المسرحيتان أسدلتا الستار على عروض مهرجان الكويت للمونودراما

«الجزار» لامست الواقع في قالب ساخر... والختام «فزّاعة»

تصغير
تكبير
بين «جزار» و«فزاعة»، «تعلّقت» عروض مهرجان الكويت للمونودراما الثاني طوعاً مساء أول من أمس على مسرح الدسمة، قبل الختام بيوم واحد. العرضان المسرحيان، قدمتاهما تباعاً فرقة باك ستيج قروب وفرقة تواصل المسرحية (جامعة السلطان قابوس - سلطنة عمان)، وكان لكل منها نكهتها الخاصة.

نادراً ما نجد «جزاراً» يمارس بشاعته في ذبح ضحاياه، وفي الوقت نفسه يملك روحاَ مرحة وساخرة في وصفه للأوضاع. عرض «الجزار» جاء مغايراً لكل العروض السابقة، فقط لأن مؤلف العمل ومخرجه الفنان محمد الحملي، وبطل العرض عبدالله الخضر. والحملي كما هو معروف، يقدم أعمالاً مسرحية تلامس الواقع المعاش ويطرح قضايا اجتماعية وسياسية تشغل اهتمامات الشارع الكويتي، ولكن في قالب يعتمد الفرجة والإبهار مستغلاً أدواته.

وضع الحملي يده في هذا العرض على موضوع اجتماعي لم يخل من نقد لأوضاع سياسية غير متزنة، عندما طرح قضية الظلم على المسرح ليشرح الأسباب ويعري كل من يحاول تبرير ما اقترفه بحق الآخرين، وذلك من خلال قصة شاب والده أحد كبار الجزارين، يرحل ويترك له محل الجزارة الأشهر في الديرة، ويجد الشاب نفسه مضطراً لأن يتولى مسؤولية إدارة المكان، لكنه يتفاجأ بشريك والده وقد استولى على إرثه وتسلل إلى منزله ليتزوج والدته، ويقارب هذا الشاب إلى أن يتخرج في كلية الطب ويصبح الدكتور عبدالله الجزار. وفي محاولة لغرس قيم التسامح والوفاء ومد يد العون لكل من حوله، حتى من ظلمه، يصطدم عبدالله بشريك والده على سرير المرض، يحاول مساعدته متناسياً ما قد فات، ولكن يسبق السيف العزل ويرحل الرجل المسن ويترك خلفه عبدالله يواجه اتهامات الناس له بجريمة لم يرتكبها، فتستفزه تلك الاتهامات إلى أن يقرر الانتقام لنفسه من هذا الجسد المسجى على فراش الموت ويقطع أشلاءه لينضم بذلك إلى ركب الجزارين.

وبالرغم من عمق الموضوع وحساسية تلك الفكرة، إلا أن الحملي مؤلفاً، صاغها بحس ساخر نقله لنا الخضر بتمكن وحرفية عالية، فأثار موجة من الضحك بين الجمهور، لا سيما وأنه ممثل متمكن من أدواته، تجمعه الكاريزما والحملي، وتناغمهما ينعكس على الخشبة.

وبالرغم أيضاً من أنه عمل ممثل واحد، إلا أن الخضر ملأ المسرح بنشاطه وتحركاته الواعية وتلون أدائه وخروجه من شخصية إلى أخرى بذكاء، بينما كانت السينوغرافيا معبرة وتحاكي فكرة العمل، فكنا أمام قطع ديكور ملطخة بالدماء كل ما فوق الخشبة يوحي بالظلم حتى دقائق الظلام التي عبرت عن الحالة النفسية لبطل المسرحية.

الندوة التطبيقية

عقب العرض، أقيمت ندوة تطبيقية خاصة به، بحضور مؤلف ومخرج العمل محمد الحملي، الممثل عبدالله الخضر، وأدار الندوة الناقد علاء الجابر.

وكان لمداخلات بعض الحضور نكهتها في نقاش العرض، إذ قال الناقد عبد المحسن الشمري: «العمل المونودرامي الذي شاهدناه لناحية النص، فهو يحمل ملامح المونودراما، ولكنه يحتاج الى بعض التعديل والحذف، إذ يحمل فكرة خطيرة وعميقة، وأتمنى من الممثل عبد الله الخضر أن يحافظ على النص وعدم الخروج عنه».

أما طالب البلوشي فقال: «النص أخذنا إلى مسافات بعيدة جداً، وقد جاء في وقته المناسب لما نعيشه من ظلم. لذا، استطاع الخضر أن يجذبنا برسالته بشكل كوميدي والمؤثرات الصوتية كانت جميلة، ولكن الكتل على الخشبة كانت كبيرة».

من جانبه، قال عدنان الصالح: «السينوغرافيا كانت جميلة، ولكن ينقصها النسبة والتناسب بين القطع، ومن وجهة نظري ليس من داع ذكر قبلة الصلاة في النص، هذا با?ضافة إلى بشاعة المشهد الختامي للعمل».

وفي مداخلة من الفنان أحمد إيراج، قال: «إذا خرج الجمهور من العرض مستمتعاً، فهذا يؤكد نجاح العرض المسرحي في كل تفاصيله، بالإضافة إلى لياقة الفنان عبد الله الخضر على خشبة المسرح».

الكاتبة ليلى العثمان أكدت على كلام إيراج، وقالت: «أمتعتونا نصاً وتمثيلاً، فنحن أصبحنا بحاجة إلى الكوميديا في أعمالنا التي اتسمت بالمأسوية، فالنص كوميديا خفيف الظل».

كما كانت للمحامية نجلاء النقي إشادة للعرض فقالت: «العمل بالفعل أمتعنا وحاكى واقعنا وقضايانا وهمومنا بشكل كوميدي، لأننا سئمنا الصراخ والسب والعنف السائد بالكآبة في مسلسلاتنا». من جانبه، أكد المخرج محمد الحملي أنه أعطى الحرية الكاملة لبطل المسرحية الخضر في التعامل مع النص أثناء العرض المسرحي، لافتاً إلى أن قضية الاظلام لا يحبذها لأنها تخفي من كوميديا الممثل.

وأشار إلى «أن النص تعرّض للتعديل والحذف أثناء الكتابة، وما قيل حولة بشاعة المشهد الأخير فنحن يومياً نتلقى عبر الهاتف الكثير من مقاطع الفيديو البشعة».

وفي نهاية الندوة تقدم رئيس ومؤسس مهرجان المونودراما بتقديم درع التكريم للقائمين على عرض «الجزار».

«فزاعة»

اختتمت فرقة تواصل المسرحية – جامعة السلطان قابوس، عروض مهرجان الكويت للمونودراما بدورته الثانية، مساء أول من أمس على مسرح الدسمة، من خلال مونودراما «فزاعة»، التي كانت فعلاً مسكاً للختام.

عنوان المونودراما «فزاعة» أو «خيال مآتة»، وهي دمية عادة على شكل الإنسان الفلاح، مصنوعة من القش المخبأ في ثياب.

تستخدم الفزاعات عادة لإخافة الطيور لمنعها من التغذي على الحبوب والنباتات الصغيرة، أو كأهداف للتدريب على الرمي أو ضربات السيف أو كدمى للحرق، وفي العرض يلقي أحد الفلاحين بالفزاعة في قبو مظلم، بعد أن يستغني عنها، فهي لا تتحرك ولا تعطي أي رد فعل مناسب، أي مسلوبة الإرادة، تريد هذه الفزاعة أن تنبض فيها الحياة، بالخروج من هذا السجن أو القبو، لكن جل محاولتها باءت بالفشل، فتبقى مجرد دمية، بلا حياة، لا تتحرك ولا تدافع حتى عن نفسها، وأصبحت مكاناً لتفريغ مخلفات الطيور.

ترمز «الفزاعة» في هذا العرض إلى الإنسان المغلوب على أمره، المسلوب لأبسط حقوقه وهو التمتع بالحرية. أما «الفلاح»، فهو القوة المتسلطة صاحبة الجبروت.

قدم الفنان عبدالحكيم الصالحي أداءً رفيعاً ومتقناً ورشاقة، سواء كان في التلوين الصوتي أو التمثيل الصامت، إضافة إلى مخارج الحروف السليمة، لذا يستحق التحية والتقدير والتشجيع على الاستمرار في هذا المجال، لأنه مفاجأة من العيار الثقيل.

ندوة العرض

بعد المسرحية، أقيمت الندوة التطبيقية الخاصة بها، وأدارها م. وائل المطوع رئيس رابطة أعضاء هيئة التدريب وشارك فيها المخرج خليل البلوشي والفنان عبدالحكيم الصالحي.

في البداية، تحدث علاء الجابر قائلاً: «أتوقف كثيراً عند التمثيل، وكأن هناك مباراة في التمثيل من خلال الشخصية التي أداها الممثل وأعطانا دروساً في التمثيل. وتمنيت أن يكونوا طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية متواجدين وقلة من يؤدي ذلك، والعرض شابه بعض الإشكالات مثل أماكن ظلمتها الإضاءة وأيضاً حركة الممثل التي تم تركيزها على الجسد، ما عدا الوجه. وأيضاً عندما أدى أغنية، فقد أداها كإنسان ولم يكن الصوت المناسب للفزاعة، أما مشهد الختام فكان جميلاً».

وشارك أيضاً إبراهيم بوطيبان قائلاً: «العرض يليق بسلطنة عمان واستمتعت جداً فيه، خصوصاً في عروض المونودراما، وهي نقطة إيجابية للمخرج والممثل وكذلك بقية عناصر المسرحية».

بعده تحدثت الفنانة هدى الخطيب قائلة: «العرض متكامل، يملك نسيجاً سلساً ومرناً، ووجدت أمامي عرضاً واقعياً وكذلك سلامة اللغة العربية الفصحى».

كما شارك في الندوة هشام الرفاعي الذي اعتبر أن العرض أظهر حانب الفزاعة وموهبة الفنان التي طغت على العرض.

وقام الفنان عبدالعزيز الحداد بتهنئة الوفد العماني على ما قدمه، لافتاً إلى أنه تفاجأ بعرض مونودرامي حقيقي وأنه كان لديه لوم على النص، وكان يتمنى ألا تكون هناك أصوات تسجيلية أدت إلى أن ينفصل الجمهور عن الممثل».

بعدها تحدث المخرج خليل البلوشي/ مثمناً آراء جميع من شاركوا في المؤتمر وأعطى دافعاً له ليعمل، مشيراً إلى أنه سيأخذ بجميع ما قيل له وأن الملاحظات ستكون ذات أهمية بالنسبة إليه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي