون من الترابط في ما بينها، وانبثق شرق أوسط عربي أخذ يتميز بقضايا وظروف خاصة به ومختلفة عن قضايا دولتي تركيا وايران الناشئتين. وكان صعود الهوية العربية متصلا جزئيا بالثور ة العربية في العام 1916. وقد ترسخ فعليا نتيجة لرفض الحدود الاعتباطية التي فرضتها القوى الغربية المحتلة وللسعي الى قيام دولة عربية أكثر توحدا، بغية مجاراة تركيا وايران، والتمتع بنوع من المناعة ضد سياسة «فرق تسد» التي اتبعها الاوروبيون. وتمثلت ا لمسائل المشتركة التي برزت في هذه الحقبة في تخطي الانتداب الاوروبي، ومواجهة التناقض القائم بين التوق للوحدة العربية وواقع تعزيز الدول القُطرية، وبروز القضية الفلسطينية.
ومن المعقول القول ان الشرق الأوسط كان يفتقر في هذه المرحلة الى نظام يربط بين دوله. وقد عمدت قوى الانتداب الى توجيه السياسات الخارجية للدول العربية، فيما كانت تركيا وايران حينها منكبتين على تدعيم سلطتهما الداخلية. بيد أن عددا من المعطيات القائمة في هذه الحقبة استمر لفترات لاحقة، لاسيما ضعف شرعية أنظمة دول الشرق الأوسط، والاعتماد الكبير على الحماية الخارجية وبالتالي التدخل الاجنبي الواسع في المنطقة، والتعلق الشعبي المتواصل بالهويات السياسية الجامعة كالقومية العربية والقومية الاسلامية.
الاستقلال والنفط وإسرائيل
شكلت حقبة الاربعينات منعطفا محوريا لاسباب عدة. فالانهاك الذي ضرب اوروبا الغربية كان قد استنزف قدراتها خلال الحرب العالمية الثانية، ما ادى إلى عجز فرنسا وبريطانيا عن الحفاظ على نفوذهما الاستعماري في الشرق الاوسط، وإلى افساح المجال امام بروز الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كقطبين مهيمنين على النظام العالمي، ترجمت نهاية حركة الاستعمار الاوروبي بمنح دول العالم العربي استقلالها، علما ان النخب التي ورثت هذا الاستقلال ابقت على علاقات وثيقة مع اوليائها الاوروبيين السابقين، وكان لاكتشاف النفط واثبات اهميته الاستراتيجية الحاسمة خلال الحرب العالمية الثانية تأثيرا مباشر وفوري على الدول النفطية.
ونتيجة لهذا الواقع، اقامت الولايات المتحدة تحالفا استراتيجيا مع المملكة العربية السعودية، في حين عملت بريطانيا على دعم مجموعة الامارات والدول على طول السواحل الغربية للخليج، ورأت فيها مصادر واعدة للنفط. كذلك، ابدت قوى الغرب اهتماما متزايدا بمصادر ايران النفطية، وترجم هذا الاهتمام بالضغط لمنح حصة كبيرة من الصناعة النفطية الايرانية لشركة «بريتيش بتروليوم» الانكليزية، واتى فيما بعد الانقلاب المدبر اميركيا العام 1953 ليطيح بالرئيس الوزراء الايراني محمد مصدق، الذي كان قد سعى إلى تأميم النفط الايراني، بغية استبداله بالشاه الاكثر تعاونا مع واشنطن، اما تركيا، فقد التفتت نحو الغرب بعد الحرب، وانضمت إلى حلف اشمال الاطلسي وابتعدت اكثر فاكثر عن الساحة السياسية في الشرق الاوسط.
كان من الممكن ان يؤدي نفوذ الغرب في تركيا وايران والدول العربية في اعقاب الحرب إلى قيام نظام امني اقليمي تحت وصياته، وهو بالفعل ما حاولت الولايات المتحدة القيام به في اواسط الخمسينات عبر توقيع اقامة «حلف بغداد» الذي كان سيجمع تركيا وايران والعراق وبعض الدول العربية الاخرى تحت سقف واحد، في اطار تحالف موال للغرب لصد انتشار النفوذ السوفياتي في المنطقة.
غير ان الصراع حول قيام دولة اسرائيل، اطلق سلسلة من الاحداث ادت لاحقا إلى تخلص عدد من الدول العربية من شباك السيطرة الغربية. اذ تركت هزيمة الانظمة العربية المريعة امام الميليشات الصهيونية في العام 1948 اثرا بالغا في الرأي العام، ووجهت ضربة قاسية لشرعية النخب الحاكمة الموالية للغرب، وزادت من الاصوات المطالبة بالعمل العسكري ضد الدولة العبرية الجديدة، واعادت احياء تيار القومية العربية،، واعتبر الرأي العام العربي النزاع مع اسرائيل بمثابة استمرار لحقبة الاستعمار الغربي الذي كان قد امل بأفولها مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.
مصر تحاول إقامة نظام عربي
في عهد الرئيس عبدالناصر، سعت مصر إلى منافسة الغرب في بسط نفوذها على المنطقة بدعم من الاتحاد السوفياتي مستندة إلى مجموعة ميزات: شخصية الرئيس عبدالناصر الكاريزمية، شعبية الفكر القومي العربي والمعادي لاسرائيل والاستعمار الغربي، وثقل مصر من حيث التعداد السكاني والقوة الاقتصادية آنذاك والدور الاعلامي والثقافي، رمت مصر إلى تعزيز التعاون والوحدة بين الدول العربية، وباشرت في اعداد العدة للعودة إلى ساحة المواجهة مع اسرائيل، وبفضل النجاح الذي حققه من خلال تأميم قناة السويس والصمود في وجه العدوان الثلاثي (بريطانيا - فرنسا - اسرائيل) في العام 1956 والذي كان يهدف إلى اضعافه، احتل عبدالناصر صدارة الساحة الاقليمية وبرز كشخصية قيادية عالمية ايضا.
ترتب على سعي عبدالناصر إلى تسلم زمام القيادة العربية تبعات بعيدة المدى فقد ادى هذا الواقع إلى اطاحة الحكومات الموالية للغرب في سورية والعراق واليمن وليبيا، وكان من الممكن ان تتكرر هذه التجربة في الاردن ولبنان ايضا لولا التدخل الغربي. علاوة على ذلك، ساهمت حركة عبدالناصر في انتصار الفكر القومي العربي المعادي للغرب في الشارع العربي وانتشار نفوذ الاتحاد السوفياتي في المنطقة، كما كرست المكانة القيادية لعبد الناصر مبدأ القضية العربية المشتركة والعمل العربي المشترك، واضفت نفحة عربية جديدة على اعمال جامعة الدول العربية التي كانت قد اسست في العام 1945 لتكون بمثابة الدرع الواقية ضد القومية العربية،، واوجدت ايضا عرف القرارات الجماعية في اطار اجتماعات قمم عربية ابتداء من العام 1964.
لكن سرعان ما اصطدمت طموحات الرئيس عبدالناصر بعوائق كبيرة فبحلول الستينات بدأت تظهر على الاقتصاد المصري علامات المعاناة من هذا المشروع الاقليمي الطموح فالتدخل المصري في اليمن كان يتجه نحو الفشل مستنفدا موارد الدولة المصرية، وكانت النخب الحاكمة في سورية والعراق قد سحبت دعمها لما اعتبرته هيمنة مصرية. وفي سياق متصل، حشدت الولايات المتحدة اصدقاءها المحافظين في المنطقة للتصدي لعبد الناصر في اليمن، وقدمت دعما حاسما للمملكة الهاشمية، وابقت لبنان بعيدا عن المشروع القومي العربي، وعززت قوة ايران في الخليج. لكن مشروع عبدالناصر اصيب بنكسة فعلية سنة 1967 عندما الحقت اسرائيل الهزيمة بجيوش مصر وسورية والاردن ونجحت في احكام سيطرتها على شبة جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، والضفة الغربية وغزة.
بعد انتهاء الحرب، أقر عبدالناصر ضمناً بمبدأ الأرض مقابل السلام مع اسرائيل الذي نص عليه القرار «الرقم 242» الصادر عن الأمم المتحدة، وتراجع المشروع المصري في المنطقة، وعلقت الحملة ضد الأنظمة الملكية العربية المحافظة. من جهتها، طرحت الولايات المتحدة نفسها كلاعب ضروري بالنسبة إلى مصر ودول المواجهة واثبتت انه لا يمكن التصدي لتفوق اسرائيل العسكري باستخدام السلاح السوفياتي وان الضمانة الوحيدة التي يمكن توفيرها ضد اسرائيل هي من خلال النفوذ الذي تمارسه الولايات المتحدة للجم الدولة العبرية.
مرحلة ما بعد عبدالناصر
سجلت وفاة عبدالناصر في العام 1970 نهاية مرحلة الهيمنة المصرية في السياسة العربية، ومهدت الطريق امام إقامة تحالف ثلاثي، متساو إلى حد ما، بين مصر وسورية والمملكة العربية السعودية بقيادة الزعماء الثلاثة انور السادات وحافظ الأسد والملك فيصل بن عبدالعزيز. وفي اطار هذا التحالف، شن السادات والأسد حرباً على اسرائيل، في حين فرض الملك فيصل حظراً نفطياً على الغرب. وهدفت هذه المواجهة إلى زعزعة التفوق الاسرائيلي الذي كان يغذي شعور التصلب لدى الإسرائيليين، وممارسة الضغوط على الغرب وايجاد الظروف الملائمة لإبرام صفقة الأرض مقابل السلام.
لكن سرعان ما ادت التناقضات المتنامية بين الدول العربية إلى تفكك هذا التحالف، إذ طالب السادات بسلام منفصل مع اسرائيل، فرد الأسد بتوطيد علاقاته مع الاتحاد السوفياتي وبسط نفوذه في لبنان. وبذلك، تراجع أثر البعد القومي في صوغ سياسات دول المنطقة وارتفع مبدأ اولوية مصلحة الدولة.
أطلق أفول نجم مصر سباقاً بين سورية والعراق وغيرهما لتسلم زمام القيادة الاقليمية، ونجحت سورية في تعزيز موقعها من خلال احكام سيطرتها على الداخل السوري وعلى لبنان و«منظمة التحرير الفلسطينية» في لبنان، غير انها لم تمتلك القدرة الكافية لتحقيق موقع قيادي اوسع نطاقاً على الصعيد الاقليمي.
وفي أواخر السبعينات حاول العراق تولي دور القيادة في المنطقة، علماً انه كان يمتلك المؤهلات اللازمة للنجاح من حيث الحجم والمصادر والقناعات القومية والطموح. لكن سرعان ما تبددت طاقة العراق واستنزفت في حرب طويلة ومدمرة ضد ايران في الثمانينات تلاها اجتياح الكويت والمواجهة مع الولايات المتحدة ومرحلة طويلة من العقوبات الدولية القاسية.
توازن متعدد الأقطاب
كان الشرق الأوسط في الثمانينات والتسعينات شديد اللامركزية ويضم أقطاباً وموازين قوى متعددة، وقد برزت مكونات تعددية الأقطاب لأسباب عدة.
أولاً، ألحقت هزيمة 1967 ووفاة عبدالناصر ضربة قاسية لتيار الوحدة العربية، وقام التعاون بين السادات والأسد والفيصل اساساً على مبدأ تعددية الأقطاب.
ثانياً، وفر انتقال القوة، لاسيما القوة الاقتصادية، من مصر إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ظروفاً مادية لظهور مراكز قوى بديلة، وتزامن بروز القوة الاقتصادية الجديدة لدول الخليج مع تنامي نفوذ هذه الدول في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ودور النشر، وكذلك في تأسيس وتوجيه المدارس والجامعات.
ثالثاً، أدى انتقال القوة إلى دول الخليج إلى تحول ايديولوجي استبدل القومية العربية وفكرها الاشتراكي والعلماني، الذي دمغ حقبة الخمسينات والستينات بطابعه. بالحركة الدينية المحافظة التي اتسمت بها مراكز القوى الجديدة في الخليج. بعبارة اخرى، شهدت هذه الفترة بروز ثنائية ايديولوجية انقسمت على اساسها دول المنطقة.
رابعاً، أوجد التقدم الطبيعي على مسار النمو الاقتصادي وبناء الدولة في معظم البلدان العربية ظروفاً مؤاتية اكثر فأكثر لبروز مفهوم تعددية الاقطاب. وفي حين كانت مصر في الخمسينات تتقدم بأشواط عدة على سائر الدول العربية من حيث معظم المؤشرات، تمكن العديد من الدول العربية من اللحاق بركبها.
خامساً، ترتب على نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي نتائج وثيقة الصلة بمفهوم تعددية الأقطاب. فعلى الرغم من ان واقع الشرق الأوسط تمحور خلال الحرب الباردة حول ثنائية قطبية بشكل أساسي، حاول الطرفان، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في كل مرحلة تشجيع حلفائهما في المنطقة على جمع الدول العربية في تحالفات تخدم مصالحهما الخاصة. في العام 1955، سعت الولايات المتحدة اولاً إلى جمع الدول العربية تحت راية «حلف بغداد» الموالي للغرب، وحذا السوفيات حذوها لاحقاً من خلال دعم عبدالناصر لجمع الدول العربية خلف زعامته، وأمل كل من الطرفين بهذه الطريقة بتكريس نظام مهيمن في المنطقة يكون مؤيدا له، ومع استمرار الحرب الباردة، اعتبرت كل دولة عظمى أن مصلحتها تقضي بربط الدول العربية في اطار تكتل موال لها، لكن حين انتهت هذه الحرب، ولم تعد تعددية الأقطاب في المنطقة تنطوي على أي مكسب للطرف العالمي الآخر، أصبح المبدأ مقبولاً، لا بات مرغوباً به في المنطقة.
لم تكن تعددية الأقطاب التي برزت في تلك الفترة محصورة بالدول العربية، بل شملت أيضا إيران بعد الثورة الإسلامية في العام 1979، قبل الثورة الإيرانية، شدد الشاه على الناحية الفارسية للهوية الإيرانية وأصر أيضا على فصل ايران عن العالم العربي والإسلامي، فعزلت إيران نفسها عن العالم العربي رغم نفوذها العسكري القوي في الخليج. لكن، في أعقاب الثورة، طرحت إيران نفسها كدولة إسلامية وأعادت ارتباطها بالهوية التاريخية الاسلامية والمواقع المقدسة الخاصة بالإسلام والشيعة والتي تقع بمعظمها في العالم العربي، قبل الثورة، كانت إيران تقيم تحالفا وثيقا مع الولايات المتحدة، وكانت الدولة الايرانية تشكل جزءا من منظومة الحرب الباردة. أما بعدها، فقد باشرت إيران تطبيق ســـياسة خارجية خاصة وسعت إلى دور قيادي في العالمين العربي والإسلامي. وبالفعل، تحــولت إيران إلى قطب في الشرق الأوسط مستــندة إلى قاعدة متينة من القوة البشرية والعسكرية والاقتصادية، وإلى فكر سياسي ثوري إسلامي (أضاف تياراً ثالثاً إلى تيار الفكر القومي العربي والفكر الديني السني المحـــافظ) ونفـــوذ أوسع نطاقاً من خلال سورية والمجتمعات الشيعية في بعض الدول العــربية، والتـــيار الإسلامي في فلسطين المتمثل في «حركة حماس».
تجلّت ظاهرة تعددية الأقطاب في شكل مؤسساتي، كما في مختلف مجالات النفوذ. فجامعة الدول العربية ومؤسسة القمة العربية اللتين جسدّتا، تعريفا، لحظة النفوذ المصري، برزت إلى جانبها في السبعينات «منظمة المؤتمر الإسلامي» و«مؤسسة القمم الإسلامية».
إلى ذلك، انطوى واقع تعددية الأقطاب على تعزيز عدد من ساحات النفوذ. ففي الستينات، تقدمت مصر على سائر الدول الاقليمية بنفوذ ملحوظ في معظم أقطار العالم العربي، وأثرت على مجريات الأمور في العراق وسورية ولبنان والأردن والكويت وسلطنة عُمان واليمن من خلال مزيج من الجاذبية الأيديولوجية والقوة المادية والعسكرية والمخابراتية. أما في السبعينات، فقد خسرت مصر معظم تأثيرها الاقليمي، وسارعت دول أخرى لملء هذا الفراغ.
دخلت سورية إلى لبنان في العام 1976 وجعلت لنفسها مركزا مهيمنا في البلاد لم يؤمن لها السيطرة على لبنان فحسب بل منحها ايضا دورا في القضية الفلسطينية ونفوذا مع إيران من خلال رعايتها لـ «حزب الله» وفي العام 1970، حاولت سورية توسيع نفوذها باتجاه الأردن خلال المواجهة بين الدولة الأردنية «ومنظمة التحرير الفلسطينية»، غير ان الإسرائيليين أحبطوا المحاولة من خلال تهديدهم المباشر لها.
بعد فشله في الانتصار على إيران في الثمانينات، حاول الرئيس العراقي صدام حسين في العام 1990 تحويل نفوذه جنوبا عن طريق احتلال الكويت، وأثارت هذه العملية ردا قويا من جانب الولايات المتحدة وباءت بالفشل. وعلى الرغم من تفوق العراق المبدئي على سائر جيرانه من حيث الامكانات البشرية والمادية، إلا أنه عاش حقبتي الثمانينات والتسعينات مجرداً من أي منطقة نفوذ فعلية.
في عهد الشاه، نجحت إيران بمساعدة الولايات المتحدة في فرض تفوقها العسكري في الخليج، لكنها لم تمتلك أي دائرة نفوذ في الشرق الأوسط العربي على الصعيد السياسي. أما في أعقاب الثورة، فقد طورت الجمهورية الإسلامية مناطق نفوذ خاصة بها عبر تحالفها مع سورية، وانشائها لـ «حزب الله» في لبنان ونفوذها بين الأكثرية الشيعية في العراق، فأصبحت تضاهي أكبر الدول العربية في نفوذها العربي.
إلى ذلك، تميز الشرق الأوسط في فترة ما قبل الحادي عشر من سبتمبر بموازين قوى متعددة. فخلال المرحلة التي شهدت اوج الحرب الباردة، قام ميزان القوى الرئيس في المنطقة بين الدول العظمى من خلال الدول المحلية الموالية لها، ومع تراجع الحرب الباردة وانتهائها، تنامت اهمية موازين القوى المحلية وكان ابرزها الميزان الذي تمحور حول النزاع العربي - الإسرائيلي والذي ادى إلى نشوب اربع حروب على امتداد ثلاثة عقود. وبحلول اواسط الثمانينات بلغ الوضع مرحلة من الاستقرار النسبي. في تلك الفترة وقعت مصر معاهدة سلام منفصلة مع إسرائيل، ودخلت الجبهة السورية عبر الجولان في حالة هدنة فعلية مع إسرائيل، بينما مضت سورية تحكم سيطرتها على معظم المناطق اللبنانية. كذلك نجحت إسرائيل في ضرب «منظمة التحرير الفلسطينية» في جنوب لبنان وبيروت في العام 1982، وساهمت سورية في توجيه الضربة القاضية إلى «منظمة التحرير» في طرابلس وغيرها من المناطق اللبنانية. وكان انسحاب مصر من المواجهة مع إسرائيل بمثابة الاشارة الفعلية لانتهاء الحروب النظامية بين الدول العربية واسرائيل، في حين ادت هزيمة «منظمة التحرير الفلسطينية» في لبنان إلى تهميش دور المنظمة في السياسة الاقليمية والزامها بالانخراط في مفاوضات غير متوازنة مع إسرائيل وبعد تحييد مصر ومهادنة سورية واضعاف «منظمة التحرير الفلسطينية» انكبت إسرائيل على احكام قبضتها على الاراضي المحتلة.
في سياق متصل، انتقلت مصر والاردن من الاهتمامات القومية الى هموم داخلية مثل أمن النظام والتنمية الاقتصادية. أما سورية فركزت على احكام سيطرتها على لبنان والحفاظ على أمن النظام السوري في الداخل. وعلى امتداد هذه الفترة، ابقت الدول المعنية في المنطقة نوعا من ميزان القوى في ما بينها، فحافظت إسرائيل على قوتها العسكرية، وسعت سورية إلى البقاء في ركابها لتحافظ على قوة رادعة في حال انهارت الهدنة معها، وساهمت في دعم «حزب الله» كحركة مقاومة وكعامل ضغط على إسرائيل في جنوب لبنان. حتى مصر عمدت إلى الاستمرار في تعزيز قوتها العسكرية، في خطوة هدفت في المقام الأول إلى ارضاء المؤسسة العسكرية في الداخل والحفاظ على شكل من اشكال القوة الرادعة في مواجهة إسرائيل.
اما ميزان القوى الآخر الذي كان مؤثرا خلال هذه الفترة فهو ذلك القائم بين إيران والعراق. في عهد الشاه، دعمت الولايات المتحدة تصاعد القوة الإيرانية، لكنها أمنت تناغم هذه الاخيرة مع قوة السعودية في الضفة الجنوبية الغربية من الخليج ومنعتها من لعب دور مباشر في السياسة العربية الداخلية أو الاقليمية. مع انطلاق الثورة الإسلامية برزت إيران كلاعب اقليمي مستقل يملك القدرة على توسيع نطاق شعبيته ونفوذه. بالطبع تحرك صدام حسين بسرعة في محاولة لمواجهة هذا الخطر عن طريق اجتياح إيران، معتقدا ان الدولة الإيرانية في اضعف حالاتها. وسرعان ما حظيت هذه الحرب بدعم دول الخليج والولايات المتحدة. لم تنته الحرب العراقية - الإيرانية بهزيمة ايرانية، لكنها انهكتها. واستمر النظام البعثي في العراق حتى بعد انتهاء الحرب بين العراق وايران وانكسار العراقيين في الكويت والعقوبات الصارمة في التسعينات في احتواء القوة الإيرانية حتى سقوط الدولة البعثية في العام 2003. مع انهيار العراق، اكتسبت إيران نفوذا مباشرا في احدى اهم وابرز الدول العربية والاسلامية كما حظيت بمنفذ مباشر إلى الدول العربية الواقعة على السواحل الجنوبية الغربية من الخليج.
وبالفعل، شهد الشرق الأوسط في اواخر التسعينات نوعا من الاستقرار النسبي حددته هذه الموازين المتعددة القوى ودوائر النفوذ المختلفة. وشكل هذا الوضع الخلفية التي اهتزت وتبددت بسبب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 واحتلال العراق الذي تلاها بعد عامين.
11 سبتمبر واجتياح العراق
شهدت الاعوام التي تلت العام 2001 تطورات جذرية عدلت طبيعة نظام الشرق الأوسط وعكست المضاعفات المباشرة وغير المباشرة للتغيرات التي طرأت على سياسة الولايات المتحدة. إذ ادى الوقع الهائل لاحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى تغيير جذري في سياسة أميركا الخارجية، كما اعطى فرصة للمحافظين الجدد كي يفرضوا رؤيتهم وسياساتهم المتعلقة بالحرب الاستباقية والحرب ضد الإرهاب وتصوير التطرف الإسلامي على انه الخطر الاساسي الذي يهدد أمن الولايات المتحدة. ادت هذه العوامل إلى انتهاج الولايات المتحدة سياسة هجومية في المنطقة الامر الذي تجسد باجتياح افغانستان أولا ثم احتلال العراق وتهديد إيران وسورية بتغيير النظام القائم فيهما والضغط عل دول المنطقة لتخييرها بين الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة أو اعتبارها عدوا داعما للارهاب. وتزامنت هذه التوجهات مع سياسة نشر الديموقراطية المستندة إلى نظرية تقول ان الإرهاب يولد من رحم الدول القمعية، وان انظمة سياسية أكثر ديموقراطية من شأنها المساعدة على احتواء الاستياء والغضب اللذين يولدان الإرهاب. إلى جانب ذلك، أدت تبعات السياسة الأميركية إلى نتائج غير مباشرة كتقوية إيران واشتعال فتنة سنية - شيعية في العراق، وتصاعد الطموحات الكردية بشكل يقلق تركيا، وتسلل عناصر «القاعدة» إلى العراق، وما إلى ذلك انبثقت منها مخاطر وفرص اضافية توجب على الدول المحلية التفاعل معها.
بدأ التدخل الأميركي العسكري المباشر في الشرق الأوسط في الثمانينات مع مواكبة البحرية الأميركية السفن المخصصة لشحن النفط عبر الخليج، ثم تحول إلى التزام كامل في عامي 1990 و1991 حين قادت القوات الأميركية الحرب لإخراج القوات العراقية من الكويت، لكن اجتياح الولايات المتحدة للعراق واحتلاله في العام 2003 تركا نتائج أكثر خطورة، إذ اطاح اولا بالعراق كدولة اقليمية قوية، ما اوجد فراغا وبدل كليا موازين القوى التي كانت قائمة سابقاً، وعدل مفاعيل الاحتواء التي كانت تتميز بها هذه الدولة. وهو ثانيا اوجد فراغا داخليا في السلطة في العراق، وبدلا من ان يؤدي انهيار نظام صدام حسين إلى الديموقراطية اسفر عن انزلاق سريع نحو مستنقع الفوضى والحرب الاهلية المذهبية. لم يؤد هذا الواقع إلى خسائر عراقية فادحة بالارواح والممتلكات فحسب بل جر دولا اقليمية إلى التدخل. ثم، ثالثا، دفع هذا الاجتياح الجيش الأميركي إلى قلب الشرق الأوسط في إطار احتلال طويل الأمد وجدول اعمال عدائي ينادي بتغيير الانظمة الاقليمية ما اعاد احياء المشاعر المعادية للاستعمار التي طبعت العقود الماضية، وتماهى مع الخطاب المعادي للصليبيين الذي يحمل صدى اسلاميا وتاريخيا عميقاً.
جمال عبد الناصر
السادات في الكنيست الإسرائيلي
حافظ الأسد
هزيمة 67 شكلت نكسة للمشروع العربي وبداية التدخل الاميركي بقوة في المنطقة