لن يسير وحده أبداً



في مهبط الكنيست أول من أمس وضعت قواتنا لوحة كبيرة من النوع الذي يستخدم لرسم حركة القوات قبل عملية عسكرية كبيرة. وضعوا على اللوح خارطة كبيرة تضم دولة اسرائيل زائد المناطق، وخارطة لمسار الجولة. مروحية عسكرية واحدة من طراز ينشوف (بلاك هوك) كانت واقفة على الأرض، ومروحية ثانية من طراز يسعور انتظرت في الجو وكلتاهما تحرقان من خلال محركاتهما ميزانية وزارة الدفاع. أسراب من الأصوليين الذين توفر لهم حديقة الورود المجاورة مناظر ومشاهد طبيعية، وأزواج من الشبان والنساء يجلسون هناك على المقاعد من اجل التعارف قبل الزواج - كلهم أوقفوا حركتهم الاعتيادية دفعة واحدة وأخذوا يراقبون التحركات العسكرية النشطة بترقب وفضول.
آرييل شارون هو المذنب في كل شيء. عندما كان شارون رئيساً للمعارضة تسنى له استضافة حاكم تكساس المنصرف جورج دبليو بوش. هذا الأمر كان في بداية حملة عام 2000 الانتخابية. المرشح الذي يتصدر الصفوف في الحزب الجمهوري كان جون ماكين، بينما كان بوش متخلفاً وراءه. شارون جلس معه في مقصف الكنيست، وبعد ذلك حلق في مروحية صغيرة مدنية في جولة فوق الخاصرتين الضيقتين لدولة اسرائيل. كلاهما وصفا تلك الرحلة كحدث مؤثر جداً في وقت لاحق: كان بامكان شارون أن يسجل في رصيده الحصول على تأييد الرئيس الأميركي، أما بوش فقد وطد من خلال ذلك تأييده من خلال مشاهد رآها بأم عينه.
ومنذ ذلك الحين يحاول كل سياسي اسرائيلي تكرار ذلك الانجاز. عندما طلبت تسيبي ليفني مروحية حتى تعرض على أوباما خاصرتي اسرائيل الضيقتين بصحبة جنرال حتى يوضح الجوانب العسكرية، أصر ايهود باراك على أن يكون ذلك الشخص. الأسطورة تقول ان مايك هرتسوغ رئيس طاقم باراك قد هدد بأنهم لن يصرفوا مروحية لليفني ان لم يكن باراك في هذه الجولة. هرتسوغ يقول ان هذه خرافة. ولكن الجيش الاسرائيلي صرف مروحتين. أوباما لن يأتي وحده كما أوضح أعضاء طاقمه. هناك 29 شخصاً يرافقونه أينما ذهب وان كان أوباما في الجو فهم يكونون في الجو. خلال الرحلة جلس باراك قبالة أوباما، بينما كانت ليفني الى جانبه. المروحية صعدت الى الأعلى حتى يكون من الممكن تصوير المرشح على خلفية جبل الهيكل ومن هناك واصل غرباً على امتدد الممر مروراً بموديعين شمالاً على امتداد خط التماس حتى كفار سابا وقلقيلية، ومن ثم جنوباً على طول الخط الساحلي. المرشح وجد صعوبة في التأثر من صعوبات وجود خاصرتين ضيقتين لدولة اسرائيل لأنه كان مضطراً طوال الوقت للحرص على التوازن بين باراك وليفني. حظره مسبقاً أن هناك مشكلة يتوجب عليه أن يجتازها: ليفني تخوض المنافسة على منصب رئاسة الوزراء وباراك أيضاً ونتنياهو. من هنا، عليه أن يصغي لكل واحد منهم، فالسياسيون يدركون حساسيات كهذه. كذلك الحال مع معلمات الروضة.
في المساء عندما أجريت مقابلة مع أوباما (المقابلة نشرت أول من أمس في «يديعوت أحرونوت»)، قال كمن يفرض حقيقة: «أنا أدرك ان هذا موسم الانتخابات في اسرائيل. مجموعة من الشخصيات التي قابلتها ستخوض المنافسة قريباً على رئاسة الوزراء».
منافس أوباما جون ماكين كان في البلاد قبل أشهر أربعة في آخر مارس. انتصاره في الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري كان مؤكداً، ولكن لم يكن قد أعلن رسمياً بعد. الزيارة اعتبرت زيارة عمل: هو جاء مع عضوين بارزين آخرين من مجلس الشيوخ، الديموقراطي جو ليبرمان والجمهوري ليندسي غراهام، كلاهما يؤيدان انتخابه رئيسا للولايات المتحدة. هم سافروا الى العراق، وبعد ذلك جاؤوا الى اسرائيل. غطيت زيارته في سديروت. ايهود باراك انضم لهذه الرحلة أيضاً، ولكن لوحده في هذه المرة. جيش الصحافيين من أميركيين الذي كان بانتظار أوباما في سديروت لم ينتظر ماكين. أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة زاروا المنزل الذي تلقى ضربة من صاروخ قسام، وقاموا بجولة في مناطق أخرى. ماكين بدا عجوزاً متعباً. ردوده على الأسئلة كانت متوازنة جداً لدرجة الظهور بعدم الاهتمام. عندما وقف أوري بارليف قائد اللواء الجنوبي في الشرطة وأوضح له الفرق بين القسام والغراد استفاق ماضي ماكين العسكري من أيام حرب لبنان فجأة، فقد كان يعرف ما الذي يتحدث عنه بارليف.
أعدوا لأوباما مساراً مشابهاً: بيتاً مهدوماً وطفلاً قطعت ساقه، ومتحفا لصواريخ القسام. اسرائيل بسطت مشاكلها وتمسكنت أمام ضيوفها: في المروحية حدثه باراك عن المعارك والانتصارات وكيف قاموا باحتلال هذه المنطقة في العام 1948 وتلك في العام 1967 وعلى الأرض حدثوه عن هزيمة متواصلة، وعندما كان يسير في الشارع في سديروت شاهد المواطنين يتزاحمون على جانبي الطريق رافعين صوراً ولافتات تتحدث عن معاناتهم. يبدو أن أحداً ما قد اصيب بالبلبلة وخلط بين غايداماك وأوباما. ربما كان الحر هو السبب.
في الجولة التمهيدية بحث المسؤولون في وزارة الخارجية عن بيت مهدوم حتى يغذي الضيف ناظريه. لم يجدوا. هذا على ما يبدو زمن التهدئة وجدوا حلاً وسطاً متمثلاً بمنزل عائلة عومر الذي هدم بسبب صاروخ قسام في ديسمبر الأخير. المشكلة هي أن البيت مهدوم فعلاً الآن: العائلة هدمته كلياً لاعادة بنائه. والدولة هي التي ستدفع ثمن الترميم.
الطفل أوشر تويتو الذي فقد ساقه حمل على كرسي متحرك الى موقع. أوشر يفهم جيداً المطلوب منه قسرياً هو سيقول للمرشح الأميركي ما طلبوا منه أن يقوله. سيقول له انه يأمل أن يكون رئيساً للسلام وسيعطيه قبعة بوليسية من النوع الذي استخدم ابان فترة فك الارتباط كهدية. أوباما لن يرتدي القبعة. هذا لم يكن ضمن الخطة. وهو لا يقبل الخروج عن الخطة. هو سينحني بود وعطف نحو الطفل تماماً، مثلما فعل ماكين مع الطفل الذي جلبوه له خلال زيارته لسديروت قبل أربعة اشهر. الا أن ذلك الطفل بكى من الخوف عندما اقترب منه ماكين. تويتو لا يبكي. تسيبي ليفني ركعت عند رجليه، بينما كان باراك بجانبه وآفي دختر وزير الأمن الداخلي، هؤلاء كلهم أحاطوا به.
ماكين أكثر خلال زيارته من النظر الى ليبرمان، لأنه شعر أنه يفهم نفسية اليهود المتزاحمين من حوله اكثر منه. أما أوباما تصرف بصورة مختلفة من دون انفعال وبالدرجة الصحيحة.
السياسيون الاسرائيليون الذين قابلهم حاولوا اطلاعه على سلسلة من المسائل من ايران، مروراً بخوفهم من الانسحاب الأميركي السريع من العراق، وانتهاء بسورية و«حزب الله» و«حماس». في كل مسألة من هذه المسائل سارع أوباما لاسماع مستضيفيه العبارات نفسها التي حفظها من مستشاريه. هذا ما يحدث عندما يكون المرشح في ذروة الحملة: هو ينظر الى الداخل وليس الى الخارج. ويركز كل طاقته الفكرية على عدم الوقوع في الأخطاء. احدى المراسلات الأميركيات قالت: «الذروة بالأمس كانت عندما قال ان على الجانبين أن يقدما التنازلات حتى يتوصلا الى اتفاق». فعلاً انها حكمة كبيرة. هي محقة طبعاً، ولكنها تعرف أيضاً أن صورة أوباما محاطاً بالجنود الأميركيين المتحمسين، وهو يأكل الطعام معهم في قاعدة عسكرية في العراق تعادل وزناً أكبر بكثير من الكلمات كلها التي قالها وسيقولها خلال زيارته.
هذه الصورة - والصور الأخرى مع زعماء العالم، وهو يظهر واسع الاطلاع طبيعيا واثقاً من نفسه، وكأنه كان هناك دائماً كواحد منهم.
بعد ذلك خلال المقابلة التي منحني اياها تحدثنا عن ارتياب اليهود في أميركا اتجاهه. بدا لي أن هذا كان أهم مقطع في محادثاتنا هو اعترف باستقامة أن هناك مشكلة، ولكنه قال ان هناك مبالغة في تصويرها. وفقاً للاستطلاعات سيؤيده 65 في المئة من الناخبين اليهود، وهذا جيد حسب رأيي رغم أنه أقل مما حصل عليه المرشحون الديموقراطيون في السابق. «هناك من تبنوا نهجاً سننتظر ونرى. ان أخذنا بالحسبان مدى قلق يهود أميركا بصدد اسرائيل وبصدد السياسة الخارجية عموماً أمكن فهم ذلك. ولكنهم سيعودون في يوم الانتخابات».
تحدثنا عن اسهام اليهود الحاسم في حركة الحقوق المدنية التي كافحت من أجل مساواة السود في الخمسينات والستينات. وتحدثنا عن المسلسل التلفزيوني «جذور» التي وصف معاناة السود الذين قدموا الى أميركا كعبيد. حدثت عن أن ذلك المسلسل كان محبوباً جداً في اسرائيل.
ألا تجد أساساً مأسوياً في حقيقة أن اليهود تحديداً يتعاملون بارتياب مع مرشح أسود للرئاسة؟ سألته. هو فضل التحدث عن مآس تاريخية وعن التشابه بين معاناة اليهود ومعاناة السود. «جزء من صلتي بالشعب اليهودي يرتكز على هذه الصلة التاريخية»، قال. وأضاف: «نحن وأنتم نعرف معنى الشتات والتفرقة والمعاناة. يجب أن تربطنا هذه التجارب المشتركة وأن تكون فوق كل شيء».
في أسفل الفندق كان بانتظاره رئيس بلدية القدس أوري لوبلينسكي وعشرات اليهود الذين يرغبون بمشاهدة المرشح. تذكرت الحكاية القديمة حول المرشد الذي قاد مجموعة سياح من اسرائيل. في ختام النزهة وقف بجانب باب الحافلة منتظراً البقشيش. المسافرون مروا من أمامه واحداً واحداً من دون أن يدفعوا. في آخر المطاف أعطاه الأخير طبقاً من المال. «ربما لم تقتلوا يسوع»، قال المرشد، وأضاف: «ولكن من المؤكد أنكم قد نغصتم حياته حتى اليوم».
اليد
في مباريات مونديال 1986 ما قبل النهائية حسم دييغو أرماندو ماردونا نجم الفريق الأرجنتيني مصير المنتخب الانكليزي بهدف أدخله بيده. ماردونا أدخل هدفاً آخر في المباراة نفسها لاحقاً. هذا كان هدفاً نادراً في نوعيته وانتصرت الأرجنتين بنتيجة هدفين مقابل هدف واحد للانكليز. ورغم ذلك تحول الهدف الذي لم يكن هدفاً الى علامة فارقة مقلقه في تاريخ كرة القدم. «يد الله» اعتاد بعض محللي الرياضة اطلاق هذا الاسم عليه. لكن ما هكذا يتوجب احراز الفوز بالمباريات.
المدعي العام للدولة موشيه لادور أبعد من أن يكون ماردونا. ليس لدي شك أنه سيرفض بكلتا يديه أي مقارنة بين الهدف الذي أحرز حينئذ وبين اقالة ايهود أولمرت الوشيكة. رغم ذلك يتوجب أن تقلق التحركات القضائية التي تمخضت عن التحقيق المسبق التمهيدي مع موريس تلنسكي كل من يطالب بلعبة نزيهه في المحكمة وخارجها. موشيه لادور الشخص النزيه من النواحي كافة أدخل هدف العمر ليس في قدمه ولا في رأسه ولا في صدره. هو أدخل هذا الهدف بيده. أولمرت خاض حربه ضد النيابة العامة حتى الأسبوع الماضي بفم مغلق ويدين مقيدتين. محاموه هم الذين تحدثوا باسمه. المستشار الاعلامي الخاص الذي استأجره أخيراً انضم الى المجموعة، وعندما أراد التحدث حذره وزير العدل والمستشار القضائي للحكومة من أن ذلك سيعتبر عرقلة لمجريات التحقيق. وكرر أنه من الأفضل له أن يتجنب ضم هذه المصيبة لمصائبه الأخرى كلها. في الأسبوع الماضي في ختام مرحلة في شهادة تلنسكي التمهيدية قرر الاقدام على خطوة ما. في الصحف الثلاث نشرت أمور قالها أولمرت «للمقربين» أو في «محادثات مغلقة».
أولمرت على قناعة أنه ضحية للعجرفة والنزعات الشريرة من قبل المسؤولين في النيابة العامة وعلى رأسهم لادور. شكواه تتمركز على المجريات: من المحظور عليه أن يتحدث عن مضمون الاتهامات الموجهة اليه. لادور كما يقول أولمرت أقنع المحكمة بالمصادقة على مجريات شهادة تلنسكي التمهيدية بذرائع وهمية. الادعاء بأن أولمرت قد يمس به كان بلا أساس وارتكز على أمر ساخر تفوه به تلنسكي خلال التحقيق معه. هم صوروا للمحكمة أنه مهدد فعلاً.
لادور أخطأ وهو لن يدفع الثمن. وأولمرت سيضطر في آخر المطاف الى انهاء ولايته كرئيس للوزراء. شهادة تلنسكي التمهيدية في شهر مايو والتسريبات من التحقيقات فعلت فعلها. استقالة أولمرت حتى القصرية ليست بأمر جديد في بلادنا. الجهاز عرف كيف يتغلب على أحداث كهذه في الماضي وسيعرف كيف يفعل ذلك الآن من دون شك. المشكلة التي تقلق المسؤولين الآن هي امكانية أنه قد كان هنا استخدام مفرط او سوء استخدام للقوة. مازوز، لادور ورفاقهما لم يعينوا حتى يكونوا قادة الدولة. ومحكهم يكمن في قدرتهم على الوصل الى محاكمة عادلة من دون خرق قواعد اللعبة.
ليس لدي شك أن المحققين مع أولمرت قد انطلقوا من الاعتقاد بانه مذنب. هذا الافتراض حتى وان كان صحيحاً هو شرك مغرٍ، لأنه يغري المحقق للوصول الى الادانة بطرق غير سليمة. ما فعله لأولمرت - ولأشخاص آخرين في قضاياه المختلفة - يمكن أن يفعلوه مع أي انسان مشبوه في نظرهم. هذه امكانية ضارة، بل وحتى خطيرة. في آخر المطاف لم يكن هناك أي خطر في عدم عودة تلنسكي الى هنا، بل على العكس فالشبهات التي ظهرت خلال التحقيق معه قد تورطه في تحقيق جنائي في الولايات المتحدة. لذلك أقدر أننا سنراه هنا لفترة طويلة في الزمن القريب. وربما يأتي يوم ويهاجر الى البلاد، ويكون الصهيوني الأخير.
ناحوم بارنياع
«يديعوت أحرونوت»