اشتكى صديق لي بأنه لم يتمكن من دخول المسرح، لحضور حفل الفنان مارسيل خليفة، إذ قيل له: إن الحفل قد بدأ ولا توجد أماكن، سألته لماذا تأخرت؟ أجاب: عادة يقولون لك إن الحفل يبدأ في التاسعة، لكنه في واقع الحال يبدأ بعد ذلك بنصف ساعة أو ساعة، فقلت له: يعتمد على أسلوب الجهة المنظمة، إما أن تكون منساقة لثقافة الجمهور، وإما تكون ملتزمة وتحترم المواعيد التي تعلن عنها.
أتذكر عندما كنت مديراً للثقافة والفنون بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أني كنت أوجه اللجنة المنظمة لمهرجان القرين الثقافي، أن يفتحوا الستارة بالموعد المحدد حتى وإن كان الحضور شخصا واحدا، وهذا ينطبق على الندوات وغيرها من الأنشطة الثقافية، وبعد تكرار هذا الأسلوب بدأ الجمهور بالالتزام بدقة المواعيد.
فالثقافة السياسية هي مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف لأفراد المجتمع، وهي تختلف من شعب لآخر حسب تربية الدولة للناس، وهذه التربية تنطبق على كل شيء، مثل احترام القوانين المنظمة للمرور والحزم في التعامل مع من يرمي السجائر أو العلب وغيرها من السيارة إلى الشارع، والتسيب في العمل والتراخي وعدم احترام المواعيد.
فالثقافة السياسية والسياسة الثقافية لدى الشعوب الغربية، تختلف جذرياً عن ثقافة الشعوب العربية، ليس لأن تركيبهم الجيني يختلف عنا، ولكنهم تربوا وأُرغموا على سلوكيات تحولت إلى قيم مجتمعية، وعندما يسافر الإنسان العربي إلى أوروبا تتغير ثقافته فجأة بما يناسب قوانين وقيم هذا البلد أو ذاك، وهذا أيضاً ليس في المطلق، بل في كثير من الأحيان يظل الإنسان العربي متشبعاً بقيمه السلوكية التي اعتاد عليها في بلده، وهو بذلك يعكس ثقافة المجتمعات العربية أو على الأقل مجتمعه أمام الشعوب الأخرى.
وتنعكس هذه القيم على مفرداتنا فمثلاً نقول:«طارت الطائرة عني، أو فاتني القطار» أي نضع اللوم على الطائرة والقطار وليس على أنفسنا، بينما يقول الناطقون بالإنجليزية I miss the plane، أي يحمل نفسه مسؤولية عدم لحاقه بموعد الطائرة أو القطار.
الدولة هي التي تضع القيم والقوانين لتصبح سلوكاً وأعرافاً، وكذلك المؤسسة المعنية وأيضاً الأسرة، وحتى داخل المجتمع نفسه هناك عدة ثقافات وقيم، فكل مكون اجتماعي يرسم سياسته الثقافية.
وليد الرجيب
[email protected]