العراق مازال قصة الإعلام الأميركي

تصغير
تكبير
| محمد الجوهري * |

لا يزال الملف العراقي وتطوراته المتلاحقة تسيطر على معظم مجريات الأحداث داخل الولايات المتحدة، خصوصاً مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي العام المقبل. فقد انشغل الإعلام الأميركي الأسبوع الماضي برصد محاولات الرئيس الأميركي جورج بوش التأكيد على نجاح استراتيجيته في العراق من ناحية. كما استمر الاهتمام باتجاهات الرأي العام الأميركي الغاضبة ليس فقط من الإدارة الأميركية ولكن أيضا من الكونغرس من ناحية أخرى.


الأميركيون غاضبون من الإدارة قدم ريك سانشيز تقريراً لبرنامج «Out In The Open» الذي يذاع على شبكة «CNN» رصد فيه رد فعل الشعب الأميركي تجاه الإدارة الأميركية الحالية، واعتبر التقرير أن الأميركيين غاضبون كما لم يغضبوا من قبل، إذ أكد التقرير أن 81 في المئة من الشعب الأميركي غاضبة للغاية، مما يحدث الآن داخل الولايات المتحدة الأميركية، ولفت التقرير الانتباه إلى أن هناك تغييراً جذرياً قد حدث في توجهات الأميركيين تجاه ما يحدث في الداخل الأميركي، وكانت هذه النسبة قبل انتخابات عام 2004 نحو 50 في المئة فقط، بينما كانت هذه النسبة 40 في المئة قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2000.

وأشار التقرير إلى أن استطلاع الرأي الذي قامت به وحدة أبحاث دراسات الرأي العام CNN public opinion research poll في شبكة «CNN» أظهرت أن الإدارة الأميركية الحالية كان نصيبها من الرضا الأميركي العام فقط 34 في المئة، واظهر أيضاً هذا الاستطلاع أن عدم الرضا الشعبي لم يقتصر فقط على الإدارة الأميركية. بل طال المؤسسة التشريعية الأميركية (الكونغرس) أيضاً، إذ أظهر الاستطلاع أن 39 في المئة من الأميركيين أكدوا على أن عضو الكونغرس الأميركي الذي يمثلهم داخل المؤسسة التشريعية الأميركية لا يستحق أن يعاد انتخابه مرة أخرى، وهذا يعني طبقاً للتقرير أنه عليك كعضو في الكونغرس أن تقلق، خصوصاً إذا كنت منتمياً للحزب الجمهوري أكثر مما لو كنت منتمياً إلى الحزب الديموقراطي. وللوقوف أكثر على نتائج هذا الاستطلاع، استضاف سانشيز المحلل السياسي البارز في الـ»CNN» جون كينج الذي أكد أن نتائج هذا الاستطلاع تؤكد أن لا الجمهوريين ولا الديموقراطيين فعلوا شيئاً جيداً على ارض الواقع، يجعل الرأي العام يرضى عنهم.  وأشار كينج إلى أن المشكلة تكمن في أن هناك إدارة أميركية جمهورية أطلقت حرباً غير مدعومة شعبياً على الإطلاق، فضلاً عن أن هناك أكثر من ثلاثة أرباع الأميركيين يعتقدون أن بلدهم يسير في الاتجاه الخاطئ، ولذلك فإنهم - في إشارة إلى الشعب الأميركي - يعتقدون أن الذي يجب أن يلام على ذلك هو الرئيس الأميركي جورج بوش وحزبه الجمهوري.

وفي مثل هذه الظروف اعتبر كينج أن حظوظ الحزب الديموقراطي أكثر بكثير من نظيره الجمهوري في تحقيق انتصار انتخابي كبير، عندما يحل موعد الاستحقاق الرئاسي في العام المقبل، خصوصاً وان الاتجاه العام السائد لدى الرأي العام الأميركي هو ضرورة تغيير الإدارة الأميركية، على حد قوله.

وامتدت الرؤية السلبية التي عبر عنها الشعب الأميركي إلى الكونغرس الأميركي، الذي تسيطر عليه غالبية ديموقراطية، ووصلت نسبة عدم الرضى العام عن أدائه إلى نحو 75 في المئة، في حين كانت نسبة الرضاء عنه إلى 22 في المئة فقط.

وأرجع سانشيز عدم الرضى هذا، إلى أن الشعب الأميركي أصبح لديه اعتقاد بان الكونغرس أصبح لا يملك زمام أمره، فقد سيطرت عليه أعضاء مجموعات الضغط اللوبي، فهم يأخذون كل ما يريدون منه. فضلا عن اعتبارهم أن الكونغرس لم يعد يلقي بالاً للأمور التي تهم أفراد الشعب العاديين، الأمر الذي زاد من السخط الشعبي عليه، فضلاً عن أن الديموقراطيين الذين استطاعوا تحقيق الغالبية في الكونغرس على أساس أنهم سوف يضعون حداً للحرب على العراق، ولكنهم لم يفعلوا ولم ينفذوا وعودهم الانتخابية. بالإضافة إلى عدم قدرتهم على التأثير في الكثير من الموضوعات الأخرى مثل مسألة الرعاية الصحية.


 العراق: استقرار أم

محاولة جديدة للخداع؟

اهتمت شبكة «CBS» الأسبوع الماضي بمجموعة التقارير التي نشرت أخيراً، وتناولت تأكيدات الرئيس الأميركي بوش على أن القوات العراقية استطاعت أن تستعيد العراق من أيدى المتمردين والارهابيين، ونجحت في إحكام سيطرتها على الأمور الأمنية في البلاد.  وحاول برنامج «Up To A Point» الذي يعرض على شبكة «CBS» تفنيد المزاعم التي ساقها الرئيس الأميركي في هذا الإطار، واعد ألان بيدزي مراسل الشبكة تقريراً، أشار فيه إلى أنه بالفعل هناك بعض الأدلة الإحصائية والرقمية، والتي تؤكد تحسن الأوضاع في العراق، فمعدلات العنف تراجعت إلى حد ما، أيضاً بدأ الاستقرار يستتب في مناطق أوسع من البلاد، فضلاً عن وصول نسبة الوفيات من المدنيين والقوات العراقية والقوات الأميركية إلى أدنى مستوياتها خلال شهر أكتوبر، ودبت الحياة في بعض المناحي المعيشية للعراقيين، فالمحال التجارية والمطاعم في بغداد شرعت في إعادة فتح أبوابها من جديد. كما أعلنت الحكومة العراقية أخيراً أن هناك أكثر من ثلاثة آلاف عراقي من القاطنين في ضواحي قريبة من بغداد، والذين تركوا ديارهم بسبب أحداث العنف الطائفي، قد عادوا مرة أخرى إلى منازلهم.  ورغم هذه المؤشرات الايجابية التي شهدتها الساحة العراقية أخيراً، لفت بيدزي الانتباه إلى أن مأساة العراقيين مازالت مستمرة خصوصاً في المناطق البعيدة عن العاصمة العراقية، خصوصاً مشكلة النازحين العراقيين، إذ تجاوز عدد النازحين في المناطق الداخلية حاجز الـ 2.3 مليون عراقي، حسبما يشير تقرير الهلال الأحمر العراقي الذي سوف يصدر قريباً، ويشير التقرير إلى أن نسبة النازحين زادت بنسبة 16 في المئة في الثلاثين يوماً الأخيرة، وبلغت نسبة الأطفال في هذا العدد الكبير نحو 67 في المئة. وحاول التقرير تفنيد المزاعم التي ساقها الرئيس الأميركي بوش في تدليله على تحسن الأوضاع في العراق، فبالنسبة إلى انخفاض عدد الوفيات من المدنيين من العراقيين، فيرجع، كما يشير بيدزي، إلى انخفاض عدد الضحايا نتيجة العنف الطائفي، الأمر الذي يمكن تفسيره بانخفاض عدد المناطق التي بها اختلاط إثني، خصوصاً بين الشيعة والسنة هذا من ناحية، وساعد إعلان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وقف إطلاق النار، ومطالبته للميلشيات التابعة له بترك الشوارع على حدوث هذا الانخفاض من ناحية أخرى.

واعتبر بيدزي أن الرئيس بوش تعامل مع الموقف بسطحية شديدة، مكرراً الحجج الضعيفة التي ساقها عن أن عملية المصالحة الوطنية تسير بشكل جيد على المستوى المحلي، بل إن هناك قادة من الشيعة والسنة يتعاونون معاً من أجل القضاء على تنظيم «القاعدة». واستطرد انه إذا كان هذا صحيحاً فإن الدوافع ليست العمل على استقرار العراق أو تحقيق المصالحة الوطنية، وإنما دافعها الاساسي هو الحصول على نصيب من المال والأسلحة والسلطة، وليست كما يدعي الرئيس الأميركي.

وعلى صعيد آخر اعتبر بيدزي أن الأوضاع في العراق والتي شهدت بعضا من الاستقرار أخيراً لا يمكن الاعتماد عليها، فما هى إلا استقرار موقت، بل إنها تحمل في طياتها بذور الاضطراب والفوضى على المديين المتوسط والبعيد.  ولفت الانتباه إلى أن الاستراتيجية التي تتبعها القوات الأميركية في العراق بتسليح القبائل هناك، يمكن أن تؤدي إلى استقرار الأوضاع في المدى القريب، ولكن لها العديد من المخاطر والسلبيات، في ظل حقيقة عدم وجود حكومة مركزية قوية تستطيع أن تفرض سلطانها وسيادتها على هذه القبائل، بما يضمن عدم انحرافها عن الخط المرسوم لها، وبالتالي فإن غياب هذه الحكومة المركزية عن العراق في ظل الأوضاع الراهنة يضع المزيد من علامات الاستفهام عن مدى نجاح هذه الاستراتيجية، حيث لن يكون هناك سبب قوي يدفع شيوخ القبائل إلى التخلي عن الأسلحة والمكانة السياسية التي حصلوا عليها في ظل هذه الاستراتيجية.

أما في ما يتعلق بمدى نجاح عملية المصالحة الوطنية في البلاد، أشار بيدزي إلى أن الرئيس بوش نفسه عبر عن خيبة أمله من تباطؤ هذه العملية، فأكد أخيراً في تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي «أن عملية المصالحة الوطنية على المستوى المحلي ليست كما كنا نأمل أن تكون عليه في الوقت الحاضر»، مضيفاً «أن هذا يزيد من اليأس والإحباط من القيادة العراقية».  وأكد بيدزي أن هناك العديد من التقارير والتصريحات التي صدرت أخيراً عن الإدارة الأميركية وتفيد بعد رضائها عن الفشل المتتالي لحكومة نوري المالكي، بل إن هناك اتجاهاً قوياً يدفع نحو تنحية المالكي عن قيادة السفينة العراقية في هذا الوقت الحرج، على أن يتولى رئيس الوزراء السابق إياد علاوي توجيه الدفة العراقية نحو بر الأمان من وجهة النظر الأميركية.

وتعليقاً على ما ذكره بوش في تصريحاته الأخيرة من أن القوات العراقية استطاعت أن تتولى المسؤولية الأمنية في ثماني محافظات من المحافظات العراقية الثماني عشرة، لفت بيدزي الانتباه إلى أن ما ذكره بوش مخالف إلى حد كبير لما أكدته المصادر العسكرية في وقت سابق من هذا العام من أن القوات العراقية كان من المفترض أن تتولى جميع المسؤوليات الأمنية في كامل أراضي العراق بنهاية عام 2007، إلا أن التوقعات الجديدة تفيد بان ذلك يمكن أن يحدث بحلول يوليو المقبل.


* عن «تقرير واشنطن»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي