مشهد / صراع الإرادات

| د. زياد الوهر |


صادف أن قرأتُ أخيرا في الصحف المحلية أن البرلمان الألماني «البوندستاج»، قد صادق بالأغلبية على قانون يضمن حُصة للنساء بنسبة ثلاثين في المئة من قيادات أكثر من 100 شركة على أن يدخل هذا القانون حيز التنفيذ في العام 2016. وقد اعتبر وزير العدل الألماني أن هذا القانون هو أكبر مساهمة في مجال المساوة بين الجنسين منذ إدراج حق المرأة في التصويت في عام 1918. خضع القانون قبل المصادقة عليه للنقاش والتعديل على مدار سنوات وكان التيار المحافظ الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مترددا بشأنه في الوقت الذي سعى فيه الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى تحديد هذه الحصص قانونيا. ورغم أن أكبر اقتصاد في أوروبا تحكمه امرأة وتمثل النساء حوالي 40 في المئة من أعضاء مجلس الوزراء إلا أن المرأة مازالت ممثلة بشكل ضعيف في مجتمع الأعمال، وقد سبقتها النرويج في هذا المجال، ففي 2003 أصبحت أول دولة في العالم تفرض حُصة للمرأة لا تقل عن 40 في المئة من أعضاء مجالس إدارات الشركات. خبرٌ كهذا اضطررت للتوقف عنده كثيرا وذلك حسب علمي أن المرأة في المجتمعات الغربية قد تم منحها الحرية المطلقة في كل مناحي الحياة ابتداءً من المناصب السياسية العليا والقضائية والدبلوماسية والبرلمانية وغيرها. كما تم منحها هناك معظم حقوقها الشخصية والاجتماعية والأسرية من حقوق الطلاق ورعاية الأولاد وغيرها. ومثار الاستغراب هنا أن المرأة في الغرب ما زالت تشعر بأن حقها مغبون وأن ما يجب أن تتمتع به من الحريات قد ضيقته القوانين التي كانت لقرون تقبع تحت سلطة الرجل المطلقة. والغريب هنا أن المجتمعات الغربية ومنها ألمانيا على سبيل المثال تتمتع فيها المرأة بالحرية ولا يمنع وصولها للمراكز القيادية سوى الكفاءة فهي المعيار الحقيقي لديهم وليس الجنس ولا النسب والحسب ولا القبيلة أو العشيرة، فكيف لها إذاً أن تطالب بحصة في المناصب القيادية في كبرى الشركات بتشريعٍ قانوني وكأنها تريد أن توصل رسالة للرجل مفادها أن سلطاتك الخفية لا بد أن تنتهي بإقرار قانون كهذا لتشارك المرأة في صناعة القرار وتنفيذه في الشركات العملاقة. عقدة النقص والضعف تلك تعاني منها الكثير من النساء في الدول الغربية والعربية على حد سواء حتى أنه قد وصل الحد إلى مطالبة بعض النواب النساء في أحد البرلمانات الآسيوية بتشريع قانون يُلزم أصحاب العمل على تعيين النساء «الغير جميلات» في الشركات ومؤسسات الدولة... طبعا لم يتم إقرار القانون مطلقا لسطحية الطرح وصاحَبَه استهجان الرجال للدرجة التي وصلت إليها المرأة في مطالباتها الغريبة تحت قُبّة البرلمان. هذه العقدة المفروض أننا تجاوزناها كمسلمين منذ أنعم الله علينا بنعمة الإسلام حين منح للمرأة حقوقا تاريخية لم يسبقه فيها أحد، ولكن المشكلة تكمن في العادات والمواريث الشعبية والاجتماعية التي أكلت الكثير من حقوق المرأة وقهرتها وتعرضت في مجتمعاتنا للمزيد من القهر والجور تحت حجج واهية وأسباب تافهة وغياب شبه تام للقوانين المنظمة للمرأة وحقوقها. والحمد لله أن الكثير من دولنا العربية أخيرا قد سنّت بعض القوانين وصاغتها بشكل يتلاءم مع روح الإسلام ويتطابق مع متطلبات العصر الحديث، فدخلت المرأة البرلمان والوزارة وقادت الكثير منهن بعض الشركات الكبيرة وحققن نجاحات باهرة في الإدارة والقيادة والتطوير المهني.. ناهيك عن دور المرأة الريادي في مجالي الصحة والتربية والتي تفوقت فيها بكل جدارة على منافسها التاريخي الرجل الذي طفق يبحث عن نوعٍ معين من الأعمال التي تجلب له المال بعيدا عن التطوير والإبداع والتميز. ورغم هذا التطور الاجتماعي والقانوني في العالم العربي والذي ظهرت بوادره مع دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة في بدايات القرن الماضي، إلا أننا ما زلنا نشهد الكثير من حالات القهر والإيذاء للمرأة إن كان على المستوى الشخصي أو على مستوى المجتمعات ومن الواضح أن الأسباب قد تكون متنوعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر قلة التعليم وبعض العُقَد الشعبية الموروثة منذ مئات السنين والتي لا يزال يتمسك بها الرجل معتمدا فيها على قوته الجسدية ورجولته التي منحه الله إياها ليعدل ويكون خليفته في الأرض. وتأتي قضية الميراث على رأس المشاكل التي واجهتها المرأة وما زالت من هضمٍ لحقوقها حين يبتلع الرجل ما استطاع من حقوقها التي ضمنها لها الشرع كحق لها من والديها حين توافي أحدهم المنية ولديه من الأملاك ما يستحق الطمع والاحتيال. فكم من امرأة فقدت حقوقها لا لشيء إلا لأنها أنثى، ففي عُرف البعض أنها يجب أن لا ترث أرضا أو عقارا فهذا يضر بسمعة العائلة ويذهب بأملاك الأسرة لأناس آخرين. والمرأة هنا لا بد لها أن تكافح كفاحا قويا ومدروسا ومنظما من أجل انتزاع حقوقها من بعض الرجال المتسلطين وخاصة أن الحقوق لا تُمنح ولكنها تُنتزع انتزاعا مثلها مثل الحرية التي تَغنّى فيها الشعراء والأدباء طوال التاريخ البشري. سيدتي.. إن دورك الأسري نحو الزوج والأولاد هو محور بناء الأسرة التي هي اللبنة الأولى لبناء المجتمعات، واندفاعك نحو العمل نُشجعه وندفع باتجاه تحقيقه، ولكن وأثناء صعودك لسلم الإنجازات وتحقيق المطالب وصراعك العنيف في عالم لا يعترف إلا بالذكورة، أتمنى ألا تنسي أنّ لك بيتاً وأسرة تحتاج رعايتك تماما مثل العمل بل وأكثر.