الأجوبة المفيدة عن أسئلة العقيدة

u0627u0644u0623u0633u062au0627u0630 u0627u0644u062fu0643u062au0648u0631 u0648u0644u064au062f u0627u0644u0639u0644u064a
الأستاذ الدكتور وليد العلي
تصغير
تكبير
زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أمور تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، والعميد المساعد بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.

وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة ([email protected]) أو فاكس رقم: (24815921)

أهل السنة وأهل الابتداع

انَّ السُّنَّة حصن الله الحصين، الذي من دخله كان من الآمنين، وبابه الأعظم الذي من دخله كان اليه من الواصلين، تقوم بأهلها وان قعدت بهم أعمالهم، ويسعى نورها بين أيديهم اذا طُفئت لأهل البدع أنوارهم، فأهل السُّنَّة هُم المُبيضَّة وجوههم اذا اسودَّت وُجوه أهل البدعة، قال تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ).

قال ابن عبَّاسٍ: (تبيضُّ وُجوه أهل السُّنَّة والائتلاف، وتسودُّ وُجوه أهل البدعة والتَّفرُّق).

وهي الحياة والنُّور اللَّذان بهما سعادة العبد وهُداه وفوزه، قال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا).

فصاحب السُّنَّة حيُّ القلب مُستنيره، وصاحب البدعة ميِّت القلب مُظلمه، وقد ذكر الله سُبحانه هذيْن الأصليْن في كتابه في غير موضعٍ، وجعلهما صفة أهل الايمان، وجعل ضدَّهما صفة من خرج عن الايمان.

فانَّ القلب الحيَّ المُستنير: هُو الذي عقل عن الله وفهم عنه، وأذعن وانقاد لتوحيده ومُتابعة ما بعث به رسوله وآله.

والقلب الميِّت المُظلم: الذي لم يعقل عن الله، ولا انقاد لما بعث به رسول الله، ولهذا يصف سُبحانه هذا الضَّرب من النَّاس بأنَّهم أمواتٌ غير أحياءٍ، وبأنَّهم في الظُّلمات لا يخرجون منها، ولهذا كانت الظُّلمة مُستولية عليهم في جميع جهاتهم، فقُلُوبهم مُظلمةٌ ترى الحقَّ في صُورة الباطل، والباطل في صُورة الحقِّ، وأعمالهم مُظلمةٌ، وأقوالهم مُظلمةٌ، وأحوالهم كُلُّها مُظلمةٌ، وقُبُورهم مُمتلئةٌ عليهم ظُلمة، واذا قُسمت الأنوار دُون الجسر للعُبُور عليه بقُوا في الظُّلمات، ومدخلهم في النَّار مُظلمٌ، وهذه الظُّلمة هي التي خُلق فيها الخلق أولاً، فمن أراد الله سُبحانه وتعالى به السَّعادة أخرجه منها الى النُّور، ومن أراد به الشَّقاوة تركه فيها، كما روى الامام أحمد وابن حبِّان في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النَّبيِّ أنَّه قال: (انَّ الله خلق خلقه في ظُلمةٍ، ثُمَّ ألقى عليهم من نُوره، فمن أصابه من ذلك النُّور اهتدى، ومن أخطأه ضلَّ، فلذلك أقول: جفَّ القلم على علم الله).

وكان النَّبيُّ يسأل الله تعالى أن يجعل له نُوراً في قلبه وسمعه وبصره وشعره وبشره ولحمه وعظامه ودمه ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وخلفه وأمامه، وأن يجعل ذاته نُورا، فطلب النُّور لذاته ولأبعاضه ولحواسِّه الظَّاهرة والباطنة ولجهاته السِّتِّ.

وقال أبيُّ بن كعبٍ رضي الله عنه: (المُؤمن مدخله من نُورٍ، ومخرجه من نُورٍ، وقوله نُورٌ، وعمله نُورٌ).

وهذا النُّور - بحسب قُوَّته وضعفه - يظهر لصاحبه يوم القيامة، فيسعى بين يديه ويمينه، فمن النَّاس من يكون نُوره كالشَّمس، وآخر كالنَّجم، وآخر كالنَّخلة السَّحُوق، وآخر دُون ذلك، حتَّى انَّ منهم من يُعطى نُوراً على رأس ابهام قدمه، يُضيء مرَّة ويطفأ أُخرى، كما كان نُور ايمانه ومُتابعته في الدُّنيا كذلك، فهُو هذا بعينه يظهر هُناك للحسِّ والعيان، وقال سُبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا اِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الاِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا).

فسمَّى وحيه وأمره رُوحاً لما يحصل به من حياة القُلوب والأرواح، وسمَّاه نُوراً لما يحصل به من الهُدى واستنارة القُلوب والفُرقان بين الحقِّ والباطل، فأخبر تعالى أنَّه جعل أمره رُوحاً ونُوراً وهُدى، ولهذا ترى صاحب اتِّباع الأمر والسُّنَّة قد كُسي من الرُّوح والنُّور وما يتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرمه غيره، كما قال الحسن رحمه الله: (انَّ المُؤمن من رُزق حلاوة ومهابة).

وقال الله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ اِلَى الظُّلُمَاتِ).

فأولياؤهم يُعيدونهم الى ما خُلُقوا فيه من ظُلمة طبائعهم وجهلهم وأهوائهم، وكُلَّما أشرق لهم نُور النُّبوَّة والوحي، وكادوا أن يدخلوا فيه: منعهم أولياؤهم منه وصدُّوهم، فذلك اخراجهم ايَّاهُم من النُّور الى الظُّلمات.

وقال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا).

فاحياؤه سُبحانه وتعالى برُوحه الذي هو وحيه -وهو رُوح الايمان والعلم-، وجعل له نُوراً يمشي به بين أهل الظُّلمة، كما يمشي الرَّجل بالسِّراج المُضيء في اللَّيلة الظَّلماء، فهو يرى أهل الظُّلمة في ظُلامتهم وهُم لا يرونه، كالبصير الذي يمشي بين العُميان.

والخارجون عن طاعة الرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم ومُتابعتهم يتقلَّبُون في عشر ظُلماتٍ: ظُلمة الطَّبع، وظُلمة الجهل، وظُلمة الهوى، وظُلمة القول، وظُلمة العمل، وظُلمة المدخل، وظُلمة المخرج، وظُلمة القبر، وظُلمة القيامة، وظُلمة دار القرار، فالظُّلمة لازمةٌ لهم في دُورهم الثَّلاثة.

وأتباع الرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم يتقلَّبُون في عشرة أنوارٍ، ولهذه الأُمَّة من النُّور ما ليس لأُمَّةٍ غيرها، ولنبيِّها وآله من النُّور ما ليس لنبيٍّ غيره، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

وفيه اعلامٌ بأنَّ تصرُّفهم وتقلُّبهم الذي ينفعهم انَّما هُو النُّور، وأنَّ مشيهم بغير النُّور غير مجدٍ عليهم ولا نافعٍ لهم، بل ضرره أكثر من نفعه، وفيه أنَّ أهل النُّور هُم أهل المشي في النَّاس، ومن سواهم أهل الزَّمانة والانقطاع، فلا مشي لقُلُوبهم ولا لأحوالهم ولا لأقوالهم ولا لأقدامهم الى الطَّاعات، وكذلك لا تمشي على الصِّراط اذا مشت بأهل الأنوار أقدامهم، فانَّهم يمشون على الصِّراط بأنوارهم كما يمشون بها بين النَّاس في الدُّنيا، ومن لا نُور له فانَّه لا يستطيع أن ينقل قدماً عن قدمٍ على الصِّراط، فلا يستطيع المشي أحوج ما يكون اليه، والله المُستعان.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي