«الراي» تحدثت إلى أبو خليل وبقرادوني وداغر عن تجربة الحزب ومستقبله
هل يُخرج «الشاب» سامي الجميّل «الكتائب» من «شيخوختها»؟


كريم بقرادوني

جوزيف أبو خليل

سيرج داغر






يسعى حزب «الكتائب اللبنانية» جاهداً إلى تجديد حيوّيته لا هويته، بعدما ناهز الثمانين من عمره وغزا الشيب رؤوس قياداته «الرمزيّة». فهل يستعيد شبابه مع النائب الثلاثيني سامي أمين الجميّل الذي من المرجّح أن يتولى رئاسة الحزب «المخضرم» الذي تختصر «سيرته الذاتية» مسيرة لبنان في صعوده وهبوطه منذ ما قبل الاستقلال الأول (1943) وإلى ما بعد الاستقلال الثاني (2005) وما بينهما من محطات مشرقة وأخرى مأسوية لعلّ أبرزها تجربة الحرب الاهلية (بين 1975 و 1990).
ومع التقديرات بأن «الشيخ أمين» (أي الرئيس امين الجميل) يتجه إلى «التقاعد» الحزبي، وليس السياسي، إفساحاً امام نجله الذي صعد نجمه في الأعوام القليلة الماضية ولا سيما بعد استشهاد شقيقه الوزير بيار الجميل (اغتيل في نوفمبر 2006)، لا تبدو الطريق معبّدة بالكامل أمام انتقال «سلس» من الأب لابنه خلال المؤتمر العام لـ«الكتائب» الذي لم يُحدد موعده بعد، ولكنه مرجّح بين يونيو ويوليو المقبلين، في ضوء ما يشاع عن اعتراضات من «الحرس القديم» في الحزب، الذي أسسه بيار الجميّل العام 1936.
ولا يبدو «نقل الرئاسة» في الكتائب إلى النائب سامي الجميّل الذي سيتبوأ هذا المنصب «أباً عن جد»، المسألة الوحيدة التي تستقطب الأنظار، إذ ان اللحظة التي يتهيأ فيها حزب «الله، الوطن والعائلة» لهذا التحوّل تكتسب أهمية خاصة، سواء مسيحياً حيث يدور حوار بين منافسيْ «الكتائب» في «البيت المسيحي» أي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، أو لبنانياً حيث تدور أزمة انتخابات الرئاسة المسيحية في حلقة فراغ مفتوح على المجهول فيما المواجهة بين معسكريْ 8 مارس و14 مارس باتت مكشوفة على الصراع الكبير في المنطقة المشتعلة بالحروب.
ورغم التقلّبات التي رافقت مسيرة حزب الكتائب «الهرِم» والتبدّلات التي طرأت على قيادته منذ أن غادر الرئيس أمين الجميل لبنان في العام 1988، إلاّ أنه بقي الحزب المسيحي العقائدي الذي يُنادي بلبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه. لكن كل هذا لم يشفع ببقائه جناحاً رئيسيّاً لا على الساحة اللبنانية ولا المسيحيّة بعدما أكل حزب «القوّات اللبنانية» و«التيّار الوطني الحر» من رصيده السياسي والشبابي معاً.
هو حزب «الرؤساء»، أو هكذا كان يُسمّى. فـ «الكتائب» تمكّنت منذ نشأتها من إيصال رئيسيْن كتائبييّن إلى سُدّة رئاسة الجمهورية هما: بشير الجميل (اغتيل العام 1982 قبل تسلُّمه مهماته) ولاحقاً شقيقه أمين الجميل الرئيس الحالي للحزب، كما ساهمت بوصول رئيسيْن آخرين هما: كميل شمعون وإلياس سركيس، ومن هنا استحقّ تلك التسميّة. لكن المرحلة «الذهبيّة» التي مرّ بها الحزب أو ما عُرف بمرحلة «الصعود»، لم تدم طويلاً إذ تلاحقت «النكسات» و«المطبّات» بدءاً من اغتيال بشير الجميّل، الزعيم الرمز والقائد القدوة للمسيحيين، مروراً باتهام جناحها العسكري («القوات») بمجزرة «صبرا وشاتيلا» (1982)، وصولاً إلى اتفاق السابع عشر من مايو مع إسرائيل (العام 1983) وما تخلل تلك المرحلة من «حرب الجبل» (المسيحية - الدرزية).
لكن ما الذي جعل «الكتائب» تتراجع جماهيريّأً وسياسيّاً؟ بعد خروج الرئيس الجميل من لبنان إثر خلافات داخل البيت المسيحي ككل، تَعاقب على رئاسة الكتائب أربعة رؤساء هم: إيلي كرامة، جورج سعادة، منير الحاج وكريم بقرادوني قبل أن يعود الجميّل رئيساً. لكن رغم هذه التعدديّة في الرئاسة، ظلت «الكتائب» تراوح مكانها من دون أن تُحدِث أي تطوّر لافت في تركيبتها، في الوقت الذي كانت تتنامى قوّة «التيار الوطني الحر» جماهيرياً داخل الوسط المسيحي وتحديداً بعد عودة رئيسه الجنرال ميشال عون من المنفى إضافة إلى القوّة الأخرى المتمثلة في حزب «القوّات اللبنانية» الذي تَعاظم وجوده بعد خروج قائده الدكتور سمير جعجع من السجن.
اليوم قد يبدو من المبكر الحديث عن اعتراضات داخل «الكتائب» حول اسم الرئيس المقبل للحزب قبل انعقاد المؤتمر العام في يونيو أو يوليو المقبليْن على أبعد تقدير. رُفع شعار التجديد وسط ترجيحات تتحدث عن إمكان وصول النائب سامي الجميّل إلى الرئاسة وعن نيّة الرئيس الحالي أمين الجميّل التقدّم باستقالته قبل المؤتمر بوقت قصير تسهيلاً لعملية انتخاب نجله، وهو ما أطلق العنان لقراءات لـ «الخطوة» الكتائبية الجديدة التي رأى البعض أنها تصبو نحو مزيد من الديموقراطية، فيما يعتقد آخرون أنها تنحو بالحزب في اتجاه إقطاعي لآل الجميّل.
أقدم القياديين «الكتائبيين» وأكبرهم سنّاً جوزيف أبو خليل أو «عمّو» كما يُنادونه تحبّباً يشرح في حوار مع «الراي» الأسباب التي أدت إلى نشأة «الكتائب» والانعطافات الكثيرة التي مرّت بها بدءاً من السياسة إلى الحرب اللبنانية التي اعتبرها حرباً بين المسيحيين ومنظمة «التحرير الفلسطينية» بقيادة ياسر عرفات «أبو عمّار»، متحدثاً عن بصمات الحزب الواضحة في «منع تغيير وجهة لبنان» وعن «الأدوار الرئيسية التي لعبها في إنتاج الرؤساء والحكومات وتفرّده لفترة طويلة بقرار المسيحيين اللبنانيين الذين منحوا الحزب ثقتهم حتى بات خيارهم الأوحد».
من نافل القول إن «الكتائب ظلّت في حركة تصاعدية الى حين اغتيال الرئيس بشير الجميل الذي وحّد البندقيّة المسيحيّة تحت عنوان(القوّات اللبنانيّة)».
لكن في رأي أبو خليل أن توحيد البندقية يومها«كان خطأ تاريخياً، فالكتائب تنازلت عن سلاحها وتمويلها لمصلحة»القوّات«ما يعني أن كل عناصر القوّة والسلطة وضعناها لدى»القوات«ففقدت»الكتائب«غالبية صلاحياتها وقوتها. وحتى بعد اغتيال بشير بقيت»القوّات«محافظة على ما أُعطي له من قبل وهو ما زاد أيضاً وأيضاً في إضعاف»الكتائب«.
الحرب المسيحيّة بين»القوّات«والجيش اللبناني في زمن تولي العماد ميشال عون رئاسة حكومة عسكرية انتقالية في أعقاب انتهاء ولاية الرئيس الجميل وعدم حصول انتخابات رئاسية وما نجم عن هذه الحرب من فرز مسيحي كان لها الأثر السلبي بحسب ابو خليل على عمل»الكتائب«. ويقول ان»الكتائب بقيت في حال من المراوحة والتراجع إلى حين عودة الشهيد بيار الجميّل الذي صار (يلملم) رفاقه و(رفاقنا) القدامى ويبحث عنهم، كما انخرط بين الناس وبنى معهم علاقات متينة ووثيقة من خلال جولاته على القرى المسيحيّة، فشكّل قوّة لا يُستهان بها خصوصاً انه كان يتمتّع بكاريزما مثل عمّه بشير، وفي تلك الأثناء صرخ بيار عالياً في وجه القمع إلى حد المطالبة علناً بعودة والده والنائب ميشال عون (من باريس) وخروج الدكتور سمير جعجع من السجن«.
والسؤال: هل في حزب»الكتائب«صراع على السلطة؟ يجيب أبو خليل»نعم يوجد صراع على السلطة وهذا يندرج ضمن الديموقراطية«. لكن مَن هم المتصارعون؟:»سامي الجميّل هو أحد الوجوه البارزة التي تصارع على مركز رئاسة الحزب، وهذا حق طبيعي له ولبقيّة الرفاق«.
لكن ابو خليل يعتبر في المقابل أن إلغاء مركز منسّق»اللجنة المركزية«في الحزب والذي كان يشغله النائب سامي الجميّل لم يكن من باب التحضير لانتخابه كما يُشاع»إنما لعدم الحاجة إلى وجود مركز كهذا في ظل لجنة سياسية يترأسها الأمين العام الرئيس الجميل ويشارك فيها سامي وفي الوقت عينه يتفرّغ لأمور أخرى«.
يعترف ابو خليل بأن النائب سامي الجميل يُمثّل تيّار الشباب داخل الحزب ولهذا فهو لا يعترض على طريقة عمله كونه يرى فيه صورة جدّه الراحل بيار الجميل. لكن ماذا عن ابن عمّه النائب نديم الجميل أليس هو أيضاً من جيل الشباب؟ يجيب:»نديم لم يُظلم في الحزب والحركة الحزبيّة متاحة لكل مَن يريد، لكن نديم يعتقد أنه ابن أبيه ولذلك يجب أن ينتقل الإرث اليه«.
ويضيف:»في رأيي أن لا توريث داخل (الكتائب) والدليل هو الشهيد بيار الذي أعاد استنهاض القاعدة من العدم ولم يرث من والده سوى بقايا كتائب، ومع هذا أعاد جمعها. كما أن الإرث الوحيد عند آل الجميّل أنهم يعلمون جّيداً كيفيّة استنهاض الشارع«.
والسؤال عن الذي بقي من»الكتائب«، فيجيب عمّو:»تبقّى من (الكتائب) المبادئ والتنظيم، فلا (القوّات) ولا (التيار الحر) تمكّنا من إيجاد تنظيم. نعاني الضائقة المالية نعم، وهذا حال كثير غيرنا. لا تمويل نعم، ولكننا لن نبيع مراكز. أمّا من هو رئيس (الكتائب) المقبل؟ فلدينا مفهوم خاص للبنان وثقافة خاصة يُعبّر عنها سامي الجميل. ننخرط بالحياة السياسية بشكل جدّي وفعّال ولا أستبعد وصول سامي الى رئاسة الحزب».
من المعروف أن «الكتائب» تعقد مؤتمرها كل أربع سنوات بحسب النظام الداخلي للحزب، وقبل انعقاد المؤتمر المقبل بدأت منذ الآن تخرج بعض التسريبات التي تتحدّث عن أن قسماً من أعضاء المكتب السياسي يرفضون تولّي سامي رئاسة الحزب، وقد عبّر النائب نديم الجميّل أخيراً عن هذا المناخ إذ أعلن «أن فريقاً كبيراً لن يقبل بسامي وعلى رأسه الفريق المحسوب على الرئيس أمين الجميل والذي يخشى كل عضو فيه على موقعه مستقبلاً». لكنه سرعان ما أبدى إيجابية بهذا الشقّ عندما قال: «مستعد للتعاون الكامل معه في حال كان إيجابياً ولم يتصرف معنا وفق منطق الإقصاء من السلطة (وإذا تعاطى) وفق قرارات الحزب».
بدوره الرئيس السابق لحزب «الكتائب» كريم بقرادوني الذي سبق أن اصطدم مع الرئيس بشير الجميّل في بعض الخيارات الإستراتيجية التي سلكها المسيحيون في فترة الحرب الأهلية ولاحقاً مع الرئيس أمين الجميّل على رئاسة «الكتائب» بسبب انفتاحه على النظام السوري و«حزب الله»، أضاء في حديث مع «الراي» على جملة أمور قد لا تتشابه وقائع سردها مع تلك التي أفردها القيادي ابو خليل.
يقول بقرادوني بداية: «استلمت (الكتائب) ثلاثة أقسام، الشرعية بقيادتي، المعارضة التي يديرها أمين الجميل من الخارج، وقدامى (الكتائب) مثل الوزيرين إدمون رزق وجوزيف الهاشم وغيرهما من الذين رفضوا الاعتراف بأي جهة. كان هدفي توحيد الحزب من خلال 3 بنود: مع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، مع المقاومة ومع التفاهم مع سورية». وعن الدور الذي لعبه الوزير الشهيد بيار الجميل يقول: «بعدها جاء بيار ووضعتُ يدي بيده وبدأنا نعقد جلسات سريّة في منزل ابن شقيق الرئيس الياس سركيس بالقرب من منطقة الحازمية. وفي تلك الأوقات عجّلتُ بالمؤتمر كي أفسح في المجال لانتخابه لكن صودف أن تم اغتياله».
يعترف بقرادوني بأن «الكتائب» شاخت«وباتت بحاجة إلى برنامج عمل جديد ينقلها إلى المستقبل». وفي رأيه أن سامي الجميّل هو من أكثر الأسماء المطروحة للرئاسة «خصوصاً أنه يملك وجهاً تجديدياً وبُعداً فكريّاً رغم الانتقادات التي توجّه إليه لجهة طرحه اللامركزية الإدارية كشعار أو حل للخروج من الأزمة المذهبية»، لكن ورغم هذه الطروحات يبقى لبقرادوني نظرة تقول ان «من شأن المسؤولية أن تُعيد صوغ الخيارات، وخصوصاً أننا لسنا ولايات متحدة».
ورغم اعتباره أن لبنان بعيد كل البعد عن التقسيم وأن«الكتائب»أصبحت جزءاً أساسياً ورئيسياً من الوجدان اللبناني والمسيحي، يغمز بقرادوني من قناة النائب سامي الجميّل ليُعبّر عن اطمئنانه على مستقبل لبنان«لمجرّد أنه سيكون بين أيد شابّة تستطيع النهوض به مجدّداً».
عضو المكتب السياسي في«الكتائب»سيرج داغر هو من جيل الشباب في«الكتائب»وصديق طفولة للشهيد بيار الجميل وشقيقه سامي، وهو يعتبر في حديث لـ«الراي»أن داخل«الكتائب»اليوم ثلاثة أجيال يتفاعلون مع بعضهم البعض، لكن ما يجمعهم هو«الميثاق»الذي نعتبره من ثوابتنا، يعني لبنان التعددي لكل الطوائف،«السيد الحر المستقل»والعيش المشترك، وهذه الثوابت جعلتنا نلتقي مع أطراف آخرين لم نكن نلتقيهم في السابق وذلك من خلال«14 مارس»والدور المحوري الذي قام به الشهيد بيار الجميّل.
ويضيف داغر: «اذا جرى تقييم صحيح لوضع (الكتائب) اليوم سنُلاحِظ أن مجموعة كبيرة من الشباب لديهم مراكز مؤثرة وهذا يدلّ على التعويل على هذه الفئة. ومَن ينتقد تراجعنا في بعض النقاط نسي أن الحزب كان محتلاً في زمن النظام السوري كما لبنان. وبعد استشهاد بيار، راهن الجميع على أن (الكتائب) انتهت. اعترف بأننا كنا قريبين من الصفر بينما اليوم نحن قوّة صاعدة عند المسيحيين في حين ان هناك أحزاباً أكبر منّا نراها اليوم في طريق تنازُلي».
ويتابع: «أمّا ما يُحكى عن تهميشنا في ظل الحوار المسيحي القائم (بين«التيار الحر»و«القوات») فأريد ان أوجّه سؤالاً هنا: إذا«الكتائب»سارت اليوم بترشيح العماد ميشال عون ألا تؤمّن له الأكثرية ليأتي رئيساً؟ وهذا لا يعني أن«القوات»ليست موجودة ولكنه يعني في الوقت نفسه ان«الكتائب»موجودة سواء اتفق الطرفان او لم يتفقا.
وفي رأي داغر أن «الكتائب» أظهرت بعد كل هذا العمر أن انتخاباتها موجودة وقد تَعاقب على رئاستها العديد من الرؤساء على خلاف بقيّة الأحزاب. وإذا قرر الرئيس الجميل عدم الترشح مجدداً، عندها يصبح لكل كتائبي المؤهلات للترشح الى رئاسة الحزب.
ومن جهتي أتمنى«أن يُصبِح النائب سامي الجميّل رئيساً لأنه يمثل تطلعاتي وطموحاتي، وقد يكون لغيري رأي مخالف في هذا الأمر. وشخصيّاً لا أتوقع وصول سامي إنما أتمنى أن يحصل هذا الامر».
ومع التقديرات بأن «الشيخ أمين» (أي الرئيس امين الجميل) يتجه إلى «التقاعد» الحزبي، وليس السياسي، إفساحاً امام نجله الذي صعد نجمه في الأعوام القليلة الماضية ولا سيما بعد استشهاد شقيقه الوزير بيار الجميل (اغتيل في نوفمبر 2006)، لا تبدو الطريق معبّدة بالكامل أمام انتقال «سلس» من الأب لابنه خلال المؤتمر العام لـ«الكتائب» الذي لم يُحدد موعده بعد، ولكنه مرجّح بين يونيو ويوليو المقبلين، في ضوء ما يشاع عن اعتراضات من «الحرس القديم» في الحزب، الذي أسسه بيار الجميّل العام 1936.
ولا يبدو «نقل الرئاسة» في الكتائب إلى النائب سامي الجميّل الذي سيتبوأ هذا المنصب «أباً عن جد»، المسألة الوحيدة التي تستقطب الأنظار، إذ ان اللحظة التي يتهيأ فيها حزب «الله، الوطن والعائلة» لهذا التحوّل تكتسب أهمية خاصة، سواء مسيحياً حيث يدور حوار بين منافسيْ «الكتائب» في «البيت المسيحي» أي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، أو لبنانياً حيث تدور أزمة انتخابات الرئاسة المسيحية في حلقة فراغ مفتوح على المجهول فيما المواجهة بين معسكريْ 8 مارس و14 مارس باتت مكشوفة على الصراع الكبير في المنطقة المشتعلة بالحروب.
ورغم التقلّبات التي رافقت مسيرة حزب الكتائب «الهرِم» والتبدّلات التي طرأت على قيادته منذ أن غادر الرئيس أمين الجميل لبنان في العام 1988، إلاّ أنه بقي الحزب المسيحي العقائدي الذي يُنادي بلبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه. لكن كل هذا لم يشفع ببقائه جناحاً رئيسيّاً لا على الساحة اللبنانية ولا المسيحيّة بعدما أكل حزب «القوّات اللبنانية» و«التيّار الوطني الحر» من رصيده السياسي والشبابي معاً.
هو حزب «الرؤساء»، أو هكذا كان يُسمّى. فـ «الكتائب» تمكّنت منذ نشأتها من إيصال رئيسيْن كتائبييّن إلى سُدّة رئاسة الجمهورية هما: بشير الجميل (اغتيل العام 1982 قبل تسلُّمه مهماته) ولاحقاً شقيقه أمين الجميل الرئيس الحالي للحزب، كما ساهمت بوصول رئيسيْن آخرين هما: كميل شمعون وإلياس سركيس، ومن هنا استحقّ تلك التسميّة. لكن المرحلة «الذهبيّة» التي مرّ بها الحزب أو ما عُرف بمرحلة «الصعود»، لم تدم طويلاً إذ تلاحقت «النكسات» و«المطبّات» بدءاً من اغتيال بشير الجميّل، الزعيم الرمز والقائد القدوة للمسيحيين، مروراً باتهام جناحها العسكري («القوات») بمجزرة «صبرا وشاتيلا» (1982)، وصولاً إلى اتفاق السابع عشر من مايو مع إسرائيل (العام 1983) وما تخلل تلك المرحلة من «حرب الجبل» (المسيحية - الدرزية).
لكن ما الذي جعل «الكتائب» تتراجع جماهيريّأً وسياسيّاً؟ بعد خروج الرئيس الجميل من لبنان إثر خلافات داخل البيت المسيحي ككل، تَعاقب على رئاسة الكتائب أربعة رؤساء هم: إيلي كرامة، جورج سعادة، منير الحاج وكريم بقرادوني قبل أن يعود الجميّل رئيساً. لكن رغم هذه التعدديّة في الرئاسة، ظلت «الكتائب» تراوح مكانها من دون أن تُحدِث أي تطوّر لافت في تركيبتها، في الوقت الذي كانت تتنامى قوّة «التيار الوطني الحر» جماهيرياً داخل الوسط المسيحي وتحديداً بعد عودة رئيسه الجنرال ميشال عون من المنفى إضافة إلى القوّة الأخرى المتمثلة في حزب «القوّات اللبنانية» الذي تَعاظم وجوده بعد خروج قائده الدكتور سمير جعجع من السجن.
اليوم قد يبدو من المبكر الحديث عن اعتراضات داخل «الكتائب» حول اسم الرئيس المقبل للحزب قبل انعقاد المؤتمر العام في يونيو أو يوليو المقبليْن على أبعد تقدير. رُفع شعار التجديد وسط ترجيحات تتحدث عن إمكان وصول النائب سامي الجميّل إلى الرئاسة وعن نيّة الرئيس الحالي أمين الجميّل التقدّم باستقالته قبل المؤتمر بوقت قصير تسهيلاً لعملية انتخاب نجله، وهو ما أطلق العنان لقراءات لـ «الخطوة» الكتائبية الجديدة التي رأى البعض أنها تصبو نحو مزيد من الديموقراطية، فيما يعتقد آخرون أنها تنحو بالحزب في اتجاه إقطاعي لآل الجميّل.
أقدم القياديين «الكتائبيين» وأكبرهم سنّاً جوزيف أبو خليل أو «عمّو» كما يُنادونه تحبّباً يشرح في حوار مع «الراي» الأسباب التي أدت إلى نشأة «الكتائب» والانعطافات الكثيرة التي مرّت بها بدءاً من السياسة إلى الحرب اللبنانية التي اعتبرها حرباً بين المسيحيين ومنظمة «التحرير الفلسطينية» بقيادة ياسر عرفات «أبو عمّار»، متحدثاً عن بصمات الحزب الواضحة في «منع تغيير وجهة لبنان» وعن «الأدوار الرئيسية التي لعبها في إنتاج الرؤساء والحكومات وتفرّده لفترة طويلة بقرار المسيحيين اللبنانيين الذين منحوا الحزب ثقتهم حتى بات خيارهم الأوحد».
من نافل القول إن «الكتائب ظلّت في حركة تصاعدية الى حين اغتيال الرئيس بشير الجميل الذي وحّد البندقيّة المسيحيّة تحت عنوان(القوّات اللبنانيّة)».
لكن في رأي أبو خليل أن توحيد البندقية يومها«كان خطأ تاريخياً، فالكتائب تنازلت عن سلاحها وتمويلها لمصلحة»القوّات«ما يعني أن كل عناصر القوّة والسلطة وضعناها لدى»القوات«ففقدت»الكتائب«غالبية صلاحياتها وقوتها. وحتى بعد اغتيال بشير بقيت»القوّات«محافظة على ما أُعطي له من قبل وهو ما زاد أيضاً وأيضاً في إضعاف»الكتائب«.
الحرب المسيحيّة بين»القوّات«والجيش اللبناني في زمن تولي العماد ميشال عون رئاسة حكومة عسكرية انتقالية في أعقاب انتهاء ولاية الرئيس الجميل وعدم حصول انتخابات رئاسية وما نجم عن هذه الحرب من فرز مسيحي كان لها الأثر السلبي بحسب ابو خليل على عمل»الكتائب«. ويقول ان»الكتائب بقيت في حال من المراوحة والتراجع إلى حين عودة الشهيد بيار الجميّل الذي صار (يلملم) رفاقه و(رفاقنا) القدامى ويبحث عنهم، كما انخرط بين الناس وبنى معهم علاقات متينة ووثيقة من خلال جولاته على القرى المسيحيّة، فشكّل قوّة لا يُستهان بها خصوصاً انه كان يتمتّع بكاريزما مثل عمّه بشير، وفي تلك الأثناء صرخ بيار عالياً في وجه القمع إلى حد المطالبة علناً بعودة والده والنائب ميشال عون (من باريس) وخروج الدكتور سمير جعجع من السجن«.
والسؤال: هل في حزب»الكتائب«صراع على السلطة؟ يجيب أبو خليل»نعم يوجد صراع على السلطة وهذا يندرج ضمن الديموقراطية«. لكن مَن هم المتصارعون؟:»سامي الجميّل هو أحد الوجوه البارزة التي تصارع على مركز رئاسة الحزب، وهذا حق طبيعي له ولبقيّة الرفاق«.
لكن ابو خليل يعتبر في المقابل أن إلغاء مركز منسّق»اللجنة المركزية«في الحزب والذي كان يشغله النائب سامي الجميّل لم يكن من باب التحضير لانتخابه كما يُشاع»إنما لعدم الحاجة إلى وجود مركز كهذا في ظل لجنة سياسية يترأسها الأمين العام الرئيس الجميل ويشارك فيها سامي وفي الوقت عينه يتفرّغ لأمور أخرى«.
يعترف ابو خليل بأن النائب سامي الجميل يُمثّل تيّار الشباب داخل الحزب ولهذا فهو لا يعترض على طريقة عمله كونه يرى فيه صورة جدّه الراحل بيار الجميل. لكن ماذا عن ابن عمّه النائب نديم الجميل أليس هو أيضاً من جيل الشباب؟ يجيب:»نديم لم يُظلم في الحزب والحركة الحزبيّة متاحة لكل مَن يريد، لكن نديم يعتقد أنه ابن أبيه ولذلك يجب أن ينتقل الإرث اليه«.
ويضيف:»في رأيي أن لا توريث داخل (الكتائب) والدليل هو الشهيد بيار الذي أعاد استنهاض القاعدة من العدم ولم يرث من والده سوى بقايا كتائب، ومع هذا أعاد جمعها. كما أن الإرث الوحيد عند آل الجميّل أنهم يعلمون جّيداً كيفيّة استنهاض الشارع«.
والسؤال عن الذي بقي من»الكتائب«، فيجيب عمّو:»تبقّى من (الكتائب) المبادئ والتنظيم، فلا (القوّات) ولا (التيار الحر) تمكّنا من إيجاد تنظيم. نعاني الضائقة المالية نعم، وهذا حال كثير غيرنا. لا تمويل نعم، ولكننا لن نبيع مراكز. أمّا من هو رئيس (الكتائب) المقبل؟ فلدينا مفهوم خاص للبنان وثقافة خاصة يُعبّر عنها سامي الجميل. ننخرط بالحياة السياسية بشكل جدّي وفعّال ولا أستبعد وصول سامي الى رئاسة الحزب».
من المعروف أن «الكتائب» تعقد مؤتمرها كل أربع سنوات بحسب النظام الداخلي للحزب، وقبل انعقاد المؤتمر المقبل بدأت منذ الآن تخرج بعض التسريبات التي تتحدّث عن أن قسماً من أعضاء المكتب السياسي يرفضون تولّي سامي رئاسة الحزب، وقد عبّر النائب نديم الجميّل أخيراً عن هذا المناخ إذ أعلن «أن فريقاً كبيراً لن يقبل بسامي وعلى رأسه الفريق المحسوب على الرئيس أمين الجميل والذي يخشى كل عضو فيه على موقعه مستقبلاً». لكنه سرعان ما أبدى إيجابية بهذا الشقّ عندما قال: «مستعد للتعاون الكامل معه في حال كان إيجابياً ولم يتصرف معنا وفق منطق الإقصاء من السلطة (وإذا تعاطى) وفق قرارات الحزب».
بدوره الرئيس السابق لحزب «الكتائب» كريم بقرادوني الذي سبق أن اصطدم مع الرئيس بشير الجميّل في بعض الخيارات الإستراتيجية التي سلكها المسيحيون في فترة الحرب الأهلية ولاحقاً مع الرئيس أمين الجميّل على رئاسة «الكتائب» بسبب انفتاحه على النظام السوري و«حزب الله»، أضاء في حديث مع «الراي» على جملة أمور قد لا تتشابه وقائع سردها مع تلك التي أفردها القيادي ابو خليل.
يقول بقرادوني بداية: «استلمت (الكتائب) ثلاثة أقسام، الشرعية بقيادتي، المعارضة التي يديرها أمين الجميل من الخارج، وقدامى (الكتائب) مثل الوزيرين إدمون رزق وجوزيف الهاشم وغيرهما من الذين رفضوا الاعتراف بأي جهة. كان هدفي توحيد الحزب من خلال 3 بنود: مع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، مع المقاومة ومع التفاهم مع سورية». وعن الدور الذي لعبه الوزير الشهيد بيار الجميل يقول: «بعدها جاء بيار ووضعتُ يدي بيده وبدأنا نعقد جلسات سريّة في منزل ابن شقيق الرئيس الياس سركيس بالقرب من منطقة الحازمية. وفي تلك الأوقات عجّلتُ بالمؤتمر كي أفسح في المجال لانتخابه لكن صودف أن تم اغتياله».
يعترف بقرادوني بأن «الكتائب» شاخت«وباتت بحاجة إلى برنامج عمل جديد ينقلها إلى المستقبل». وفي رأيه أن سامي الجميّل هو من أكثر الأسماء المطروحة للرئاسة «خصوصاً أنه يملك وجهاً تجديدياً وبُعداً فكريّاً رغم الانتقادات التي توجّه إليه لجهة طرحه اللامركزية الإدارية كشعار أو حل للخروج من الأزمة المذهبية»، لكن ورغم هذه الطروحات يبقى لبقرادوني نظرة تقول ان «من شأن المسؤولية أن تُعيد صوغ الخيارات، وخصوصاً أننا لسنا ولايات متحدة».
ورغم اعتباره أن لبنان بعيد كل البعد عن التقسيم وأن«الكتائب»أصبحت جزءاً أساسياً ورئيسياً من الوجدان اللبناني والمسيحي، يغمز بقرادوني من قناة النائب سامي الجميّل ليُعبّر عن اطمئنانه على مستقبل لبنان«لمجرّد أنه سيكون بين أيد شابّة تستطيع النهوض به مجدّداً».
عضو المكتب السياسي في«الكتائب»سيرج داغر هو من جيل الشباب في«الكتائب»وصديق طفولة للشهيد بيار الجميل وشقيقه سامي، وهو يعتبر في حديث لـ«الراي»أن داخل«الكتائب»اليوم ثلاثة أجيال يتفاعلون مع بعضهم البعض، لكن ما يجمعهم هو«الميثاق»الذي نعتبره من ثوابتنا، يعني لبنان التعددي لكل الطوائف،«السيد الحر المستقل»والعيش المشترك، وهذه الثوابت جعلتنا نلتقي مع أطراف آخرين لم نكن نلتقيهم في السابق وذلك من خلال«14 مارس»والدور المحوري الذي قام به الشهيد بيار الجميّل.
ويضيف داغر: «اذا جرى تقييم صحيح لوضع (الكتائب) اليوم سنُلاحِظ أن مجموعة كبيرة من الشباب لديهم مراكز مؤثرة وهذا يدلّ على التعويل على هذه الفئة. ومَن ينتقد تراجعنا في بعض النقاط نسي أن الحزب كان محتلاً في زمن النظام السوري كما لبنان. وبعد استشهاد بيار، راهن الجميع على أن (الكتائب) انتهت. اعترف بأننا كنا قريبين من الصفر بينما اليوم نحن قوّة صاعدة عند المسيحيين في حين ان هناك أحزاباً أكبر منّا نراها اليوم في طريق تنازُلي».
ويتابع: «أمّا ما يُحكى عن تهميشنا في ظل الحوار المسيحي القائم (بين«التيار الحر»و«القوات») فأريد ان أوجّه سؤالاً هنا: إذا«الكتائب»سارت اليوم بترشيح العماد ميشال عون ألا تؤمّن له الأكثرية ليأتي رئيساً؟ وهذا لا يعني أن«القوات»ليست موجودة ولكنه يعني في الوقت نفسه ان«الكتائب»موجودة سواء اتفق الطرفان او لم يتفقا.
وفي رأي داغر أن «الكتائب» أظهرت بعد كل هذا العمر أن انتخاباتها موجودة وقد تَعاقب على رئاستها العديد من الرؤساء على خلاف بقيّة الأحزاب. وإذا قرر الرئيس الجميل عدم الترشح مجدداً، عندها يصبح لكل كتائبي المؤهلات للترشح الى رئاسة الحزب.
ومن جهتي أتمنى«أن يُصبِح النائب سامي الجميّل رئيساً لأنه يمثل تطلعاتي وطموحاتي، وقد يكون لغيري رأي مخالف في هذا الأمر. وشخصيّاً لا أتوقع وصول سامي إنما أتمنى أن يحصل هذا الامر».