حوار / النائب البطريركي العام على نيابة صربا المارونية أكد أن ما يحصل في الكويت نمط إيجابي يحتذى به

المطران روحانا لـ«الراي»: الكويت تعالت عن الحراك العنفي وأظهرت وجه الإسلام الوسطي

تصغير
تكبير
•أنقل تحيات البطريرك الراعي إلى الأمير وولي عهده ورئيس مجلس الوزراء والشعب الكويتي

• مستاؤون من عدم وجود رئيس للجمهورية... ولا أظن أن الكلمة الفصل فقط لدى الفريق المسيحي

• اللبنانيون جرّبوا الحوار العنفي ورأوا أنه لم يؤد إلى أي نتيجة... وأستبشر بالحوار بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»
هنأ النائب البطريركي العام على نيابة صربا المارونية المطران بولس روحانا، الكويت أميراً وشعباً بالعيدين الوطني والتحرير، كما هنأ سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بالذكرى التاسعة لتسلّمه الحكم، متمنياً للكويت، الدولة الصديقة والشقيقة للبنان، أن تنطلق بوثبة جديدة نحو المستقبل، وأن ينعم عليها الله عزّ وجل بالنعم والخيرات، داعيا في الوقت نفسه اللبنانيين الذين يعيشون في الكويت، الى اعطاء الكويت كما اعطتهم، بكل محبة وبكل خير، لا سيما انها «تعالت عن الحراك العنفي وأظهرت وجه الإسلام الوسطي الذي يحترم التعددية».

«الراي» التقت المطران روحانا الآتي من لبنان، على هامش زيارته للكويت، حيث شارك الجالية اللبنانية في احتفالها بعيد شفيع الطائفة المارونية القديس مار مارون.


وفي هذا الإطار، قال روحانا: «منذ فترة طويلة، درجت العادة أن تحيي الكنيسة المارونية في الكويت، عيد شفيعها القديس مار مارون، الناسك الذي عاش في القرن الرابع، وتدعو كل عام أحد الأساقفة الموارنة للمشاركة في هذه المناسبة التي ليست دينية فحسب، انما اجتماعية ووطنية، على غرار ما يحصل في لبنان، للدلالة على ان تكون هذه المناسبة عامل جامع بين ابناء الجالية اللبنانية من مختلف الطوائف. وأعتَبرُ ان هذه المناسبة علامة ايجابية لدولة الكويت التي تتميز بانفتاحها منذ عقود على جميع الدول عموماً، وعلى لبنان واللبنانيين وخصوصا».

وأوضح روحانا رداً على سؤال أن «المسيحيين هم من هذا النسيج في كل البلدان العربية، وليسوا جزيرة لوحدهم، فالمسيحيون من مختلف طوائفهم، ينتمون تاريخيا وثقافياً وانسانياً وروحياً الى هذه المنطقة وما يصيب كل مواطن في هذه البلاد العربية، فهو يعني المسيحيين أيضا». والحراك الكبير الذي نراه وتعيشه حالياً بعض الدول العربية، هو حراك اجتماعي سياسي وديني، يعني المسلمين في الدرجة الأولى والمسيحيين معهم، اذا هذا الحراك يطال الجميع، في العراق وفي سورية وفي مصر وليبيا، في المقابل، هنا العلامات الفارقة، العلامات التي تدعو الى الامل والرجاء والخير، وهي ان ثمة دولا مثل الكويت تتعالى عن كل هذا الحراك العنفي، واستطاعت اظهار وجه الاسلام الوسطي، الاسلام الذي يؤمن ويحترم التعددية، ونحن نشهد على هذا الأمر للكويت الحبيبة.

وأضاف:«في لبنان، ترعى الكويت مشاريع اقتصادية وتنموية وثقافية وانسانية كثيرة مع الجميع على اختلاف طوائفهم، واللبنانيون الذين يعملون في الكويت، وبعضهم منذ أكثر من نصف قرن، جميعهم صوت واحد، يقولون إن دولة الكويت هي الدولة الراعية للتعددية وتحترم الجميع. والمسيحي حيث ما حلّ، تراه يحترم قوانين البلد الذي يعيش فيه، واللبنانيون عموما والمسيحيون خصوصا، هم من الذين يقدّمون خبراتهم وكفاءاتهم، لتنمية المجتمع الكويتي...الذي بدوره يمنحهم الأمان والرعاية والاحترام ويحتضن هذه المواهب والكفاءات... فلا يجب علينا أن نظل نقول إن البلاد العربية يوجد فيها حراك عنفي... هناك أنماط مختلفة وايجابية في عالمنا العربي، وعلينا أن نلقي ونسلط الضوء عليها، لأنها بريق أمل يدفعنا للانطلاق الى الأمام، وانا اعتبر ان ما يحصل في الكويت، هو نمط ايجابي يمكن أن يحتذى به في غير دولة عربية، لأن هذه هي الطريقة السويّة والطريق الوسط الذي يدعو له الدين الاسلامي والدين المسيحي».

وقال روحانا:«في وجداننا اللبناني، هكذا ننظر الى دولة الكويت، التي كانت على الدوام الى جانب لبنان، داخل لبنان، ومع جميع اللبنانيين داخل الكويت، واعتقد ان ثمة تراكم عقود من الخبرات، وهذا أمر ضروري كما قلت يجب أن يتم تسليط الضوء عليه في ظل ما نراه حولنا من ظلامية في بعض الأحيان، لكن هذا الحراك قد يكون طبيعياً في مسار تاريخي طويل، وأتمنى أن نتعلم من هذا الحراك العنفي الذي نراه كي نصل الى الحوار والى العقلانية والى المصلحة العامة، وأن نصل الى الانسان، خصوصا اننا جميعنا نتساوى في الانسانية لأننا كما هو مذكور قي الكتاب المقدّس: على صورة الله ومثاله، وفي القرآن الكريم يذكرون أيضاً ان الانسان هو خليفة الله، فالله هو الجامع».

وعن صحة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي، الذي خضع أخيرا لعملية جراحية، أوضح المطران روحانا أن «ما حصل للبطريرك الراعي حادث عابر وعملية بسيطة تكلّلت بالنجاح، وصحته بألف خير والبرهان انه موجود حاليا في روما للمشاركة في اجتماع الكرادلة في الفاتيكان، وكما يعلم الجميع، فالبطريرك لديه طاقة كبيرة من الدينامية ومن روح المسؤولية ومن حبه للجميع فهو كان له زيارات جميلة الى الكويت والى دول الخليج وكلفني أن أنقل تحياته الى سمو الأمير وولي عهده الأمين وررئيس مجلس الوزراء والى الشعب الكويتي الشقيق والى اللبنانيين».

وتعليقاً على ما يعتبره البعض اهتمام بكركي (مقر البطريركية المارونية) بملفات مطلبية مثل ملف «كازينو لبنان»وملف

«الحوض الرابع» في مرفأ بيروت، وكأنه تعويض عن عجزها عن لعب دور حاسم في انتخاب رئيس للجمهورية، يقول روحانا: «في حياة أي شعب وفي أي دولة كانت، ثمة ملفات عدة، ولا يوجد ملف يطغى على الآخر... والشعب اللبناني يعاني من مشاكل عدة منذ زمن طويل، والبطريركية المارونية، ونظراً لاهتماماتها الوطنية، تعيش مع اللبنانيين في مآسيهم وفي أوجاعهم».

ويضيف:«صحيح لدينا طبقة سياسية رسمية منتخبة من نواب ووزراء ومن مرجعيات، عليها هي ان تجد الطرق لحلحلة مشاكل المواطنين، انما في بعض الأحيان، فان صوت الكنيسة هو صوت الضمير،ونحن نؤمن بما يسمى بالعمل الاجتماعي وكل ما يتعلق بأمور الناس، فالكنيسة مثلا، لديها ما يسمى بتعليم الكنيسة الاجتماعي بكل ما يتعلق بالناس وحقوقهم وكرامتهم، والكنيسة تتدخل عندما ترى ان المساواة بين الناس ليست مؤمنة في شكل كاف، وعندما ترى كذلك أن ثمة مسّ بحقوق البعض، فتراها (الكنيسة) تطالب بحقوق هذه الفئة أو تلك. الكنيسة لا تأخذ القرار، بل هي الضمير والبطريركية المارونية رأت في ملفي الحوض الرابع أو كازينو لبنان ان عليها أن تلعب دوراً وتساعد الطبقة السياسية ولكن هي ليست صاحبة القرار، بل هي تسلّط الضوء على ما يمكن أن يعتبر خللاً في معالجة هذين الملفين... البطريرك وبكركي، ومعهما شريحة كبيرة من اللبنانيين مستاؤون من عدم وجود رئيس، فهذه مسألة وطنية بامتياز».

وتابع:«لا اعرف بالتحديد السبب في عدم انتخاب رئيس، رغم كل المطالبات ومن كل صوب، من لبنان ومن خارج لبنان، ولا ننسى أن أميركا وأوروبا والدول عربية، طالبت وتمنّت على اللبنانيين أن يكون لهم رئيس للجمهورية، الا انني وبكل صراحة، لا أعرف الخفايا والمعوّقات التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ملف مهم بحد ذاته، انما الملفات الأخرى، لا يمكن أن نعتبرها ملفات للتعويض أو للتغطية على عجز بكركي في الملف الرئاسي».

وعمن يحمّل عدم اتفاق المسيحيين، مسؤولية استمرار الفراغ الرئاسي، قال:«لست مع هذه النظرية... أنا لست رجلا سياسيا، ولكن اعتقد ان المشكلة أكثر تعقيدا، ولا أظن ان كلمة الفصل هي فقط لدى الفريق المسيحي، لبنان بلد توافقي والمطلوب من اللبنانيين أن يتفقوا في كل مرحلة مهمة خصوصا في مهمة رئاسة الجمهورية، خصوصاً أن الرئيس هو ليس فقط للمسيحيين، وانما هو رئيس لجميع اللبنانيين ولا ننسى أن رئاسة الجمهورية في بلد كلبنان، لدى طوائفه تشعّبات في عمق العالم العربي ان كان من السنة أم من الشيعة أم من المسيحيين وهذا الأمر، شئنا أم أبينا، يعقّد الحل».

ولفت إلى ان «الأزمة في سورية تعقّد الحل في لبنان كذلك هذا الحراك العربي اليوم، وأعني الحراك السني-الشيعي في المنطقة، له ذيوله أيضاً في التركيبة اللبنانية. فلبنان ليس بجزيرة نائية، نتمنى ان يكون هناك يقظة لبنانية - لبنانية وتحرّرٌ لبناني على أكبر اتجاه من هذه الذيول ومن هذه التأثيرات الخارجية على القرار اللبناني، واتمنى أن يكون هناك توافق لبناني - لبناني على الأمور الأساسية من انتخابات نيابية، أو انتخابات الوزراء وصولا الى رئاسة الجمهورية، فهذا أمر مهم لأننا لدينا خصوصيتنا ولدينا مشاكلنا ونحن بحاجة الى بعض من الحرية في ادارة البلد».

وذكر أن «ليس كل شيء رهن الاستراتيجيات الخارجية أكانت عربية أم أوروبية أم أميركية، يعني هناك نوع من الحرمة اللبنانية، وثمة نوع من الخصوصية اللبنانية... وانا أحترم رأي صاحب الغبطة، لأن البطريركية المارونية لديها نوع من الوصاية الروحية على هذا البلد، لأن البطريركية المارونية لعبت دورا كبيرا جدا منذ نحو 70 عاماً في نهوض هذا الكيان اللبناني الذي أرادت أن يكون للجميع، أي للمسيحيين وللمسلمين، ولكي يكون لبنان بلدا للجميع، فهو بحاجة الى نوع من الحرمة ونوعا من الصيانة، صيانة العيش المشترك، وأن يكون لديه قدرة على أن يتمكن ابناؤه من أخذ القرارات التي يرونها مناسبة لصيانة هذا العيش الذي أردناه».

واستطرد:«رغم تأثرنا بما يجري حولنا، أتمنى من جميع اللبنانيين أن يكون لديهم الكثير من روح المسؤولية الوطنية وأن يتفقوا على الامور الضرورية لصيانة بلدهم، واذا استسلمنا بشكل أو بآخر الى أماني القرارات الخارجية، ففي هذه الحال، نحن نعرّض بلدنا - الذي اعتبره البابا يوحنا بولس الثاني رسالة بالتعددية واحترام الآخر - نعرّض بلدنا الذي بنيناه جميعنا بالدموع الى الخطر».

وأضاف:«لايستطيع أحد المزايدة والقول ان له الفضل أكثر من غيره في بنيان هذ البلد، لكن علينا ان نحافظ عليه كحدقة العين، وهذه هي صرخة البطريرك اليوم، وهذه صرخة الكثير من اللبنانيين... واتمنى أن يكون لهذه الصرخة أذان مصغية».

وبخصوص رأيه في الحوار القائم حاليا بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، وهل يمكن أن يفضي الى كسر المأزق الرئاسي، أجاب:«كل حوار استبشر به خيرا، وكل حوار هو بداية احترام للرأي الآخر، لا يجوز كلبنانيين التخندق... نحن كلبنانيين يجب ان نكون وجوها متقابلة، اذا كنا نحب هذا البلد واذا نحب مصلحته، فعلينا التحلي بالجرأة ونجلس مقابل بعضنا البعض ونذلل الصعاب بين المسيحيين أنفسهم، وبين المسيحيين والمسلمين، للوصول الى الخير العام، وصولاً الى الخير الخاص، وأتمنى أن يكون لنا رجال دولة في لبنان، أي رجال يغلّبون مصالح الدولة على المصالح الفئوية».

ولفت إلى أن «القوات والتيار الوطني الحر جديّون في حوارهم، وكذلك الحوار القائم بين تيار المستقبل وحزب الله، فمن الضروري وجود هكذا حوارات للوصول الى المساحات المشتركة، وتنمية هذه المساحات، وهذه ستكون خشبة خلاصنا»، مضيفا: «فلا يعتقد أحد أن بإمكانه وحده أن يبني وطنا، فالبلد سينقلب علينا جميعا اذا لم ننم هذه المساحات المشتركة وهي كثيرة وعلى كل الصعد... وللتذكير فقط، اللبنانيون جرّبوا الحوار العنفي، ورأوا أنه لم يؤدّ الى أي نتيجة، بل على العكس، تراجعنا كثيرا، في وقت، عرفت دولا أخرى نمواً في وقت كان لبنان يغرق في الحوار العنفي فأتمنى أن نستمر في الحوار ونكون عقلانيين وأن نضع الخيرالعام في كل المجالات فوق كل اعتبار».

وضع لا يطمئن

أبدى المطران روحانا عدم اطمئنانه إلى الوضع الامني بعد عملية مزارع شبعا وفي ظل التوترات الحدودية مع سورية، حيث قال: «لا أعرف ما يوجد في جعبة كل فاعل أمني وسياسي في المنطقة، أكان حزب الله أو سورية أو اسرائيل، ولكن كل فعل وردّة فعل بحدّ ذاته، يدعو للقلق، لان طالما لدى الناس والمنظمات والاحزاب والمقاومات السلاح الكافي ويستعملون لغة التهديد والتهديد المضاد، فطبعا أؤكد أن الوضع لا يطمئن، بل يدعو الى الخوف، خصوصا في غياب قرار الدولة».

وأعرب عن تمنيه «أن يعزّز دور الدولة اللبنانية الجامعة والحاضنة للجميع، الدولة القادرة على أن تأخذ القرارات، وأن يكون لدينا دولة القانون، دولة قادرة على جمع المواطنين، ولكن اذا استمر الوضع على ما هو عليه، واذا استمر كل فريق في فرض رأيه على الآخر، فنحن سندخل في نفق مظلم للغاية، لن نتمكن من الخروج منه».

وأردف: «نتمنى ان يكون لدينا دولة معاصرة، ضد كل الفئويات، وتكون حاضنة للجميع، دولة معاصرة، لا يتحكم الدين في قوانينها ودستورها، دولة تحترم التنوع، وتضع نظاما جيدا وعادلا للجميع، وأتمنى من جميع الدول العربية أن تتكون على هذه الطريقة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي