ضوء

دنيانا

تصغير
تكبير
لم أكن أتصور حجم المتابعة وردود الأفعال الإيجابية التي وصلتني بعد مشاركتي في برنامج «دنيانا» والذي تبثه قناة «بي بي سي» العربية وتقدمه المذيعة الرزينة ندى عبد الصمد.

يُعد برنامج «دنيانا» من البرامج الناجحة والمتميزة على المستوى العربي، ويلاقي تجاوبا كبيرا من قبل الجمهور المتعطش للتواصل بين مختلف الأقطار العربية ومعرفة الأوضاع التي يعيشها الإنسان العادي عن قرب.


وما يميز هذا البرنامج اسمه أولا الذي يؤكد على مناقشة القضايا الدنيوية، وثانيا انه يستضيف وجوه غالبيتها نسائية من مختلف الأقطار العربية، حيث غالبية الضيفات نساء متميزات من العراق والسودان والبحرين وليبيبا والجزائر ولبنان واليمن، وثالثا انه يطرح مجموعة من القضايا الجديدة التي لم يتم التطرق إليها في مختلف الوسائل الإعلامية ويناقشها باستفاضة.

ومن أمثال المواضيع التي تم طرحها ومناقشتها في البرنامج: دور المليشيات وإحلالها محل الجيوش العربية، ومفهوم المساواة بين الرجل والمرأة دينيا، وقوانين الأحوال الشخصية، والاغتصاب في الحروب، وتأثير الطائفية على العلاقات الزوجية والاجتماعية في المجتمعات العربية.

وأرى ان كل المشكلات التي يتم طرحها في البرنامج والتي يعاني منها المواطن في كل الأقطار العربية، هي مظاهر وظواهر ومشكلات تعود إلى جذر رئيسي واحد وترجع إلى مسبب أساسي واحد، ألا وهو التخلف الاجتماعي في العالم العربي، لذا علينا أن نبحث عن أسباب هذا التخلف، لكي نقلل من هذه الظواهر والمشكلات، فإذا استطعنا معرفة الأسباب فسيمكننا التغلب بسهولة على غالبية المشكلات.

وبحسب رأيي المتواضع، فإنني أعتقد ان هناك أسبابا ثلاثة رئيسية للتخلف الاجتماعي، وسأتطرق في هذا المقال إلى أولها فقط، ثم أناقش السببين الآخرين في مقال مقبل، وأولها هو سبب تاريخي، وبالتحديد يعود إلى القرن الخامس هجري عندما توقف باب الاجتهاد والتجديد، وبالتحديد بعد الصراع الفكري بين أبو حامد الغزالي وابن رشد، والذي حسم الصراع بغلبة الفكر الغزالي وسيادته على الأمة العربية والإسلامية، ولتبسيط الصراع آنذاك يمكننا أن نقول إنه كان صراعا بين المادية والمثالية، أو بين العقل والنقل، أو بين الجسد والروح، أو بين المحسوس واللامحسوس.

ولد الغزالي عام 450 هجرية في طوس في عهد الدولة السلجوقية، وعاش أكثر فترات حياته في بغداد وتوفي فيها عام 505 هجري وكان يتبع المذهب الشافعي.

أما ابن رشد فلقد كان قاضي القضاة في قرطبة، حيث ولد فيها عام 520 هجري ونشأ وتوفي فيها عام 595 هجري، وكان يتبع المذهب المالكي. وكانا كلاهما فيلسوفا وفقيها وضليعا في علم الكلام خصوصا في العلوم الدينية عامة.

وكان الغزالي يمثل فكر الأشاعرة، وانتقل في رحلته الإيمانية من الشك إلى اليقين حتى وصل إلى قناعة راسخة بان الإيمان هو بزغ من نور يشع في القلب، أما ابن رشد فكان يعتمد المنهج العقلاني للوصول إلى الإيمان العميق والحقيقي، وكان هدفه الأساسي تسوية الخلاف بين الدين والفلسفة والتقريب بينهما، لكن للأسف تم تكفير ابن رشد وحرق كتبه وتمت الغلبة للفكر الغزالي.

والمشكلة أن هذا السبب التاريخي ما زلنا لم نجد له حلا نحن العرب، حتى بعد مرور حوالي 900 عام ونحن ندور في الطاحونة نفسها، ونكرر مآسينا وأخطاءنا وكوارثنا.

فلماذا لا نفتح أبواب الاجتهاد والتجديد؟، لماذا لا يتم التوفيق بين العقل والنقل؟، لماذا لا نقبل المادية والمثالية معا؟ لماذا لا نتصالح مع الروح والجسد؟

ولماذا استطاعت بعض الدول الإسلامية غير العربية أن تحقق هذا التوافق ونحن لا؟، لماذا استطاعت بعض الدول الإسلامية أن تتصالح مع نفسها وتطور من ذاتها وتأخذ لها مكانا بين الأمم ونحن لا؟ وتجربة ماليزيا نموذج حي واقعي أمام الأعين.

لماذا نحن عاجزون عن أن نخطو خطوة واحدة إلى الأمام؟ وإلى متى؟ ولماذا كل الشعوب تسير إلى الأمام، ونحن نتراجع إلى الخلف؟، ومتى يأتي الوقت لكي نراجع ذاتنا ونفتح باب الاجتهاد والتجديد ونتصالح مع أنفسنا؟

dr.aanneessaa@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي