د.فهيد البصيري / حديث الأيام

مراحل انهيار الدول

تصغير
تكبير
عندما يلجأ الناس إلى النظم المجتمعية القديمة كالطائفية والقبلية والعائلية فهذا يعني انهيار مؤسسات الدولة الحديثة.

وصحيح أن القبيلة شكل من أشكال النظم الاجتماعية، وقد تكون مكوناً من مكونات الشعب، إلا أنها كمنظومة سياسية تعتبر شكلاً بدائياً من أشكال النظم السياسية لا تستطيع الحياة في عالم اليوم ولا تنتمي له.


والقبيلة ليست مكوناً عربياً نادراً، فالقبائل (الجيرامانية، والسلت، والفندال، وغيرها) اكتسحت أوروبا في القرون الوسطى، ولكن الله على كل شيء قدير، فهذه القبائل البدائية أصبحت اليوم دولاً متحضرة وكأنها لم تمر بمرحلة القبيلة في حياتها.

ومشكلة القبلية أو ترويض القبيلة مشكلة عانى منها الاستعمار التركي لمدة أربعة قرون، وتوصل إلى فكرة بسيطة وهي استخدام النزعة القبلية في السيطرة على العراق والجزيرة العربية، ولما جاء الإنجليز لقوا ما لقي العثمانيون واصطدموا مع القبائل العراقية، وحاولوا أن يضعوا نظاما ديموقراطيا حديثا، ولكن لا فائدة فالنزعة القبلية مازالت حاضرة وقوية في الأذهان، وقد واجه الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله نفس المشكلة مع القبائل العربية في الجزيرة، ولكنه استطاع ترويضها بالدين، وقمعها في النهاية بعد أن أصبحت تهدد كيان الدولة الحديثة التي حارب من أجل خلقها.

وفي النهاية انخرطت هذه القبائل في بناء الدول السياسية الحديثة في الكويت والعراق والسعودية والشام، طبعا بمساعدة الاستعمار، وللأمانة ومن خلال شهادة الأجداد كانت مشاركة هذه القبائل في بناء هذه الدول الناشئة نابعاً من نضج ووعي هذه القبائل بأفضلية الدولة كمنظومة سياسية تحقق للجميع الكرامة والعيش والأمان بعد أن ذاقوا وخبروا الأمرين من النظام القبلي المتخلف، وهو وعي يفوق بكثير ما نشاهده اليوم من شباب القبائل!

إلى هذا الحد انتهى دور القبائل وجاء دور الدولة في تأهيل المواطنين وبناء الإنسان الحديث، ولكن من سخرية القدر أن الأحزاب السياسية والجمهوريات والدول العربية الحديثة فشلت فشلا ذريعا في خلق كيان سياسي يضمن العدل والمساواة والعيش الكريم، ولا حظ أنني لم أقل الحرية. ولذا فشلت في إقناع المواطن بأهمية النظم السياسية الحديثة لإدارة الدولة، بل إن الحكومات العربية في كثير من الأحيان تستخدم البعد الطائفي، والقبلي في تفتيت المجتمع للسيطرة عليه خشية من تكون وعي سياسي بحقوق المواطنة، فهي من ناحية تهمل دورها في إدارة الدولة وخلق روح المواطنة الصحيحة، ومن ناحية أخرى تروج لفلسفة الطائفة والقبيلة!

ومن هنا بدأت المجتمعات العربية وهي عشائرية أيضا بالانصراف عن أنظمة الدول السياسية الحديثة غير المقنعة إلى الأنظمة البديلة. والتي هي موجودة وحية في أذهان الناس نتيجة لقربها الزمني ونتيجة لإنعاش الدولة لهذه الأنظمة البدائية في سياساتها التسلطية.

وهذا ما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين، حيث لجأ الناس للقيم والأحكام العشائرية، مع الفارق أن السبب الرئيسي في هذا النكوص الاجتماعي نحو البدائل البدائية هو تفكيك (بول بريمر) لأجهزة الدولة الأمنية والدفاعية، وعندما عجزت الدولة العراقية الحديثة عن تحقيق الأمن والعدل بين المواطنين لجأ الناس إلى الأنظمة الأقل كفاءة ولكنها أكثر تأثيرا وفاعلية ولو بشكل بدائي.

اليوم في الكويت نشاهد بين فترة وأخرى إعلانات ومواقف تقوم على فرز قبلي بحت وتخوض في شؤون الحياة السياسية والاجتماعية، بل وصل الأمر بهذه القبائل إلى مستوى الدعم السياسي الدولي للصراعات الإقليمية في المنطقة!

والمثير في الموضوع أن هذا الانحراف الفكري في المجتمع نحو القبلية أو الطائفية لم يكن موجودا في فترة الستينات أو السبعينات،فما الذي حدث؟

لا شك أن القبيلة أو الطائفة غير مسؤولة عن هذا النكوص الفكري أو التقهقر الاجتماعي، ولكن المشكلة تقع في مؤسسات الدولة نفسها، والتي لم تعد قادرة على إقناع المجتمع بحيادها وعدالتها، وهو ما اضطر المجتمع إلى اللجوء إلى النظم الاجتماعية القديمة لعله يجد فيها حلاً لمشاكله.

Fheadpost@gmial،com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي