خواطر تقرع الأجراس / أدونيس... المثنى والمثلث
| مصطفى سليمان |
من يقرأ أدونيس شاعراً، ومفكِّرا نقديّاً تنظيرياً، يخرج بنتيجة (ديالكتيكية) وهي أنه في جدلية دائمة، صراعاً وتناقضاً. وهذه قضية فنية وفكرية عند شعراء مارسوا النقد أيضاً وأبدعوا في الفنين. وقارئ توماس إليوت، شاعراً وناقداً، يعرف مدى التأثير العميق الذي تركه في الحركة الشعرية والنقدية في الشعر العالمي والعربي معاً.
في حين كان العقاد النموذج العربي لهذه الثنائية. مع اختلاف في تقييم شعره فنياً.
وأما أدونيس، الباحث والناقد والمنظِّر، فهو (شبه نقيض)، أو متناقض، بل ومتصارع مابين فنَّي الشعر والنقد. الشعر له وجهه العقلاني والفلسفي أيضاً وليس مجرد وجدانيات ورومانسيات وهلوسات ذاتية، بشرط أن يتماهى الفني مع الفكري تماهياً مبدعاً.
فأدونيس الناقد والمنظِّر يهاجم، شعراً وفكراً، (الخلافة) كنظام تاريخاني ومفهوم سياسي ديني، وللأسف مذهبي، من دون أن يصرّح بهذا. فحين يتناول (الإمامة) في فكره تراه مناصراً فلسفتَها، وفي شعره تجده مهاجماً منهجها!
ففي كتابه (الثابت والمتحول) يرى أن الخلافة: «استمرار للأصل يزيد في تأصيله، وليست أي نوع من أنواع التغيير أو الخروج. فالأسس فيها الاتباع لا الاجتهاد ولا الإبداع، وإذا كان ثمة إبداع فلِكي يؤكد ثبات الأصل وإطلاقه، وليس لكي يزيد عليه شيئاً يُشكّك في أصليته، أو يؤدي إلى تجاوزه».
أمّا «الإمامة كنظرية فقد نشأت في مناخ التشييع، ولعبت دوراً حاسماً في التحول الثقافي العربي». لكنه في ديوان (أغاني مهيار الدمشقي)، وفي قصيدة وجه مهيار يقول:
وجه مهيار نارْ/ تحرق أرض النجوم الأليفةْ/ هوذا يتخطى تخوم الخليفةْ/ رافعاً بيرق الأفولْ/ هادماً كل دارْ/ هوذا يرفض الإمامةْ/.
فلماذا يهاجم الخلافة، كباحث وشاعر، ويمجّد الإمامة، كباحث فكري، ثم يرفضها كشاعر؟
وسأقتبس من شعره حواراً يقول في إحدى قصائده: «مَن أنت؟ من أي الذّرا أتيت؟. يا لغة عذراء لم يعرفها سواكْ. ما اسمكَ؟. أيَّ راية حملتَ أو رميتْ»؟
ومن قصيدة أخرى أقتبس: «مزدوجٌ أنا. مثلّثٌ... وعلى جبيني قناع من الموج...».
أدونيس المزدوج يحيلنا إلى العقيدة الثنوية في اللاهوت الفارسي والهندي القديم، والمانوية والتناسخ والتقمص... وفي أشعاره إشارات كثيرة إلى هذا، خصوصا للنار، فهي مقدسة عنده ولها في دواوينه تجليات شتّى قد نعود إليها لأهميتها.
وأما أدونيس المثلث فيحيلنا إلى عقيدة التثليث المسيحية. ولا ننسَ أن رسالته للدكتوراه أشرف عليها الأب اليسوعي (لامَنْس) في الجامعة اليسوعية ببيروت. ولا غضاضة في أي مَيل أو هوىً وثني أو ديني أو مذهبي لأي شاعر أو إنسان... لكنه في شعره ترى عنده التناقض الجدلي، أو الثنوية الفنية والفكرية. يقول: «من أنتَ، من تختار يا مهيارْ؟/ أنّى اتّجهتَ: اللهُ أو هاويةُ الشيطانْ.
التناقض، والثنوية، والثالوثية، والانشطارية، والتّشظي الفكري والفني... مظاهر طاغية عند هذا الشاعر المثير، والمبدع بلا شك. والتناقض عنده تجده أحياناً مقصوداً، وكأنه يريد أن يرسّخ فكرة الثنوية في الشعر، كما هي في الكون والطبيعة والحياة منذ بداية الخلق.
يعلن:«سأناقض نفسي، سأضيف إلى معجمي: لغتي لست منها. فمي لم يكن مرةً فمي».
«مزجت بين النار والثلوجْ/ لن تفهم النيران غاباتي ولا الثلوجْ»
ويبقى شعر أدونيس منجماً فكرياً وفنياً يثير الإعجاب والرفض والقبول... والذهول!
*كاتب سوري
في حين كان العقاد النموذج العربي لهذه الثنائية. مع اختلاف في تقييم شعره فنياً.
وأما أدونيس، الباحث والناقد والمنظِّر، فهو (شبه نقيض)، أو متناقض، بل ومتصارع مابين فنَّي الشعر والنقد. الشعر له وجهه العقلاني والفلسفي أيضاً وليس مجرد وجدانيات ورومانسيات وهلوسات ذاتية، بشرط أن يتماهى الفني مع الفكري تماهياً مبدعاً.
فأدونيس الناقد والمنظِّر يهاجم، شعراً وفكراً، (الخلافة) كنظام تاريخاني ومفهوم سياسي ديني، وللأسف مذهبي، من دون أن يصرّح بهذا. فحين يتناول (الإمامة) في فكره تراه مناصراً فلسفتَها، وفي شعره تجده مهاجماً منهجها!
ففي كتابه (الثابت والمتحول) يرى أن الخلافة: «استمرار للأصل يزيد في تأصيله، وليست أي نوع من أنواع التغيير أو الخروج. فالأسس فيها الاتباع لا الاجتهاد ولا الإبداع، وإذا كان ثمة إبداع فلِكي يؤكد ثبات الأصل وإطلاقه، وليس لكي يزيد عليه شيئاً يُشكّك في أصليته، أو يؤدي إلى تجاوزه».
أمّا «الإمامة كنظرية فقد نشأت في مناخ التشييع، ولعبت دوراً حاسماً في التحول الثقافي العربي». لكنه في ديوان (أغاني مهيار الدمشقي)، وفي قصيدة وجه مهيار يقول:
وجه مهيار نارْ/ تحرق أرض النجوم الأليفةْ/ هوذا يتخطى تخوم الخليفةْ/ رافعاً بيرق الأفولْ/ هادماً كل دارْ/ هوذا يرفض الإمامةْ/.
فلماذا يهاجم الخلافة، كباحث وشاعر، ويمجّد الإمامة، كباحث فكري، ثم يرفضها كشاعر؟
وسأقتبس من شعره حواراً يقول في إحدى قصائده: «مَن أنت؟ من أي الذّرا أتيت؟. يا لغة عذراء لم يعرفها سواكْ. ما اسمكَ؟. أيَّ راية حملتَ أو رميتْ»؟
ومن قصيدة أخرى أقتبس: «مزدوجٌ أنا. مثلّثٌ... وعلى جبيني قناع من الموج...».
أدونيس المزدوج يحيلنا إلى العقيدة الثنوية في اللاهوت الفارسي والهندي القديم، والمانوية والتناسخ والتقمص... وفي أشعاره إشارات كثيرة إلى هذا، خصوصا للنار، فهي مقدسة عنده ولها في دواوينه تجليات شتّى قد نعود إليها لأهميتها.
وأما أدونيس المثلث فيحيلنا إلى عقيدة التثليث المسيحية. ولا ننسَ أن رسالته للدكتوراه أشرف عليها الأب اليسوعي (لامَنْس) في الجامعة اليسوعية ببيروت. ولا غضاضة في أي مَيل أو هوىً وثني أو ديني أو مذهبي لأي شاعر أو إنسان... لكنه في شعره ترى عنده التناقض الجدلي، أو الثنوية الفنية والفكرية. يقول: «من أنتَ، من تختار يا مهيارْ؟/ أنّى اتّجهتَ: اللهُ أو هاويةُ الشيطانْ.
التناقض، والثنوية، والثالوثية، والانشطارية، والتّشظي الفكري والفني... مظاهر طاغية عند هذا الشاعر المثير، والمبدع بلا شك. والتناقض عنده تجده أحياناً مقصوداً، وكأنه يريد أن يرسّخ فكرة الثنوية في الشعر، كما هي في الكون والطبيعة والحياة منذ بداية الخلق.
يعلن:«سأناقض نفسي، سأضيف إلى معجمي: لغتي لست منها. فمي لم يكن مرةً فمي».
«مزجت بين النار والثلوجْ/ لن تفهم النيران غاباتي ولا الثلوجْ»
ويبقى شعر أدونيس منجماً فكرياً وفنياً يثير الإعجاب والرفض والقبول... والذهول!
*كاتب سوري